الأخطر من الكساد الاقتصادي هو الكساد السياسي
الأزمة الإقتصادية تثقل كاهل الأميركيين
بلال خبيز من لوس أنجلس: لماذا يجب ان نأتمن ايًّا منكما على أموالنا ومستقبل أولادنا؟ تسأل سيدة من الحضور في المناظرة الثانية التي جرت بين المرشح الديمقراطي السيناتور باراك اوباما والمرشح الجمهوري السيناتور جون ماكين. الأجابتان تأتيان متطابقتين: انني افهم الاحباط الذي اصابك. انما علينا التمسك بالأمل، من جهة اوباما، وعلينا الصبر من جهة ماكين. معلق اسيوشيتيد برس الذي نقل الخبر يسأل سؤالاً ساذجًا: من قال لكما انها محبطة؟ الأسئلة الساذجة، تكون اشد ما تكون وقعًا في الأزمات. معلقو الصحف الأميركية يجزمون: في موضوع الازمة الاقتصادية، قال المرشحان كلامًا عامًا: بالعربي: quot;لا يغني ولا يسمنquot;. انما والحق يقال ثمة توجهان حيال هذا المرض يمكن للمرء ان يرصد اشاراتهما. باراك اوباما يميل إلى تحميل جورج بوش والسنوات الثماني العجاف مسؤولية التدهور الذي حصل. جون ماكين، يريد تحميل الخارج، اي خارج، مسؤولية الذي حصل. الفارق بين الرجلين: باراك اوباما فصيح وتتدفق ألفاظه مع افكاره بطريقة متانسبة، جون ماكين، اقل فصاحة ويسلم النفس لمشاعر الغضب. لكننا منذ انتهاء المناظرة بدأنا نشهد في الصحف الاميركية طلائع الهجومين المتعاكسين.
محلل مرموق في واشنطن بوست يعتبر ان لانظامية سوق الاسهم التي يحملها بعضهم مسؤولية التدهور ليست سوى كبش ابراهيم. اسماعيل في مكان آخر، انه الصين هذه المرة ايضاً، لأن الرأسمال الصيني يتملك عقارات واسهمًا خارج حدود الصين، في اميركا نفسها. تحميل الصين مسؤولية ما يجري مسألة معقدة، ويصعب التدليل عليها منطقيًا، لكن الصين هي فزاعة الاقتصاد الأميركي، وعلى شماعتها ستعلق معاطف المتآمرين. الديمقراطيون من جهتهم يذكرون الشعب الاميركي ان الأزمة ليست وليدة اللحظة، وان ما جرى في النصف الاول من شهر ايلول ndash; سبتمبر اثر اعلان ليمان براذرز افلاسه، كان جزءًا من تداعيات الأزمة المستمرة منذ ثمانية اعوام. ادارة جورج بوش الجمهورية هي المسؤولة عمّا حل بأميركا.
المرشحان لا يعطيان حلولاً بل يبحثان عن كبش. إدارة بوش ام المؤامرة الخارجية؟ المؤامرات ليست اختصاصًا عربيًا، في اميركا ايضاً ثمة كلام عن المؤامرات. لن يلبث الجمهوريون ان يشنوا هجومهم: الصين مسؤولة، وإلا لماذا اصاب الانهيار العالم كله، ولم يصب الصين بعد؟ اوروبا مسؤولة، تريد من الاميركيين حل الأزمة لكنها لا تريد المساهمة في حلها، مع انها جزء من المشكلة. الارجح ان دونالد رامسفيلد آخر، انما هذه المرة في الاقتصاد، سيخرج من بين الجمهوريين، ليقول: اوروبا العجوز، تريدنا ان نحارب عنها ومن اجلها، ومع ذلك تخوننا في التحالفات، وتريدنا ان نصلح اقتصادها من اموال دافعي الضرائب الاميركيين، ولا تريد ان تساهم بالحل. لها في الغنم كل الغنم، ولنا في الغرم كل الغرم.
الديموقراطيون ايضاً سيهاجمون متسائلين: لماذا ارغمت الحكومة الحالية شركات التأمين التي تمت إليها بصلة، وبعضها اعلن افلاسه، على شراء اصول هالكة؟ من المؤكد ان المسؤول عن الأزمة سياسات جورج بوش. الخلاصة: ليس ثمة ما يدعو المرشحان الشعب الاميركي إليه إلا المباشرة باللوم. على الاميركي ان يلوم ويغضب، من ادارة الجمهوريين او من المؤامرة الخارجية. وفي كلا الحالين ثمة ما يستدعي قلق العالم فعلاً.
الاميركيون من جهة ثانية، في ايام الانهيار الأولى رأوا ان وول ستريت تغرق بدمائها الخضراء. كان لسان حالهم في الايام الاولى يقول: حسناً فليغرق غيلان وول ستريت بدمائهم، لن نهتم. لكن الايام التالية جعلت تظهر اسباباً عميقة للقلق الاميركي: توقفت المصارف عن تمويل القروض الصغيرة والمتوسطة. عشرات الآلاف من بطاقات الاعتماد تم سحب تغطيتها من دون سابق انذار. شركات كثيرة باتت تقلل ساعات العمل وتتخلص من الوظائف الفائضة عن الحاجة. الاستهلاك بات في حدوده الدنيا والشعب الاميركي يشعر بالقلق. اميركا على ابواب الكساد، هذا المرض الذي كان الان غينسبرغ يخشاه اكثر من اي مرض آخر.
قد يكون غينسبرغ محقاً. الكساد الاميركي ليس مرضًا محليًا. انه يشبه انلفونزا الطيور، ينتقل بالجو. لأن حصول الكساد الأميركي وانخفاض معدلات الاستهلاك يعني ان الصين بدأت تتحسس عنقها. ناهيك عما سيحل بالهند وبنغلادش وسريلانكا وباكستان واندونيسيا، شركاء اميركا التجاريين. روسيا ستشهد ازمة عضال: تراجع سعر النفط المقوم بالدولار، بسبب تراجع الاستهلاك وخوف حملة الاسهم والمستثمرين ولجوء مقررو السياسة النقدية الأميركية إلى رفع قيمته توخياً للمحافظة على حد معقول من الاستهلاك. النتيجة مرة على روسيا والدول المنتجة للنفط. الصقيع سيشتد هذا العام وربما لأعوام قادمة.
لكن الأخطر من الكساد الاقتصادي الاميركي هو الكساد السياسي. المرأة التي ظنها المرشحان محبطة، لم تستطع ان توضح وجهة نظرها مرة اخرى. هذا قانون المناظرة. لكنها تستطيع ان تمتنع عن التصويت. بالنسبة إليها كان واضحاً ان المرشحين يبتعدان عن البحث في حل الأزمة. انهما يتجهان إلى اللوم وليس إلى الحل. الأميركيون يقلقون على مدخراتهم ومستقبل اولادهم، لكن المرشحين لا يملكان حلولاً. النتيجة ثمة كساد سياسي تلوح تباشيره وقد يصيب اميركا، مما يضع الانتخابات الرئاسية في اسفل سلم الاولويات. لهذا لن يتأخر منظمو الحملات الانتخابية لكلا المرشحين في حث الناخبين على التصويت انتقامًا: اما من ادارة الجمهوريين وإما من مؤامرة عالمية على اميركا. وفي كلا الحالين على العالم ان يأخذ حذره ويحتاط.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
التعليقات