بعد تواتر اتهامات رسمية وإعلامية لبدو سيناء بموالاة إسرائيل :
إحتقانات بدو مصر تتحول إلى خلاف سياسي عميق مع السلطات

نبيل شرف الدين من القاهرة: تحولت الاحتقانات والاحتجاجات التي تصاعدت أخيراً بين بدو شبه جزيرة سيناء المصرية ووصلت إلى أبعد مدى لها حين احتجزوا عشرات من رجال الشرطة، إلى شأن سياسي بعد أن توالت الاتهامات من قبل محافظ الإقليم ووسائل الإعلام تطعن في موالاة هؤلاء البدو لإسرائيل، فضلاً عن اتهامهم باحتراف تهريب المخدرات والأشخاص والبضائع، وهو ما كان موضوعاً لمؤتمر صحافي عقده بدو سيناء بمشاركة أكثر من 500 شخص من جميع قبائل سيناء، حيث طالبوا بتقديم ضباط الشرطة المسؤولين عن مقتل أربعة من أبنائهم قبل أيام بشمال سيناء إلى محاكمة عاجلة لامتصاص غضب ذويهم والحيلولة دون لجوئهم للثأر .

وشهدت شبه جزيرة سيناء موجة من الاحتجاجات في وقت سابق من الشهر الجاري، عقب مقتل بدوي وإصابة آخر على يد الشرطة في منطقة quot;الحسنةquot; بسيناء، أعقبتها احتجاجات أسفرت عن مقتل ثلاثة آخرين من البدو، وقيام هؤلاء المحتجين باقتحام معسكر لقوات الأمن، واحتجزوا عدداً من جنوده، وأحد الضباط لفترة، قبل أن يطلقوا سراحهم بعد وساطة من قبل شيوخ القبائل بين السلطات والبدو المحتجين .

وتعيش في شبه جزيرة سيناء عدة قبائل منها quot;التياها والاحيوات والعزازمة والسواركة والحويطاتquot;، وترجع أصول البدو في مصر إلى قبائل نجد والحجاز مثل quot;بني عقبةquot; وquot;بني هلالquot; وquot;بني سليمquot;، وتضم شبه جزيرة سيناء أكبر تجمع للبدو في مصر حيث يقدر عددهم هناك بنحو نصف مليون نسمة ويقيم معظمهم في منازل بدائية وخيام ويشربون من مياه الآبار الجوفية، ويتهمون السلطات بإهمالهم في تقديم الخدمات أو حصول أبنائهم على وظائف في الجهاز الإداري للدولة، خاصة في المواقع الهامة .

عمرو أديب والبدو

quot;لسنا بحاجة إلى صك وطنية وانتماء وولاء من أحد، ولسنا مطالبين كل يوم بالرد على اتهامات خرقاء يسوقها بعض المنفلتين، بل نعلن للجميع أن من لديه دليلاً يثبت اتهاماته فليتفضل بإعلانه من دون إصدار أحكام مسبقة على قطاع عريض من الشعب هم أبناء الباديةquot;، بهذه الكلمات رد شاب بدوي يعمل ويقيم في القاهرة، لكن صلاته بعشيرته في شبه جزيرة لم تنقطع يوماً، بل ظلت متصلة بشكل منتظم كما يؤكد، وجاءت عبارته المفعمة بالمرارة تلك رداً على اتهامات ساقها الصحافي عمرو أديب في برنامج quot;القاهرة اليومquot;، الذي يبث عبر فضائية quot;أوربيتquot;، وألمح فيها أديب بالقول والإيحاء إلى أن أهالي سيناء يحترفون التهريب والتعامل مع إسرائيل بصورة مشبوهة، والمطالبة بالاستقلال عن مصر، كما تحدث عما وصفه بإساءة معاملة أهالي سيناء للجنود المصريين أثناء حرب حزيران (يونيو) عام 1967، وغير ذلك من التهم التي أثارت احتجاجات واسعة لدى البدو في سيناء .

كان أول رد فعل من قبل المجلس الشعبي المحلي لمحافظة شمال سيناء، الذي اجتمع على نحو طارئ، وأعلن استنكاره لتعليقات أديب، وطالبوه بتقديم اعتذار على نفس البرنامج وبنفس المساحة وبالشكل الذي يرضي أهالي سيناء وأرسل أعضاء المجلس احتجاجا إلى كل من وزير الإعلام ومدير محطة quot;أوربتquot; ونقابة الصحافيين مطالبين تلك الجهات باتخاذ اللازم حيال أديب .

وكانت سلسلة من المصادمات قد وقعت بين قوات الأمن والبدو في شمال سيناء بدأت بعد مقتل أحد البدو في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قالت الشرطة إنه مهرب سلاح، وفي اليوم التالي قتلت الشرطة ثلاثة أشخاص من البدو، قام بعدها مئات منهم فور العثور على الجثث الثلاث بمحاصرة عدة مراكز شرطة في شمال سيناء واحتجاز رجال الشرطة داخلها، حتى أطلقتهم بعد وساطات شيوخ القبائل .

وقررت النيابة العامة ضبط وإحضار عشرات المتهمين من البدو للتحقيق معهم في عدة تهم أهمها الشغب، والتعدي على رجال الأمن أثناء تأدية واجبهم، ومقاومة السلطات والإضرار بالأمن القومي واحتجاز أفراد تحت تهديد السلاح وتعريض حياتهم للخطر، وحيازة أسلحة بدون ترخيص .

المحافظ وإسرائيل

ولم تكن تعليقات الصحافي عمرو أديب هذه أول الاحتجاجات من قبل البدو، فقد سبقتها تصريحات نسبت إلى محافظ شمال سيناء، اللواء محمد عبد الفضيل شوشة والتي اتهم فيها إسرائيل بالمسؤولية عن إشعال فتيل الأزمة مع البدو وخروجهم للتظاهر على الحدود الدولية، الأمر الذي سبب موجة غضب بين أبناء بادية سيناء، الذين اعتبروا أن تصريحات المحافظ تنطوي على اتهامات مبطنة لهم بالخيانة وبأنهم ينفذون تعليمات إسرائيلية، في الوقت الذي أكدوا فيه أنهم كانوا يعبرون عن غضبهم من تصرفات الشرطة، وأكد نشطاء من البدو أن quot;تصاعد الاحتجاجات جاء نتيجة مقتل وإصابة عدد من أبنائهم على يد قوات الأمن دون مسوغ من القانونquot;، حسب تعبيرهم .

وجاءت تصريحات محافظ شمال سيناء عقب تصريحات أخرى له كان قد أشار إليها خلال اجتماع برلماني لمناقشة تداعيات تلك الأحداث، واتهم خلالها أياد أجنبية بالوقوف خلفها دون تسميتها، ولكنه عاد وأكد من جديد خلال لقاء تنفيذي ضم قيادات منطقة سيناء من الأجهزة التنفيذية أنه بالفعل يشير إلى إسرائيل في وقوفها خلف أحداث سيناء، ولديه صور تثبت ذلكquot;، على حد قوله .

وناقشت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب (البرلمان)، أحداث الاشتباكات في شمال سيناء التي وقعت بين أبناء قبيلة الترابين، وقوات الشرطة، وسعت اللجنة في اجتماعها بحضور قيادات وزارة الداخلية إلى تهدئة الأوضاع الملتهبة في شمال سيناء، ونزع فتيل التوتر خاصة على المناطق الحدودية في ظل استمرار حالة الاحتقان بين بدو سيناء وحالة التأهب القصوى من قبل أجهزة الأمن خشية عودة الأحداث مجدداً.

أما على الصعيد الميداني وفي سياق التحقيقات الجارية، كشفت النيابة العامة عن قيام البدو بحرق 4 نقاط أمنية حدودية جنوب رفح في مناطق (المطلة ونجع شبانة والمدفونة والأزارق) حرقا كاملا بما كانت تحتويه من أسلحة وذخائر ومعدات وأثاث.

كما خلصت التحقيقات إلى قيام بعض البدو بتحطيم وحرق 3 سيارات للشرطة، وإصابة 37 من ضباط وجنود الأمن بإصابات مختلفة بين كسور وجروح، نقل بعضهم على إثرها إلى مستشفيات القاهرة للعلاج، ومصرع 4 من أبناء البدو، وإصابة عدد آخر من المواطنين أثناء المواجهات، وعاينت النيابة فوارغ الطلقات المحترقة وتحفظت عليها لإرسالها إلى المعمل الجنائي لتحديد نوعية الأسلحة والذخائر المستخدمة.

تجدر الإشارة إلى أن المواجهات بين الشرطة والبدو وقعت بمنطقة quot;وادي الأرزاقquot; عندما طاردت الشرطة سيارة وأطلقت النار عليها، ما أدى لمقتل شخص وإصابة آخر، قالت الشرطة إنهما كانا يتاجران بالمخدرات وحاولا الهروب من الكمين، لكن البدو لم يقتنعوا بهذا الادعاء وقاموا باحتجاجات اختطفوا خلالها عدداً من جنود الشرطة وأفرجوا عنهم لاحقاً بعد تدخل الوسطاء من شيوخ القبائل في سيناء .