غياب العلاقة بين الحروب المكلفة وغير المقاتلين المعفيين
الجنود والمتسوّقون الأميركيون يصلون إلى حائط مسدود

نيويورك: لم يسبق لأحد أن كسب المال عبر حث الناس على الادخار، لكن المصارف والمؤسسات الأميركية أنفقت أموالاً طائلة في السنوات الأخيرة، لإقناع الناس بأن الدين جيد وان الادخار ضرب من ضروب الغباء. وقد نجحت إعلانات المؤسسات نجاحاً باهراً مع توجه المستهلكين نحو التسوق المستند إلى الدين إلى درجة الإشارة كما تقول إليزابيث وارن، أستاذة الحقوق في جامعة هارفرد، إلى أن quot; البنات الصالحات يتدينّ المال لاصطحاب أمهاتهن في رحلات خلال العطل quot; . وصار الاستهلاك محرم الاقتصاد الأميركي، لكن المشكلة الوحيدة تجسدت في أن المستهلكين نفدت لديهم الأموال منذ سنوات حتى مع عدم نفاد بطاقات الائتمان خاصتهم.وها نحن الآن في اليوم الأسود، الذي ما برح أجدادنا يتكلمون عنه والذي يظهر على شكل فيضان وما من قرش أبيض مدخر له، والرئيس جورج بوش الابن، منفق الدين بامتياز، يضخ 150 مليار دولار بطريقة هي أشبه ما تكون بضخ منشطات في عروق رياضي أنهكه السباق.

من شأن هذه quot;الحقنةquot;، كما يصفها بوش، أن تخفف من الألم قليلاً، لكن هذا المريض سيبقى في العناية الفائقة لفترة طويلة. وكما قاله لي ستيفن راوتش، رئيس quot;مورغان ستانليquot; في آسيا: quot;إن معدل الادخار الأميركي المنخفض جداًً وعجز ميزان المدفوعات الكبير المتصل به في استقطاب تمويل من وراء البحار هما أمران لا يحتملانquot;. ومن المتوقع أن تكون التعديلات طويلة الأمد وشاقة.

فكر في المسألة كما لو أنها نوع من تحقيق التناغم بين تضحية الجنود الأميركيين وجهل المتسوقين الأميركيين. فإن غياب العلاقة بين الحروب المكلفة وغير المقاتلين المعفيين الذي شجعه بوش صار مسألة لا تحتمل. قدّر راوتش صافي قيمة الادخار الوطني في الولايات المتحدة بنسبة ضئيلة لا تتعدى 1.4 في المائة من الدخل القومي، في حين بلغ دين الأسر 133 في المائة من الدخل الشخصي المنقول. يعني هذا الرقم الأخير أن أسر الطبقة المتوسطة تستخدم ملكية منازلها، أي أنها تقترض المال مقابل منازلها، لشراء جوارب لأولادها. وإذا لم تتمكن من دفع الدين، الذي لا يزول أبداً، لا تخسر مجرد غرفة أو غرفتين بل المنزل برمته.

وقد ركزت العناوين في الأسابيع المنصرمة على المستثمرين الأجانب، من اليابان إلى الكويت، المسرعين إلى نجدة بعض الرموز الأميركية على غرار quot;سيتي غروبquot; وquot;ميريل لينشquot;. علماً أن مفعول الأزمة المالية الآسيوية التي حصلت في التسعينيات قد انعكس. شكل هذا التحول الجوهري دليلاً دامغاً على انتقال السلطة في آسيا في العقد المنصرم، وعلى طرق بناء دول، من كوريا إلى سنغافورة، لأموال طائلة بالدولار، في وقت غرقت فيه الولايات المتحدة في الدين.

ويكمن تحت خسائر الشركات الأميركية الكبيرة، التي تناهز 100 مليار دولار مذ بدأت أزمة الائتمان، الأفراد الذين استدرجوا إلى أخذ قروض لن يتمكنوا من تسديدها مهما أعاد بوش من أموال الضرائب. وكما كتب زميلي فلويد نوريس عن أسعار الأملاك المرتفعة (والآن المنخفضة) فإن: quot;سبب ارتفاع الأسعار إلى هذا الحد مرده إلى أن أشخاصاً لا يمكنهم تحمل كلفة شراء تلك المنازل منحوا رهون عقارية لا يمكنهم تسديدها إلا عبر استمرار أسعار المنازل بالارتفاعquot;.

وقد كان عدد كبير من هذه الرهون إما عقود فائدة لا أكثر أو ما يعرف بعقود quot;التقادم السلبيquot; التي تركت المبلغ المقترض إما بلا تخفيض أو جعلته يتزايد بعد الدفعات الشهرية. وأفاد وارن: quot;تتوجه الأسرة الأميركية العادية نحو ما يبدو نوعاً من الركود مع اقتراضها أكثر 100 في المائة من دخلهاquot;. ولا عجب في أن quot;سيتي غروبquot; وضعت جانباً مبلغ 4.1 مليار دولار لتغطية أي تقصير محتمل في قروض أسهم المنازل وبطاقات الائتمان وقروض السيارات التي عليهم أيضاً التخلي عنها.

ولا يعد ضعف أداء الدولار أو زيادة الدين الشخصي أو العجز الكبير في الحسابات الجارية أو المصارف التي تنقصها السيولة النقدية أو شراء الحكومات الآسيوية لسندات الخزينة الأميركية لتمويل الدين الوطني علامات على قوة أميركا. وليست أيضاً بالضرورة علامات على تدهور أميركا لأن حيوية الولايات المتحدة الموروثة ما زالت مهولة. لكن كما أشار بن ستيل، الاقتصادي في مجلس العلاقات الخارجية: quot;قد نكون بصدد رؤية تحول جذري هذا القرن في الثقة في الدولار كقيمة ادخار مع تزايد الشعور بأن الولايات المتحدة إلى حد ما باتت غير مسيطرة على مصيرهاquot;.

وأنا أتوقع أن تنتعش الولايات المتحدة من جديد ولكن ليس بسرعة. وسيكمن التحدي الأساسي، الذي سيواجهه الرئيس الجديد، في الحدود الجديدة لسلطة الولايات المتحدة على المستويين العسكري والاقتصادي على حد سواء. وسيكمن التحدي الرئيسي في تطبيق الإصلاحات اللازمة وبشكل أساسي، الرعاية الصحية التي ستبدأ في تخفيف القيود المالية على الأسر الأميركية المتوسطة وستسمح لها بالعودة إلى الادخار بدلاً من استدانة الأصول في فورة استهلاك مزيفة. ولا ريب في أن هذه المسألة لن تكون سهلة. لكنها لم تكن قط سهلة لفرانكلن ديلانو روزفلت، الذي كان في وضع أسوأ بكثير في العام 1933.

بقلم رودجر كوهن
خدمة توزيع نيويورك تايمز