الحلقة الأولى:
الانتخابات الرئاسية االلبنانية
تحت مطارق الداخل المتعددة وسندان الخارج الصلب

الحلقة الثانية
لا يخلط بين ميزاني القوة والضجيج
بطرس حرب مرشح اللبنانيين

الحلقةالثالثة
جنرال الحروب ومرشح الرئاسة
ميشال عون فارض اسمه على الجميع

الحلقة الرابعة
نسيب لحود رئيساً

الحلقة الخامسة
رياض سلامة: الرئيس التكنوقراطي
تطييف المال والأعمال

الحلقة السادسة
إدّه رئيس اللاسلم واللاحرب

الحلقة السابعة

الجمهورية على قياس عبيد

الحلقة السابعة
الملاط.. آت من المستقبل


الدولة اللبنانية امام امتحانها الصعب
مصير اميل لحود رهن بتحقيق التوافق

بلال خبيزمن بيروت: يرى قادة 14 آذار وجمهورهم في لبنان، ان تغيرات كثيرة حصلت منذ عام. وان هذه التغييرات، التي عبرت عنها الانتخابات النيابية على وجه من الوجوه، لم تستكمل في قمة هرم السلطة. بمعنى ان مجلس النواب الحالي لا يوافق على السياسة التي يتبعها الرئيس اميل لحود، قبل الحديث عن اصرار اكثريته الحالية عن ضرورة اقصائه عن منصبه.بناء على مقتضيات ما جرى في العام السابق يعتقد هؤلاء ان موقع رئاسة الجمهورية قد اصبح خالياً سياسياً فضلاً عن تصدعه امنياً بعد اعتقال قادة الاجهزة الأمنية الاربعة بتهمة الاشتراك والتخطيط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. والحق ان ما يراه قادة 14 آذار هو عين الحقيقة في معنى من المعاني، فليس ثمة شك في لبنان ان موقع الرئاسة قد اصبح خالياً، إذ ان الرئيس لحود خسر تباعاً كل مصار منعته وقوته الداخليتين، والتسويات التي يجري الحديث عنها، إنما تجري على رأسه. يعرف الرئيس لحود ان مصير ولايته على المحك. لكنه ايضاً يعرف، ان التوازن الداخلي لم يرس بعد على اتفاق محدد. وان فقدان التوازن هذا، انما يصيب البلد في مقاتل متعددة. لكن الاتفاق على خلافة لحود لبنانياً هو الفيصل الذي يحسم في مصير الرئيس الحالي.

تكمن قوة لحود وقدرته على البقاء في منصبه في ضعف البلد عموماً وضعف اجماعاته، وندرة البديهيات. ليس ثمة الكثير مما يشترك فيه اللبنانيون في ما بينهم. وليس ثمة، أقله حتى اليوم، وغداة انعقاد الجلسة الرابعة من جلسات الحوار بين القادة اللبنانيين، ما يمكن اعتباره ولادة وعي مشترك بوجوب مراعاة المخاوف والمصالح لدى الاطراف المعنيين في الحوار. يمكن لأي محاور وبشطحة موقف انفعالي ان يرفض اخذ مصالح الفئات الاخرى في اعتباره. ويمكنه ايضاً وبسبب تعقيدات الاجتماع اللبناني ما بعد الحرب ان يتجاهل كل ما يجري، ويدعو الاطراف الأخرى إلى الدخول قسراً تحت جناح هيمنة ما، ليس ثمة مقومات فعلية لاستتباب اسبابها. فالهيمنات كما نعرف لا تشترط فقط ان يكون المهيمن قوياً بل ايضاً ان يكون المهيمن عليه مقتنعاً ببعض فوائد الهيمنة، فضلاً عن ادراكه صعوبة مواجهة القوة المهيمنة. والحال لا يبدو ان الأوضاع اللبنانية الراهنة تتيح تحقيق هيمنة فعلية من اي نوع. فالدخول تحت سلطة الدولة الجامعة يفترض من اللبنانيين ان يتفقوا على معنى الدولة، وعلى التسوية التاريخية الممكنة التي تسمح للقوى المؤثرة في الوضع اللبناني ان تتحرك وتحمي مصالحها تحت حد قانونها ودستورها. لذا يبدو الحديث عن تاريخية الدولة اللبنانية، وشمول سلطانها بمعنى من المعاني كل البلد في الغابر من تاريخ لبنان، غير ذي صلة على الإطلاق.

والحق انه يجدر بنا ان نلاحظ ان المتحاورين جميعاً هم من مواليد الحرب الأهلية اللبنانية، وإذا استثنينا السيد غسان تويني من رعيل المتحاورين، بدا لنا ان ليس ثمة في ما بينهم من يعرف لبنان ما قبل الحرب الأهلية سياسياً وديموغرافياً. والحرب الأهلية كان لها عنوان اساسي من عناوينها يتصل اتصالاً وثيقاً بتهديم مباني الدولة اللبنانية الجامعة، وانغلاق الطوائف والمناطق على مصالحها الضيقة وعلى تدبير شؤون استمرارها من دون الحاجة إلى الدولة الجامعة والاختلاط الاجتماعي. لذا سيكون من العسير على ابن الثلاثين عاماً الذي يتحدر من جرود كسروان ان يفهم معنى الاختلاط والتعايش، مثلما هي حال ابن الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية الكاسحة.
قد يكون اسوأ ما ثبتته الهيمنة السورية على لبنان طوال العقدين الأخيرين من عمر البلد، انها اعاقت اي تسوية اجتماعية بين اللبنانيين. فكان تاريخ هذه الهيمنة يهدد اللبنانيين دائماً بنشوب الحرب الأهلية ما ان يرفع ضباط المخابرات السورية يدهم الثقيلة عن البلد. وكان اللبنانيون الذين وافقوا جميعاً على ما ورد في اتفاق الطائف، يعرفون ان المعضلات اللبنانية اصعب من ان تحل بين يوم وليلة، وراهنوا في هذا المعنى على الأمن المستتب لتحقيق بعض المشترك بين اللبنانيين. لكن الأحوال في ظل الهيمنة السورية بقيت على ما كانت عليه. بل ويبدو ان الإدارة السورية كانت تمعن في تفكيك كل مشترك بين اللبنانيين، تمهيداً لجعل القمع الأمني سبيلاً وحيداً لنوع من الوحدة الشكلية في لبنان. كما لو ان ما كان مرغوباً يتلخص بالإمعان في تذكير اللبنانيين بلا أهليتهم في تحقيق سلم مستقر بفردهم، وضرورة انضباطهم تحت سقف الأجهزة الامنية، أكانت هذه الأجهزة سورية ام لبنانية تابعة.

على هذا يمكن القول ان ما جرى في العام الماضي اثبت ان هذه القوى الطائفية المشكوك في قدرتها على صياغة تسوية تاريخية بين اللبنانيين، انتصرت بلا جدال على السلطة الامنية وسحقت آمالها في التسيد مرة أخرى على مصائر اللبنانيين. بهزيمة السلطة الامنية اصبح بقاء الرئيس اميل لحود في منصبه مرهوناً بعدم توافق اللبنانيين على أي حل. اي ان قوة لحود تتأتى من عجز اللبنانيين على تحقيق توافق ما على شكل بناء الدولة القادمة. وهذا ينطبق على كافة المناقشات اللبنانية في مؤتمر الحوار، من سلاح حزب الله، إلى لبنانية مزارع شبعا، إلى دور المقاومة، وصولاً إلى الاستراتيجية الدفاعية، وحتى إلى علاقات لبنان الخارجية. لكن الثابت في كل هذا ان لبنان يعيش اليوم في غياب القانون. وان القانون الوحيد الذي يصر اللبنانيون حتى الآن على احترامه، هو قانون المخاوف المتزايدة من اي انفجار. فما يحمي اللبنانيين من اي انفجار اليوم ليس أكثر من مرارة ما ذاقوه في الحرب الأهلية التي عصفت في البلد طوال عقود.بقاء اميل لحود في سدة الرئاسة ليس بعيد الاحتمال. لكنه يساوي عجز اللبنانيين عن بناء دولتهم، وعن العيش في وطن موحد تحت حد القانون والدستور. ويجدر بنا القول ان المناقشات التي يخوض فيها المتحاورون في لبنان اليوم، ليست بالسهولة الي يظن البعض انها قد تكون. فهذه مناقشات عسيرة حيث تكاد المصالح لا تتقاطع بين المتحاورين إلا في أقل القليل. والارجح ان مخاض ولادة اي تسوية قابلة للعيش في لبنان سيكون صعباً ومديداً، إلى حد قد يجعل التمديد لإميل لحود مرة ثانية احتمالاً قائماً.