دير القمر (لبنان): يحاول رمزي مشرفية التنقل بين الأشجار والأغصان المحترقة في قرية عين تريز، التي تبعد حوالى 34 كلم جنوب غرب بيروت، حيث لا تزال الرياح تهب على هذه القرية حاملة روائح الدخان والنار. وأثناء تنقله يشير رمزي إلى شجرة بلوط قائلاً: quot;هذه الشجرة من بين الأشجار القليلة التي نجت من الحريق، عمرها يناهز 500 عام وقد جلس تحت فيئها كل أمراء ورؤساء لبنان تقريباًquot;.

وكان 242 حريقًا قد شب في غابات جبال وسط لبنان مما أدى إلى تدمير 1,526 هكتارًا من الغابات، أي ما يفوق مليون شجرة. كما أودت الحرائق بحياة امرأة واحدة وتسببت في جرح العشرات من السكان، حسب جمعية الثروة الحرجية والتنمية، التي أخبر رئيسها، منير بو غانم بأن عدد الأشجار التي أتلفت نتيجة الحرائق الأخيرة يفوق ثلاث مرات عدد الأشجار التي تم زرعها منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، مقدرًا المساحة الإجمالية التي تعرضت للحريق بحوالى 2,000 ملعب كرة قدم.

وكانت الحرائق الأخيرة آخر الكوارث البيئية التي أصابت لبنان الذي تتعرض جباله وسهوله وأنهاره وسواحله لأضرار متلاحقة قد يصعب أصلاحها. ويعزي المسؤولون والناشطون في المجال هذه الأضرار إلى انعدام القوانين الوقائية التي تضمن حماية هذه الثروات الطبيعية، إضافة إلى انعدام الدعم المادي والوعي البيئي.

وفي هذا الصدد، أخبر يعقوب الصراف، وزير البيئة السابق بأنه quot;لا يوجد اهتمام عام بالقضايا البيئيةquot; وأضاف قائلاً: quot;أننا لا نشدد على تطبيق القوانين. ولا تتعدى الميزانية السنوية لوزارة البيئة 2.5 مليون دولار في حين تقدر الخسائر السنوية التي نتكبدها نتيجة التدهور الإيكولوجي/البيئي بحوالى 550 مليون دولارquot;.

وكان الصراف قد استقال من منصبه ضمن انسحاب عام للمعارضة من الحكومة تاركاً الوزارة مقفلة لحوالي سنة.ووفقاً للصراف، يشمل مبلغ 550 مليون دولار خسائر القطاع السياحي الناتجة عن الأضرار البيئية وخسائر القطاع الزراعي وقطاع الصيد البحري الناتجة عن تلوث الأرض والبحر، إضافة إلى تكاليف التنظيف التي تتحملها الدولة.

وكانت الكارثة البيئية الأسوأ التي شهدها لبنان هي تلك التي تسبب فيها القصف الإسرائيلي لمصفاة نفط بمنطقة الجية الساحلية جنوب بيروت خلال حربه مع حزب الله في شهر يوليو/تموز. وقد أدى ذلك إلى تدفق ما يتراوح بين 10,000 إلى 15,000 طن من النفط إلى البحر الأبيض المتوسط. وتحمل السكان المحليون والمنظمات غير الحكومية معظم تكاليف التنظيف.

تجاهل القوانين

وأقرت الحكومة في عام 2000 القانون 444 quot;بهدف الوقاية من كل أشكال التدهور والتلوث والأذية وكبحها وتعزيز الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية وتأمين إطار حياة سليمة ومستقرة بيئيًاquot;.

غير أن الصراف انتقد هذا القانون لعدم نصه على الآليات اللازمة لتنفيذ السياسات البيئية، مضيفًا بأن الحكومة قد تجنبت مرارًا اتخاذ الخطوات لتحسين البيئة بدعوى عدم قدرتها على تحمل تكاليفها.

وأضاف قائلاً: quot;عندما طالبت باستعمال البنزين الأقل تلويثاً للبيئة، قال وزير الطاقة بأن ذلك سيرفع أسعار الوقود أكثر. ثم طالبت بضرورة اتباع طرق سليمة للتخلص من النفايات الصناعية والطبية السامة إلا أن وزير الصحة قال بأن ذلك سيكلف وزارته مبالغ طائلةquot;.

وفي غياب القوانين البيئية الفعالة ستستمر أسوأ مصادر التلوث في لبنان في التضخم بدون رقيب.

جبل النفايات
ويصبح الهواء في صيدا، المدينة الساحلية التي تبعد حوالى 45 كلم جنوب بيروت، خلال أشهر الصيف مثقلاً بالروائح الكريهة على بعد كيلومتر واحد من quot;جبل النفاياتquot; المشهور، وهو عبارة عن مكب مفتوح للنفايات بالقرب من البحر.

وعلى مدى 35 عاماَ، ظلت البيوت والمصانع والمستشفيات والمساكن والمسالخ تلقي بآلاف الأطنان من النفايات في هذا المكب، الذي تعرض مرارًا للحرائق وانهار كليًا في البحر مرتين.

ووفقًا للمصادر الطبية، يعاني أطفال مدينة صيدا من أمراض الربو والحساسية أكثر من غيرهم من أطفال لبنان. ويعزي الأطباء ذلك إلى هذا المكب.

وعن هذا الموضوع، قال طارق الحصري، وهو طبيب بمدينة صيدا: quot;تصلنا حالات ربو وأمراض الجهاز التنفسي ولسعات الحشرات وعضات القوارض إضافة إلى أمراض الحساسية التي تتسبب فيها المواد الكيماوية الضارة والخطيرة التي تتسرب إلى البحرquot;.

ووفقًا لوزارة البيئة، تشكل النفايات البلدية الصلبة حوالى 90 في المئة من النفايات الصلبة في لبنان. وتعتبر البيوت والمؤسسات التجارية والأسواق المفتوحة أهم مصادر النفايات البلدية الصلبة.

وتقول وزارة البيئة بأن لبنان ينتج أكثر من 4,000 طن من النفايات الصادرة عن المستشفيات و4,000 طن من النفايات الصادرة عن المسالخ سنويًا. وفي غياب التسهيلات المتخصصة للتخلص من النفايات الخطرة، ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات البلدية الصلبة.

quot;الأرض المحروقة لا تصلح لشيءquot;
وعندما وجد سكان جبال الشوف، جنوب شرق بيروت، أنفسهم محاطين بالنيران من كل جانب، تأكد لهم بوضوح غياب القوانين التي تحمي البيئة. وإحدى هؤلاء السكان هي جنفييف أبي صابر، 70 عامًا، التي فقدت بيتها بعد أن التهمته النيران والتي قالت: quot;إنها كارثة بيئية، كان رجال الإطفاء بطيئين جداً في مواجهتها. أعرف أن النيران كانت قوية، ولكن لو لم يهرع ابن أخي لإخمادها بنفسه لأحرقتنا ونحن أحياءquot;.

ويرى المسؤولون المحليون بأن هذه النيران قد بدأت بفعل فاعل. وقد يكون المزارعون أنفسهم قد تسببوا بها في محاولتهم تنظيف أراضيهم من الأغصان اليابسة المنتشرة فيها، أو ربما السكان وهم يحاولون صنع الفحم بعد أن ارتفعت أسعار الوقود بأكثر من 10 في المئة خلال السنة.

كما زادت القنابل والألغام غير المنفجرة التي خلفتها الحرب الأهلية من صعوبة السيطرة على الوضع وإنقاذ الغابات إذ بدأت والتي تنفجر تحت تأثير الحرائق.

وقال جوزيف ثابت، أحد سكان قرية دير القمر العتيقة، المصنفة كتراث عالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، والتي نجت من الحرائق بأعجوبة: quot;إن الوضع سيئ للغاية. لو كان لدينا نظام لتشديد تطبيق القانون بالإضافة إلى توفر الإشراف الملائم، لما عانينا من أي من هذه الكوارث. إن الأمر لا يختلف عن كل شيء بهذا البلد. فالأرض المحروقة أو أكوام النفايات لا تصلح لأي شيءquot;.

المصدر: شبكة الأنباء الإنسانية (ايرين)