موسكو: لم تتضح النتائج الفورية لزيارة رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان لأميركا، لا بل يبدو الإنتظار سيد الموقف حيث رأى متابعون أن الغموض لا يزال يسيطر على مدى نجاح بوش في اقناع اردوغان بالتخلي عن العملية العسكرية داخل العراق، وقد رأى بعضهم أن بوش على الارجح لم يفلح في ذلك. وبالمرتبة الأولى، فإن أردوغان في هذا الوضع رهينة الظروف.

ويتلخص التناقض في أن رئيس الوزراء نفسه يود تسوية الوضع دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية مثل توغل القوات في العراق. ولكن إذا استمرت الأعمال quot;الإرهابية quot;التي يدبرها حزب العمال الكردستاني، فلن يبقى لدى أردوغان خيار غير الإشارة ببدء الحملة العسكرية. ومع ذلك لا يزال يوجد لديه وقت بما في ذلك بفضل المباحثات في الولايات المتحدة.

ويجدر التذكير بأن البرلمان التركي سمح للحكومة في تشرين الثاني/أكتوبر بشن حملة داخل كردستان العراق حيث يختبئ مقاتلو حزب العمال الكردستاني. وإن هذا التخويل سار لفترة سنة. وتقتصر القوات التركية في الوقت الحاضر على عمليات حربية في المناطق الحدودية.

وقد دعمت واشنطن الحكومة التركية بتأكيدها على أنها تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وبالتالي فإن كافة الإجراءات ضده مبررة. وفي الحقيقة بشرط ألا quot;تقوض هذه الإجراءات الاستقرار الإقليميquot; وبعبارة أخرى أن تحجم تركيا عن توغل القوات في العراق بدون موافقة بغداد وحكومة كردستان العراق. ووعد بوش أردوغان بالمقابل بالتعاون في مجال تبادل المعلومات الاستطلاعية وquot;كافة أشكال الدعمquot;. واعترف رئيس الوزراء التركي عقب المباحثات بأنه quot;سعيدquot;.

وعلى الرغم من أن بوش لم يدخل في تفاصيل المساعدة التي ستقدم لأنقرة يعول أردوغان كما يبدو على الكثير. فقد قال تعليقًا على نتائج اللقاء: quot;أنا أعتقد أنه لا حاجة لتوضيح ما يعنيه مصطلح quot;العدوquot; ليquot;.

وفي الحقيقة من الممكن عدم التوضيح. فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عشية زيارة أردوغان إلى واشنطن أنه على الرغم من أن حزب العمال الكردستاني كان يمارس نشاطاته قبل الاجتياح الأميركي للعراق، فإن واشنطن تتحمل الآن مسؤولية كل ما يجري في هذا البلد. وتؤكد الولايات المتحدة أن العراق لن يتحول إلى مأوى للمنظمات الإرهابية بما فيها حزب العمال الكردستاني.

ولا يعني هذا على الإطلاق أن الأميركيين سينقلون قواتهم في العراق على الفور إلى المحافظات حيث يختبئ مقاتلو حزب العمال الكردستاني. وهذا لا سيما أنها تعتبر أهدأ منطقة مقارنة بالمناطق الأخرى.

أما تبادل المعلومات الاستطلاعية مع أنقرة، والعقوبات الاقتصادية ضد من يتعاون مع حزب العمال الكردستاني، وكذلك الضغط على السلطات العراقية من أجل مساعدة تركيا في مكافحة هذه المنظمة فهذا شيء آخر. كما تلمح واشنطن بأنه لدى خيارها بين الحلفاء ـ أكراد العراق أو أنقرة ـ ستقف إلى جانب الأخيرة إذا تقاعس الأكراد أنفسهم عن إحلال النظام في المناطق التي يسيطرون عليها.

ووفر بوش لأردوغان أوراقًا رابحة في مواجهة الضغط داخل البلد. فقد زالت ضرورة توغل القوات الفوري في العراق وإشعال الحرب التي يكون كافة الأطراف وبالمرتبة الأولى الأتراك أنفسهم في غنى عنها. ويتوقف كل شيء الآن على مدى إلتزام واشنطن وبغداد وأكراد العراق بوعودهم حول وضع حد لنشاطات حزب العمال الكردستاني الإرهابية.

ويجدر الثناء على دبلوماسية أردوغان الذي أفلح في ظل أزمة العلاقات التركية العراقية والتركية الأميركية في الحفاظ على الشراكة مع الطرفين. وحصل بالإضافة إلى ذلك على دعم واشنطن وبغداد. وأعلن الحرب ولكنه صان السلام. وعلى أقل تقدير حاليًا. وفي حالة توافق الظروف بشكل موفق من الممكن نسيان الحرب الجديدة الواسعة الأبعاد في المنطقة حتى الربيع!