كامل الشيرازي من الجزائر: يحيي الجزائريون، الجمعة، الذكرى الـ47 لمجازر 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 بباريس، حيث أقدمت السلطات الفرنسية آنذاك على قتل المئات من الجزائريين والتنكيل بآلاف الآخرين كعقاب لهم على خروجهم السلمي في مظاهرة للمطالبة بإستقلال بلدهم وإستنكار حظر التجول العنصري الذي فرض عليهم آنذاك، ودعت جمعيات حقوقية وثورية جزائرية كما فرنسية، سلطات الأخيرة بـquot;الإعتراف الرسمي بتلك المجازر وإعتبارها quot;جريمة دولةquot; مع quot;تدوين هذه المأساة في كتب التاريخquot;.

ورغم أنّ المفاوضات بين فرنسا والحكومة الجزائرية المؤقتة قد بلغت شوطها الأخير وقتئذ، لم يكن الجانب الفرنسي ليتعامل بشكل حضاري مع آلاف العمال الجزائريين المهاجرين الذين تظاهروا بشكل سلمي يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 1961، حيث فضّل النظام الإستعماري الفرنسي، إستخدام آلة الفتك الرهيبة مجددًا تحت ظلال جمهورية ديغول الخامسة، حيث أصدر السفاح الفرنسي المعروف quot;موريس بابونquot; رئيس شرطة باريس آنذاك أوامر إلى ضباطه وعدد من الحركيين بقمع المظاهرة، فتحولت مسيرة سلمية لنحو 30 ألف متظاهر، إلى مجزرة شنيعة راح ضحيتها آلاف الأبرياء عصفت بهم آلة القتل والسجن والتعذيب والطرد.

وبحسب مؤرخين، أسفرت تلك الجريمة ndash; إستنادًا إلى بيانات رسمية- عن سقوط 300 شهيد قضوا غرقاً في نهر السين، إلى جانب 400 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولاً، كما أفادت شهادات حية، أنّ عشرات الجثث ظلت تطفو فوق نهر السين أياما عديدة، وعشرات أخرى اكتشفت في غابتي بولونيا وفالونسيان، بالإضافة إلى عدد غير معروف من الجزائريين تم التخلص منهم رميا من على متن الطائرات ليبتلعهم البحر بعد ذلك، وهي اعتداءات لا إنسانية وجرائم وحشية، أثارت تقزّز الفرنسيين ذاتهم على غرار الكاتب الفرنسي المعروف جون لوك إنودي.

وبقيت المفارقة المؤلمة أن الحكومة الفرنسية التي سارعت لإدانة السفاح بابون على جرائمه في حق اليهود، بينما تجاهلت كليا جرائمه في حق الجزائريين، رغم ثبوتها بالأدلة القطعية، لذا تطالب الحركة الجمعوية في الجزائر وفرنسا على حد سواء باعتراف الدولة الفرنسية بذاك التاريخ الأليم بالنسبة للشعب الجزائري.

وعشية المناسبة، لاحظت الجمعية الفرنسية quot;93 في قلب الجمهوريةquot;، أنّ الذاكرة الجمعية للبلدين تبقى تجهل أسباب وظروف تقتيل مئات الجزائريين الذين تظاهروا سلميا في قلب باريس، مؤكدة أنّ quot;الغطاء الذي استخدم لإسدال الستار على جريمة دولة لابد أن يسقط من خلال أعمال قوية تكفل استرجاع الحق المطلق لضحايا 17 أكتوبر 1961 في الذاكرة مثلهم مثل كل شهداء الكفاحات من أجل الحرية وعدم تركهم على هامش نسيان سياسي تاريخي مريب.

من جهتها، دعت نحو 20 جمعية وحزب سياسي، إلى تنظيم تجمع في اليوم المصادف لذكرى هذه الأحداث - اليوم الجمعة ndash; لتخليد ذكرى أولئك الجزائريين الذين كانوا يدافعون عن حقهم في المساواة وحقهم في الاستقلال وحق الشعوب في تقرير مصيرهاquot;، وحثت فعاليات مجتمعية فرنسية على quot;البحث عن الحقيقة بالنسبة لفترة سوداء من تاريخ فرنسا الكولونياليquot;، وأكدت على أنّه بهذا الثمن فقط يمحى أخطر أثر لحرب الجزائر ألا وهي العنصرية التي يعاني منها اليوم العديد من المواطنين من أصل مغاربي وكذا مختلف المستعمرات القديمة.

وأضاف عرّابو المبادرة أنّ المئات من الأبرياء ذهبوا ضحايا العنف الأعمى والوحشية الكولونيالية القصوى، وركّزا على حتمية اعتراف فرنسا بمسؤوليتها في حرب الجزائر وسلسلة المآسي والفظائع التي ارتكبها جلاّدوها قبل نصف قرن، وارتضت بدلا عن ذلك التمادي في الحديث عن (مزايا الاحتلال) والتشريفات الرسمية لمجرمي منظمة الجيش السري الدموية.

وشدّدت الجمعيات والأحزاب المذكورة إلى حساسية تخلّص الدولة الفرنسية برئاسة نيكولا ساركوزي من خطاب يعتريه الغموض والتناقض حول ماضي الاستعمار الفرنسي، واستهجن هؤلاء طبيعة السياسة التي ينتهجها زعيم الإليزيه والموحية برغبة حقيقية من ساركوزي في إعادة الاعتبار لسجل كولونيالي أسود، خصوصا بعد إصدار الحكومة الفرنسية مؤخرا لقرار يتضمن إنشاء quot;مؤسسة من أجل ذاكرة حرب الجزائرquot; تعنى بإبراز quot;الجوانب الإيجابية للإستعمارquot; (..) على منوال ما نصّ عليه قانون 23 فيفري/شباط 2005 المثير للجدل.

وشجعّت quot;السابقةquot; الإيطالية تجاه ليبيا قبل شهرين، وقبول حكومة برلسكوني دفع خمسة مليارات دولار على مدى السنوات الـ25 المقبلة كتعويضات، الطبقة السياسية في الجزائر لاستئناف حملة الضغط على باريس، لإرغام فرنسا الرسمية على الاعتراف بجرائم فرنسا الكولونيالية، تمهيدا للتعويض عما ألحقه الاحتلال الفرنسي على مدار 132 سنة من استشهاد الملايين وإعطاب الآلاف وإبادات لقرى كاملة اختزلت ممارسات القهر والظلم والاستيلاب التي كادت تعصف بكيان الأمة الجزائرية.

ونفذ المحتل الفرنسي القديم محارق مهولة في الجزائر، أفدها إبادته 8 آلاف قرية كاملة، وزجّه مليوني جزائري في السجون، وزرعه 11 مليون لغم تسبّبت بمقتل 7328 جزائريا، دون إغفال انتهاكات بالجملة كانت أفدحها سقوط 45 ألف شهيد في محرقة الثامن مايو 1945، فضلا عن 42 ألف جزائري قضوا في تجارب نووية فرنسية قبل نصف قرن، ناهيك عن سبعة آلاف بريء فتكت الألغام بأرواحهم، في وقت لا تزال باريس متكتمة بشأن أماكن دفن النفايات السامة، لذا يجزم الرائد quot;الأخضر بورقعةquot; أنّ quot;إصرار فرنسا على اللا اعتذار، وقبول الجزائر ذلك معناه القفز على آلام الشعب الجزائري، وتضحيات مليون ونصف المليون من الشهداء.

وشهدت الفترة ما بين 2005 و2007، تصعيدا كلاميا لافتا من الجانب الجزائري بغرض حمل الطرف الفرنسي على quot;احترام واجب الذاكرةquot;، لكن الإليزيه لم يأبه بما كان، ووصل الحد بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى حد إسقاط أي اعتذار، جازما بـquot;استحالة مطالبة الأبناء بالاعتذار عما اقترفه الآباءquot;، وتذرع في تصريحات موسومة بـquot;الإستفزازيةquot; وquot;المتجنيةquot; على الذاكرة الجمعية الجزائرية، بكونه quot;لا يقبل أن يتسبب في جرح مشاعر الفرنسيين''، زاعما أنّ الندامة مفهوم ديني ولا مكان لها في علاقات دولة مع أخرى...