بعد معارك رضاعة الكبير والتداوي ببول النبي
مفتي مصر يدعو إلى إنشاء جهاز لمراقبة الفتوى
نبيل شرف الدين من القاهرة: بعد سلسلة الفتاوى الغريبة التي أطلقت في مصر مؤخرًا، وأثارت ردود فعل وانتقادات حادة، كفتوى التداوي ببول الرسول، ورضاع الكبير وغيرها، طالب مفتي الديار المصرية علي جمعة بإنشاء جهاز رسمي لمراقبة الفتاوى وضبطها، باعتبارها أمرًا يهم الأمة الإسلامية كلها، خاصة في ظل الظروف الراهنة. وأشار جمعة إلى القبول الواسع الذي قوبل به اقتراحه من جانب المفكرين والمشتغلين بشؤون التشريع في البرلمان، على حد تعبيره. وطالب مفتي مصر بميثاق شرف في هذا الصدد، لأنه ليس هناك جهة قادرة على الإلزام بمثل هذه الرقابة، وقال : quot;لا بد أن تكون الرقابة موافق عليها من الجميع مع السعي لإيجاد رأي عام وثقافة سائدة تطلب وتنشئ هذه الأداة لرقابة أمور الفتوى.
وعن مدى إمكانية أن يكون لذلك الجهاز الرقابي سلطة الضبطية القضائية لمعاقبة المخالفين بشأن أمور الفتوى، أوضح مفتي مصر أن هذا الأمر يحتاج إلى بحث تشريعي في مجلس الشعب (البرلمان).
وطالب جمعة بطرح ذلك بشكل واسع ليس على علماء الدين فحسب حتى لا يظن أن علماء الدين يريدون لأنفسهم سلطة بهذا، وهو ما لا يوافق الكثير من التوجهات في المجتمع، ودعا إلى طرح الأمر كضرورة اجتماعية من المفكرين والمهتمين بالشأن العام والجهات التشريعية، ومناقشة هذه الأمور لنرى ما الذي ستنتهي إليه ومدى دستوريته وعلاقته بمفاهيم هم حريصون عليها، مثل حرية الرأي والصحافة والتعبير والتعددية الحزبية والسياسية والفكرية في البلاد، ووضع الخطوط التي تضبط هذه المنظومة، على حد تعبيره.
الفتوى والفضائيات
وأعرب مفتي مصر عن إستعداد دار الإفتاء ـ بإعتبارها المؤسسة الرسمية التي اختصتها الدولة لبيان الحكم الشرعي ـ للمشاركة في إنشاء هذه الآلية التي تضبط أمور الفتاوى، بعد أن تنشئ الثقافة العامة والرأي العام الذي يؤكد ويؤيد ويدفع ويعلم ضرورة هذه الجهة الرقابية. وأشار جمعة إلى أهمية مشاركة المهتمين بأمور الهدي الديني في هذه المؤسسة الرقابية، بإعتبار ذلك في إطار النصيحة للدين، مشيرًا إلى أن مهمة تلك المؤسسة هي التأكد من أي مخالفة للأدلة وما عليه أهل السنة وجمهور العلماء من الأئمة الأربعة، ونصح صاحبها بأن يراجع أي مسألة خاطئة وتصحيحها.
وشدد مفتي الجمهورية على دور الإعلام لسرعة نشر الثقافة العامة التي تدعم ضرورة وجود مثل هذه الرقابة على إصدار الفتاوى في المجتمع ورفض غير الصحيح منها، وذلك من خلال الدعوة الحكيمة والطيبة والحسنة والإلحاح الإعلامي الذي ينشئ رأيًا عامًا ينشر الثقافة العامة الصحيحة. وأشار إلى استعداد العلماء التام لبذل المزيد من الجهد لنشر الثقافة الصحيحة والدعوة إلى سرعة إنشاء مثل هذا الجهاز الرقابي والدعوة إليه ، في أداء مهامه لإبداء النصيحة السليمة.
الفتوى والسياسة
ووصف مفتي الديار المصرية الفتوى بأنها الجسر الذي يربط بين التراث الفقهي والعالم المعاصر، موضحًا أن عملية إصدار الفتوى تتطلب دراية تامة بالعالم الذي نعيشه والمشكلات التي تواجه المجتمع، إضافة إلى المعرفة بالفقه الإسلامي... معتبرًا أن افتقار بعض من يتصدون للفتوى إلى هذه الأبعاد هو سبب وجود آراء متطرفة.
وفي الشأن السياسي طالب مفتي الجمهورية المسلمين من سنة وشيعة بالعراق، بتوحيد كلمتهم ووقف نزيف الدم بينهم، وقال: quot;إن قلوبنا كمسلمين تدمي من هذه الحال بالعراق التي يراق فيها دم المسلمquot;. وأشار إلى تحذير الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من انه إذا التقى المسلمين بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار... مشددًا على أهمية وقف الاعتداء على المساجد والمقدسات ووقف أي خلاف مذهبي بين العراقيين، حتى يكونوا قوة واحدة في مواجهة أعداء الأمة الإسلامية. ونوه جمعة في هذا الصدد بدور علماء الأمة الإسلامية لدعوة المسلمين سواء في العراق أو فلسطين إلى التمسك بالدين ووحدة الصف... معربًا عن أسفه الشديد لأعمال القتال في بلاد المسلمين.
القضاء والفتوى
وبالنسبة إلى ما أثير من جدل مؤخرًا بشأن عمل المرأة في القضاء، أوضح مفتي الديار المصرية أن مجمع البحوث الإسلامية استعرض آراء الفقهاء في هذا الشأن، وكان هناك توجه كبير لقبول أن تكون المرأة قاضية. كما استعرض آراء الفقهاء التاريخية، فرأى أن الجمهور لا يجيز عمل المرأة، وأن الحنفية يجيزون في القضايا المدنية غير الجنائية، وأن بعض الأئمة أجاز عمل المرأة على الإطلاق، وأن على المسؤولين في القضاء أو وزارة العدل اتخاذ القرار المناسب وفق ما حدده المجمع. وأشار إلى أنه تم تعيين قاضيات بالفعل في مصر، مضيفًا: quot;إن دولاً إسلامية أخرى سبقتنا في هذا الصدد كماليزيا التي تعين القضاة من النساء من سنين طويلة، وعلينا ألا نقف عند ما تجاوزنا فيه الآخرونquot;. وأشار جمعة إلى التطور الذي شهدته دار الإفتاء حتى وصل عدد الفتاوى التي تصدرها يوميًا إلى ألف فتوى سواء عن طريق مركز الاتصالات أو الإنترنت أو الاتصال الشخصي.
وبين أن المنهج الذي تتبعه في الإفتاء هو الالتزام بالمصادر الإسلامية التي تتمثل في القرآن والسنة ، إضافة إلى النتاج الفكري الفقهي لعلماء المسلمين عبر القرون وتفهمنا لها من خلال علم أصول الفقه واللغة العربية وإجماع الأئمة. وأضاف أن دار الإفتاء عقدت بروتوكولات مع جهات محلية وعربية لتكون فتواها معتمدة على العلم والواقع، وليست بعيدة عنه وتتواصل مع العالم من خلال موقعها الإلكتروني بأربع لغات، وأنشأت لجانًا متخصصة في الشؤون الاقتصادية والسياسية والطبية وعلوم الفلك لدراسة ما تحتاج إليه عملية إصدار الفتوى.
الحوار مع الغرب
وحول الحوار مع الغرب، أكد مفتي الجمهورية أهمية الحوار مع الغرب لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين... موضحًا أن استمرار الحوار يكشف مساحات مشتركة يمكن معها للمسلم أن يعيش عصره وألا ينفصل عن الآخرين. كما أكد علي جمعة مفتى الديار المصرية المرونة التي تتميز بها الشريعة الإسلامية باعتبارها تتميز بالمنهجية ومجموعة من الآراء التي قال بها فقهاء المسلمين على مدار الألف وأربعمئة عام الماضية، قائلاً: quot; نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين، علينا العودة إلى هذه الثروة من الآراء والنظر فيها مليًا لاستخراج الأحكام التي تناسب العصر حيث أن الشريعة الإسلامية تسعى إلى تحقيق الحرية والكرامة في سياق دينيquot;. وجدد جمعة نفيه أن يكون الإسلام دينًا سلطويًا يفتقر إلى السلاسة والمرونة، أو أن يعني العيش وفق أحكامه العودة إلى العصور الوسطى.
التعليقات