ماكين وأوباما يلعبان على وتر الكلمات
إسرائيل تنتظر بقلق صديقها الأميركي الجديد

خلف خلف من رام الله: مع إقتراب موعد انطلاق سباق الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، بدأت العيون في إسرائيل تتجه إلى المرشحين، باراك أوباما عن الحزب الديمقراطي، وجون ماكين عن الحزب الجمهوري، في محاولة لاستنباط مواقفهما النهائية من كافة المسائل، لا سيما المتصلة مباشرة في الشرق الأوسط وملفاته الملتهبة. هذا في وقت أشعلت بعض التصريحات التي أطلقها القس الأميركي جيسي جاكسون حفيظة اليهود في الولايات المتحدة، وذلك عندما ألمح بان اوباما كرئيس سيمس بمنظومة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وهو ما دفع قيادة حملة أوباما إلى إرسال ابن جاكسون كي يصلح تصريحًا لأبيه.

وقال جيسي جاكسون الصغير: quot;اعرف أنه تحت رئاسة اوباما ستبقى علاقات أميركا مع إسرائيل مستقرة، قوية ولا تهتز. اوباما ملتزم بالحفاظ على العلاقة القوية بين الدولتينquot;. أما في قيادة ماكين بالمقابل فقفزوا على أقوال جاكسون، وكأنهم وجدوا غنيمة. وحاولوا الترويج إلى أن مستشاري أوباما يؤيدون ما يؤيده الإيرانيون وحركة حماس. ومن جانبها، كتبت صحيفة معاريف في عددها الصادر اليوم الخميس، تقول: quot;مقترعون يهود كثيرون في الولايات المتحدة قلقون من ترشيح اوباما، بعضهم بسبب حقيقة أن أباه ولد مسلما، وهناك من يزعم بأنه على الرغم من تصريحاته، فإنه يتظاهر فقط كمسيحي، أما عمليًا فهو مخلص للإسلامquot;.

وتابعت الصحيفة: quot;إضافة إلى ذلك فان تصريحات اوباما من عهد التمهيدية في أنه لا يستبعد لقاءً مع الرئيس الإيراني، دون شروط مسبقة، ضغط يهود قلقون على سلامة إسرائيل. كما أن يهودا كثيرين شعروا بالنفور من نشر الأقوال الفضائحية لمن كان قس اوباما على مدى عشرين سنة، جيرمييه رايت، الذي ادعى بان الولايات المتحدة هي التي جلبت على نفسها الهجوم الإرهابي في 11 أيلول واتهم علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة بالمسؤولية عن المشاكل في الشرق الأوسطquot;.

وبدورهم ينشغل الكتاب والمحللون الإسرائيليون في إجراء محاولات تقييمه لمواقف أوباما وماكين من الدولة العبرية وقضايا الشرق الأوسط الساخنة، وقد كتب زلمان شوفال في صحيفة quot;إسرائيل اليومquot; مقالا تحت عنوان quot;البيت الأبيض: من هو الأفضل لنا؟quot;، معتبرًا أن فوز ماكين في الانتخابات الأميركية المقبلة أفضل لمصلحة إسرائيل من فوز اوباما.

ولكن شوفال خلص في مقال كتبه في صحيفة quot;إسرائيل اليومquot;، إلى القول: quot;بحسب التجربة عندما تتبدل الإدارة أيضا لا تتبدل توجهات وزارة الخارجية معها بالضرورة. يمكن أن نقول أشياءً مشابهة لكن على العكس عن إدارة اوباما ولا سيما إذا أراد ولاية ثانية؛ انه يعلم أن إسرائيل القوية مصلحة لأميركا ولا يستطيع أن يتجاهل التأييد الذي تحظى به إسرائيل في الكونغرس وجزء كبير من الرأي العام الذي يماهي بين التهديد الإرهابي للولايات المتحدة وبين الإسلام والعربquot;.

ويضيف شوفال: quot;على الرغم من أننا ربما نستطيع أن ننام نومًا أشد اطمئنانًا مع ماكين، فإن اوباما لا يجب أن يقض مضاجعنا. في أي حال ستضطر إسرائيل إلى إظهار دبلوماسية خلاقة، وفعالة وشجاعة . دبلوماسية لا أخال أن حكومة لفني للأسف الشديد ستكون قادرة عليها أو معنية بهاquot;.

أما الخبراء في الولايات المتحدة الأميركية، فيواصلون تطبيق فنون الدعاية الانتخابية، ولا يتوانون عن استخدام كافة الوسائل سواء كانت تقليدية، أم متطورة تكنولوجيًا، في سبيل الحصول على المزيد من الأصوات. ويعمل المرشحان (أوباما وماكين) على انتقاء عباراتهم بعناية فائقة أثناء خطاباتهم وأحاديثهم مع وسائل الإعلام، وفي المناظرة الأخيرة التي عقدت بينهما، ظهر على نحو جلي كيفية لعب ماكين وأوباما على وتر الكلمات.

فقد أكثر ماكين من ترديد عبارات مثل، quot;أنا كنت هناكquot;، وquot;أنا اعرفquot;، quot;أنا تحدثت سابقًا مع المسؤولين عن الموضوعquot;، وفي ذلك محاولة مكثفة لتبيان خبرته السياسية الطويلة، وإظهار نقاط ضعف منافسه في هذا المجال. لا سيما أن اوباما عمره صغير نسبيًا مقارنة بماكين، ولهذا فهو يلجأ إلى طريقة أخرى، تتمثل بسياسة التقرب من الجمهور، ويكثر من استخدام عبارات بعينها، مثل، quot;عامة الشعبquot;، quot;المساواةquot;، quot;الرعاية الصحية للجميعquot;، quot;محاربة الفسادquot;.

وعمليًا، نتيجة حذر المرشحان للرئاسة الأميركية، فإن الشخص عندما ينظر إلى مواقفهما من المسائل التي تشغل بال الناخب الأميركي وبقية العالم، يتوصل إلى أن الاثنين يتفقان على معظم القضايا والمخاطر، ولكنهم يختلفون في كيفية معالجتها أغلب الأوقات، ويظهر ذلك جليًا، بموقفهما من quot;إسرائيلquot;، وحتى الملف النووي الإيراني وردعه، فماكين يعتقد إنه يجب على واشنطن التحرك ضده، إذا لازم الأمر دون التنسيق مع روسيا والصين، بينما يخالفه أوباما، ويريد حلفا دوليًا لشل البرنامج النووي لطهران.

أما في ما يتعلق بالوضع في العراق، فيبدو الاختلاف أوسع بين ماكين، وأوباما. فالأول يعتقد أنه لا مجال أمام الجيش الأميركي في العراق سوى الانتصار، مرددًا عبارات مثل quot;سننتصر، كما انتصرنا في حروب أخرىquot;، ويبرر توجهه في هذا السياق، بعدة نقاط يمكن للمتابع اختزالها بالآتي: الخروج المبكر من العراق سيجلب إيران إليها، وقد تحدث حرب أهلية تجر هرجًا وفوضى، الخروج من العراق سيؤدي لتقوية القاعدة بها، ناهيك عن الإضرار بصورة أميركية، ومحاولة البعض الترويج لخروجها على أنها هزيمة.

أما باراك أوباما، فعبر عن وجهة نظره حول الملف العراقي خلال المناظرة الثانية مع ماكين، مبينًا أنه يجب أن يكون هناك خطة زمنية لسحب الجيش الأميركي من هناك، لأن الحرب على العراق جلبت القاعدة إليها، ويشير إلى أنه كان منذ البداية معارضًا لهذه الحرب، ليس لأن تكاليفها لم تكن واضحة، بل لأن الحرب على أفغانستان لم تكن تنتهي بعد، ولم يقبض على رجال القاعدة الكبار، ويتطرق أوباما أيضا إلى الخسائر اليومية التي يتعرض إليها جيش الولايات المتحدة في العراق، موضحًا في الوقت ذاته، أن الدرس من الحرب على العراق، يتلخص في أن الحرب إذا كانت ضرورية يجب أن تكون بحكمة.

ويمكن اختزال الأسباب التي ينطلق منها موقف أوباما حول الملف العراقي، بالآتي: وجود الجيش الأميركي في العراق سيفضي إلى زيادة المقاومة، صورة واشنطن في العالم آخذه بالأتساع إلى أنها دولة استعمارية، تكلف الحرب الولايات المتحدة ثمنًا دمويًا عاليًا، وكلما استمرت في اخذ الحلم الأميركي بالذهب الأسود العراقي يتلاشى، كذلك لا تستطيع الولايات المتحدة أن تصرف انتباهًا وموارد إلى حلبات أخرى في الشرق الأوسط قد تكون اخطر من العراق.