عادل درويش من لندن: رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي تحول الى بطة عرجاء في الأشهر الباقية له قبل مغادرة داوننج ستريت، اضيفت اليوم الى متاعبه وجيش منتقديه وخصومه المتنامي عددهم باستمرار اتهاما جديدا، وهو افساد جهاز الدولة الوظيفي المعروف بخدمة التاج المدنية Civil Service وتسييسه بطريقة ادت الى فقدان الشعب والرأي العام الثقة بالجهاز الذي يعتبر الدعامة الاساسية للدولة، وقبلها الامبراطورية بشكل لم يسبق له مثيل، ومن ثم فسيواجه خليفة بلير، وهو على الاغلب وزير المالية الحالي جوردون براون، مهمة بالغة الصعوبة في اعادة الحياد الى الجهاز وفصله عن تأثيرات الساسة واهوائهم الايدولوجية.
وبعد الانتقادات من كبار ضباط الجيش والبحرية لبلير وحكومته باضعاف الجيش، والاتهامات من الأطباء باهمال الصحة وتدهور المستشفيات، والاتهامات من الأكاديميين باتباعه سياسة ادت لتدهور مستوى التعليم، جاء الدور على جهاز موظفي التاج لضم صوتهم لجوقة انتقاد بلير.
الهجوم الأخير يأتي من طرف اللورد ريتشار ويلسون، السكرتير السابق لمجلس الوزراء ورئيس السلك الوظيفي للدولة مابين 1998 و 2002، اي في الفترتين الاولى والثانية من وزارة بلير. ورغم انتقاد اللورد ويلسون للحكومات المتعاقبة، عمالية ومحافظة، ابتداء من حكومة هارولد ويلسون العمالية في منتصف الستينات، مرورا بحكومات اداورد هيث، ومارجريت ثاتشر وجون ميجور ( المحافظة) وجيمس كالاهان وتوني بلسر ( عمالية)، فإنه خص الاخيرة بالاتهامات والتدخل السياسي لعرقلة دوران العجلة التي تقدم الخدمات للناس، ومحاولة الوزراء دائما، خاصة في السنوات الاخيرة، القاء اللوم على موظفي الدولة Civil Servants ، غير المنتخبين، وبالتالي لايستطيعون الدفاع عن انفسهم امام الصحافة والرأي العام، بينما هي في الحقيقية اخطاء الساسة المنتخبين الذين يستغلون التقاليد البريطانية التي تمنع موظفي التاج من الحديث للصحافة، لالصاق التهم بهم بينا يخرج الساسة من الأمازق، مما ادى الى فقدان الشعب الثقة بالجهاز الوظيفي.
وتاريخيا، فإن بريطانيا هي انجح نموذج تاريخي في الفصل التام بين جهاز الدولة الذي يتبع التاج، وبين الحكومة المنتخبة، وبين القضاء المستقل تماما عن الاثنين. فجهاز الدولة ثابت، راسه هو الملكة، ويتبعه الجيش والمخابرات، اما الحكومة فيعاد انتخابها كل خمس سنوات. ولذا فليس من حق موظفي الدولة، وهم محايدون سياسيا تماما بصرف النظر عن لون الحكومة، التحدث للصحافة وهم في الخدمة، وهذا من حق السياسي المنتخب فقط.
وقد اتهم اللورد ويلسون في مقاله الاخير في الديلي تلغراف اليوم الحكومة بالتدخل سياسيا، عن طريق ملأ اروقة ودهاليز الحكم بعدد كبير من المستشارين واللجان السياسية، التابعة لحزب الحكومة، والتي اضافت الى ميزانية الدولة اعبائا باهظة في quot; عجلة مفرغة تدور بشكل يصيب البلاد بالدوخةquot; واتهم الحكومة بتقليد الزعيم الثوري الصيني الراحل ماو تسي تونج في اشعال quot; ثورة ثقافية مستمرةquot; داخل جهاز الدولة الذي تناقص من ثلاثة ارباع مليون موظف في السبعينات الى 460 الف موظف عند دخول بلير الحكم، مما شل قدرة الجهاز.
وعزا اللورد ويلسون السبب الى مزيج من هوس الحكومة الحالية بالسيطرة والتحكم في الدولة الى جانب الحكومة، وبالهوس في تلميع صورتها امام الصحافة وبيع الأخبار الطيبة باستعراض كبير ودفن الأخبار االسيئة في فيض آخر من الاخبار المثيرة على الطريقة الاميركية Spin .
ومن المتوقع ان يثير الصحافيون الامر مع رئيس الوزراء اليوم ويمطرونه بوابل من الأسئله المحرجة في المؤتمر الصحفي الشهري معه، والذي تحضره ايلاف، في الثانية عشرة ظهرا بتوقيت غرينتيتش اليوم.
ومن المتوقع ايضا ان تثار اسئلة مثل ضياع الملفات الأمنية من وزارة الداخلية وارقام المهاجرين، ورغبة الحكومة في التجسس على المواطنين بوضع بيانتهم الشخصية في كمبيوتر ضخم على المستوى القومي، وهو انتهاك للحقوق المدنية التقليدية، كما يجهز الصحفيون لاثارة موضوع القوات البريطانية في العراق وافغانستان، ودعم هذه القوات، والحرب على الارهاب، وايضا الجدول الزمني للانسحاب، ولمغادرة بلير لداوننج ستريت.
التعليقات