نيويورك: لقد توّلى جوزف رايلي منصب عمدة هذه المدينة التاريخية، التي لطالما شهدت توتّرات، منذ منتصف السبعينات. انه رجل وقور، ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، وقد عمل بجهد على مداواة الجراح العرقية التي أفسدت بعض القضايا طوال مئات من الأعوام.

دعم باراك أوباما في الانتخابات الأولية عن الحزب الديمقراطي. غير أن ما فاجأني خلال مقابلة أجريت معه في مكتبه، الذي يخيم فيه هدوء كبير والواقع في مركز بلدية المدينة، الذي خضع مؤخراً للتجديد، لم يكن الدعم الذي أبداه، بل الطريقة التي عبّر فيها عنه.

فقد انحرف رايلي في ثناء الديمقراطيين، بما فيهم بعض المرشّحين الذين انسحبوا مثل عضوي مجلس الشيوخ جوزف بيدن وكريس دود. وتحدّث أيضاً عن إعجابه ببيل وهيلاري كلينتون قائلاً: quot;يصعب على المرء الاختيار بين الأصدقاء.quot;

يشكّل التقييم العميق والبالغ الاحترام والداعم للديمقراطيين الذي قام به العمدة تذكيراً باللهجة التي سيطرت حتى مؤخراً على حملة الديمقراطيين في الانتخابات الأولية. بيد أن هذه اللهجة المرحّبة تلاشت بفعل كلام سيّئ متعمّد، وسيكون من الصعب جداً رفع اللوم عن آل كلينتون، أولاً، في هذا الموضوع.

فقد تصرّف بيل كلينتون، في دفاعه المستميت عن ترشّح زوجته، كرجل نسي تناول أدويته. كما كان من الواضح أنه يجب ردع بعض ممثّلي كلينتون.

لنأخذ أندرو يونغ مثلاً.

هذا الأسبوع، وفي الوقت الذي كان فيه كلينتون يتّهم جماعة أوباما بالتطرّق إلى مسألة العرق، ذكر اسم أندرو يونغ كشخص يمكنه ان يكون خير مثال على ذلك. الا ان اختياره كان غير موفق للغاية.

قال السيد يونغ، وهو من العرق الأسود، والذي كان سفيراً سابقاً لدى الأمم المتحدة، في الشهر الماضي، خلال مقابلة نشرت على الإنترنت: quot;إن بيل أسود بقدر ما هو باراك، ولعلّه واعد نساء من العرق الأسود أكثر من باراك.quot;

ثم انتقل بعد ذلك ليقوم بتعليقات مزعجة حول الطريقة التي دافع فيها بيل وهيلاري كلينتون عن نفسهما منذ سنوات عدة في مواجهة تداعيات عبث الرئيس السابق مع النساء. وهذا كلام صادر من جماعة كلينتون!

فضلاً عن ذلك، ثمة مثل بوب كيري، سيناتور سابق وداعم لكلينتون، وقد لطّخ الحملة بالتعليقات التالية:

quot;لعلّه أمر لا يعجبه، بيد أنني أحبّ أن اسمه باراك حسين أوباما، وأن أباه كان مسلماً وجدته، والدة أبيه مسلمة أيضاً. ثمة مليار مسلم في العالم وأعتقد أن هذه التجربة مهمة جداً.quot;

ولمزيد من الإصرار على المسألة، قال كيري لجون كينغ على محطّة quot;سي أن أنquot;: quot;رأيت مواقع البلوغ تحاول القول إنه لا يمكن الوثوق به لأنه قضى بعض الوقت في مدرسة علمانية. أنا أشعر بالعكس.quot;

هل فهمتم الأمر؟

لنبدأ بواقع أن أوباما لم يرتد يوماً مدرسة علمانية، ولا يوجد شيء يدعى مدرسة علمانية. فالمدرسة هي مدرسة دينية. فضلاً عن ذلك، كانت الفكرة تأجيجَ الفورة السائدة على الإنترنت وفي أماكن أخرى بأن السناتور أوباما مسلم، وبالتالي يحتمل أن يكون (في نظر الكثير من الناخبين) عدواً للولايات المتحدّة.

السيد أوباما ليس مسلماً، بل مسيحياً. وحتى لو كان مسلماً فهذا ليس سبباً شرعياً لمهاجمة ترشيحه.

تعرف جماعة كلينتون ماذا تفعله، وقد لاقت مناوراتها الخادعة نجاحاً. في الواقع، اعتذر بوب كيري، وقال أندرو يونغ عندما ذكر تعليقاته إنه كان يمزح. بيد أن الضرر الذي أصاب السناتور أوباما هو ضرر حقيقي، شأنه شأن المنافع التي كسبتها السناتور كلينتون من هذا التصرف ومن غيرها من التصرفات الدنيئة.

لنأخذ مثلاً التعليق الذي نُشر على الإنترنت من موقع بلوغ شعبي للأخبار في 13 كانون الثاني (يناير):

quot;يا إلهي، تمالكوا أنفسكم. هل تتصورون يوما أن ندعو رئيسنا باسم باراك حسين أوباما... أنا لا أستطيع ذلك، واصلّي كي لا يقلّل أحدهم الاحترام إلى درجة وضع هذا الرجل في البيت الأبيض.quot;

من الجلي أن حملة أوباما ستكون صعبة، وأن طريق الفوز أصبح أكثر صعوبةً الآن؟ ولكن لا داعي للشعور بالأسف نحوه، فهو سياسي من شيكاغو، ولا بد من أنه يعرف ان الحملات غالباً ما تتحوّل إلى سباق إلى التحطيم.

ومع ذلك، يحقّ لنا أن نسأل، نظراً للتطوّرات المدمّرة التي طرأت في الأسابيع القليلة الماضية، ما إذا كان آل كلينتون قادرين على التحلّي بصفة غير صفة المفرّقين. إذ يبدو أن الناخبين أصبحوا أكثر انحيازاً مما كانوا عليه منذ بضعة أسابيع، ويبدو أن آل كلينتون فرحان جداً في هذا الجوّ.

يجعلنا هذا الأمر نتساءل ما إذا كان لديهما أي استيعاب او اعتبار للتأثيرات المدمرة الطويلة الأمد ndash; على حزبهما وعلى الدولة ndash; التي يخلّفها تحريض الناس ضدّ بعضهم، من دون هوادة ومن دون داع.

أي نوع من الناس هما آل كلينتون؟ ما هو الدور الذي سيلعبه بيل كلينتون في ولاية كلينتون الجديدة في البيت الأبيض؟ هل يستطيعان النظر إلى ما أبعد من الفوز نحو حاجة دولة مجروحة إلى الشفاء والتوحيد؟

هذه أسئلة مطروحة تنتظر أجوبة. ابقوا على اطلاع عن آخر الأخبار.

بقلم بوب هيربيرت