واشنطن: لم يكن يعني انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة حسم الخلافات ونهاية الجدل الداخلي في الولايات المتحدة نظرًا للأهمية القصوى للأسابيع التي تلي إنتخاب الرئيس والتي تشهد زخمًا متصاعدًا على أثر قيام الرئيس الأميركي بالإعلان عن أعضاء إدارته التي تتولى وضع السياسات الأميركية لمدة أربع سنوات هي إجمالي فترة الرئاسة الأميركية، وتحدد هذه الفترة الانتقالية النهج الذي ستتبناه الولايات المتحدة كقوة عظمى تجاه النظام الدولي والقضايا الدولية في فترة محورية للسياسة الخارجية الأميركية والاقتصاد العالمي.

انعكاس النتائج على الفترة الانتقالية

ويمكن اعتبار فترة الأحد عشر أسبوعًا التي تسبق تولي الرئيس الأميركي المنتخب لمهامه رسميًّا بمثابة مؤشر عام على ما قد تتخذه الإدارة من سياسات لاسيما خلال المائة يوم الأولى منذ تولي الرئيس لمهام منصبه والتي تتأثر بنمط التنافس خلال الانتخابات الرئاسية ذاتها بحيث تكون تلك الفترة أكثر فاعلية وسلاسة في أعقاب تحقيق انتصار انتخابي حاسم بما يتيح الوقت للرئيس المنتخب كي يفاضل بين المرشحين لشغل المناصب المحورية في إدارته.

وفي المقابل فإن تحقيق انتصار انتخابي بفارق ضئيل يؤدي للتركيز على تعزيز مكانة الرئيس المنتخب وهو ما تجلى عقب انتخاب جورج بوش في عام 2000 بعدما استمرت النزاعات القضائية حول فرز الأصوات حتى يوم 13 من ديسمبر بما جعل محاولات بوش لتشكيل إدارته قبل حسم تلك الخلافات موضع انتقاد على اعتبار أن مآل الرئاسة لم يتحدد بعد.

إعداد ديمقراطي مبكر

توضح استطلاعات الرأي أن الانتخابات الأميركية الراهنة تعد الحالة المقابلة تمامًا للرئيس الأميركي بوش في عام 2000، خاصةً مع تصاعد تأييد السيناتور باراك أوباما في الأيام الأخيرة لحملته الانتخابية مما جعل كثيرين يرجحون وصوله للمكتب البيضاوي في يناير 2009 حتى قبل حسم الانتخابات تمامًا.

لذا بدأ معسكر باراك أوباما الإعداد للمرحلة الانتقالية مبكرًا منذ يوليو 2008 من خلال تقسيم فريق العمل إلى مجموعات صغيرة يتراوح عدد أفرادها بين 6 و8 أفراد للتركيز على وكالة أو مؤسسة حكومية بعينها.

ويستدل على ذلك باختيار أوباما لرئيس كبير موظفي البيت الأبيض خلال عهد بيل كلينتون جون بودستا ليشغل المنصب ذاته ضمن تشكيل إدارة أوباما على الرغم من انتقاده في كتابه quot;قوة التقدمquot; لتكوين فريق عمل لانتقال السلطة قبل انتخاب الرئيس باعتبار ذلك سبقًا للأحداث. واختص بالذكر فريق بودستا الخاص بالرئيس السابق بيل كلينتون، إلا أنه في سبتمبر 2008 قام بمحاكاة حملة ماكين الذي قام بتعيين وليام تيمونس العضو البارز بالحزب الجمهوري كرئيس للفريق الخاص بانتقال السلطة في حال فوزه بالانتخابات.

واتخذ ذلك التحرك المبكر من جانب أوباما لوضع الإطار العام لانتقال السلطة طابعًا حذرًا بالنظر إلى حالة الاضطراب الاقتصادي التي تمر بها الأمة الأميركية والدعاية المكثفة من جانب وسائل الإعلام، الأمر الذي دفع كلا المرشحين لتأكيد أهمية الانتقال المرن للسلطة في حالة الوصول للرئاسة عبر دعم تداول المعلومات والتخطيط مقدمًا لمواجهة العقبات المحتملة.

وعلى ما يبدو فإن معسكر أوباما قد تمكن من تحقيق تقدم على هذا الصعيد على عكس ماكين الذي تركزت جهود فريقه في أواخر أيام حملته الانتخابية على تقليص الفجوة الواضحة في استطلاعات الرأي لصالح أوباما، وبقطع النظر عن اعتبارات المنافسة الانتخابية فإن المتغيرات في الداخل الأمريكي على المستويين الاقتصادي والعسكري كانت تحتم القيام بالتخطيط الأولي لعملية التغيير في المؤسسة البيروقراطية لضمان قيام الرئيس الأميركي بتخصيص وقت كافٍ للتنفيذ الفعال لتلك الأفكار الأولية.

الإطار الدستوري لانتقال السلطة

وفي هذا الصدد يركز التشريع الصادر عن الكونغرس في عام 1963 على تيسير انتقال آمن ومرن للسلطة بين الرؤساء الأميركيين لتفادي الآثار السلبية للإشكاليات المصاحبة لانتقال السلطة على الأمن القومي فضلاً عن تقليص الحاجة للتمويل الخاص إلى أقصى حد نتيجة لاعتبار عملية انتقال السلطة ذات طابع قومي عام ومن ثم يتم توفير تمويل حكومي لتيسير تلك العملية من قبل إدارة الخدمات العامة بحيث يستبق تخصيص ذلك التمويل الإعلان الرسمي المؤكد للنتائج في 18 من ديسمبر.

و تتضمن الفترة الانتقالية عدة إجراءات من بينها الاستقالة الطوعية لشاغلي المناصب الخاضعة للاختيار من جانب قادة الوكالات القومية، وبطبيعة الحال فإن متطلبات المرونة في انتقال السلطة تدفع للإبقاء على بعض الموظفين القدامى للعمل جنبا إلى جنب مع نظرائهم الجدد لتحقيق الاستمرارية في أداء المهام.

ومن ثم يقتصر التغيير في الإدارة على عدة فئات من المناصب أولها يتمثل في المناصب التي يتم شغلها باختيار الرئيس الأميركي وموافقة الكونغرس عليها. والفئة الثانية تتمثل في المناصب التي يقوم الرئيس باختيار شاغليها دون موافقة الكونغرس، بينما تتمثل الفئتان الثالثة والرابعة في المناصب القيادية بالجهاز الإداري التي لا يوجد توصيف معين لمهامها والتعيين في مناصب بناء على طلب أحد قيادات الوكالات الحكومية، و تشمل تلك المناصب رؤساء الوكالات الحكومية المختلفة.

وبطبيعة الحال فإن تلك التغيرات قد تصاحبها عدة ظواهر سلبية مثل انقطاع الاستمرارية في العمل الإداري وعدم توافر المعلومات لدى الموظفين الجدد، وفي ظل تحريم القانون الأميركي لتعيين أكثر من موظف في المنصب الواحد، فإن المتاح للإدارة الأميركية الجديدة هو تعيين الموظفين الجدد في مناصب مؤقتة للتواصل مع الموظفين القدامى قبيل شغلهم لمناصبهم.

من أجل انتقال سلس للسلطة

ومن أجل انتقال سلس للسلطة قام الرئيس بوش بإنشاء مجلس تنسيق انتقال السلطة عبر أمر إداري أصدره في 9 من أكتوبر 2008 قبل 26 يومًا من تاريخ الانتخابات العامة بهدف جعل عملية انتقال السلطة أكثر مرونة ويسرًا وهو ما أكدته المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو التي أشارت إلى أن عملية انتقال السلطة في هذه الفترة من تاريخ الولايات المتحدة تعد الأكثر أهمية نتيجة الأزمة المالية وتواصل الحرب على الإرهاب والتهديدات بتعرض الولايات المتحدة لهجمات إرهابية مماثلة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وتلخصت مهمة تلك المؤسسة في تقديم المعلومات والمساعدة لمرشحي الحزبين المتنافسين بصورة متوازنة بحيث يتولى رئاسته رئيس العاملين الحالي في البيت الأبيض جوشوا بولتن بالإضافة إلى 14 من كبار المسئولين مثل المدعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية.

ويعود ذلك الإجراء في أحد جوانبه إلى تنفيذ توصيات لجنة الحادي عشر من سبتمبر الصادرة عام 2004 والتي أكدت أن الأمن القومي الأميركي قد تعرض للتداعيات السلبية الناجمة عن وجود عدد كبير من المناصب الشاغرة وبطء وتيرة تعيين موظفين جدد عقب تولي الإدارة الأمريكية الجديدة عام 2000.

إلا أن هذا المجلس يشبه ما قام به الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وإن كان على نطاق أوسع فضلاً عن استباق الإجراءات الأخيرة لنتائج الانتخابات في مقابل قيام كلينتون بتلك الإجراءات بعد انتهاء الاقتراع علي اختيار الرئيس الأميركي.

ولقد اختلفت الآراء حول فائدة وأهمية مجلس انتقال السلطة بين المؤيدين الذين يؤكدون علي أنه ييسر إجراءات الانتقال والمعارضين الذين رأوا في حجمه الكبير تعقيدًا للإجراءات البيروقراطية المصاحبة لانتقال السلطة. بيد أن قوانين الاستخبارات القومية الجديدة كانت تحتم أن يتم اطلاع المرشحين على كافة المعلومات اللازمة لانتقال السلطة للارتقاء بقدراتهم على تولي الرئاسة بصورة أكثر فاعلية خاصة في المرحلة الأولى.

وعلى الرغم من الإعداد المتزايد لدى كلا المرشحين خلال الحملة الانتخابية لعملية نقل السلطة إلا أن كليهما كان حريصًا على التكتم على الأمر وعدم نشر تفاصيله إعلاميا حتى لا يستبقوا النتائج بما يدفع الجمهور الأمريكي لاعتبار ذلك تصرفًا غير ملائم.