نجلاء عبد ربه من غزة:

لم يكن قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدمج جهاز الأمن الوقائي في جهاز المخابرات العامة قراراً إعتباطياً أو شكلياً، بل جاء نتيجة دراسة معمقة وجدية حول آلية النهوض بالمؤسسة العسكرية الفلسطينية التي أظهرت عجزا وترهلاً خلال الإقتتال مع عناصر حركة حماس في غزة، وسيطرة الأخيرة على تلك المؤسسة، بما فيها أكبر المواقع تحصيناً، خلال أقل من أسبوع.

ورغم أن جهاز الأمن الوقائي كان يتحمل العبء الأكبر في الحرب التي دارت بينه وبين حركة حماس، خاصة بعد تكفير الأخيرة لذلك الجهاز وإتهامها إليه بتنفيذ مخططات إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية، إلا أنه واجه إنتقاداً شديداً من قيادات فتح نفسها، وخاصة اللجنة المركزية فيها، بسبب السمعة السيئة التي أحاطت بقيادة الجهاز من إختلاسات وأتاوات، وعلى رأسهم محمد دحلان ورشيد أبو شباك وسمير المشهراوي وعدد كبير جدا من قيادة الجهاز.

وكشفت مصادر إيلاف الخلفية الحقيقية من القرار الرئاسي الفلسطيني بدمج جهاز الأمن الوقائي في المخابرات العامة الفلسطينية الذي يرأسه اللواء توفيق الطيراوي، والتي تكمن في تخوف المؤسسة الرئاسية من التوصل الى حلٍ بين حركتي فتح وحماس، يقود إلى أن تسيطر حماس على وزارة الداخلية، خاصة وأن حماس منذ تشكيلها للحكومة العاشرة أبان فوزها في الإنتخابات التشريعية عام 2006م وضعت نصب أعينها على وزارة الداخلية، وبالتالي فإن جهاز الأمن الوقائي الذي يقع تحت أمرة أي وزير للداخلية سيتبع لحركة حماس تلقائياً، وهو ما جعل العديد من المحللين والخبراء العسكريين الفلسطينيين الموالين للرئيس عباس التوصل لحلٍ ينهي سيطرة حماس على الجهاز (الأمن الوقائي)، الذي شكل هاجسا ورعبا لعناصر حماس قبيل سيطرتها على غزة.

تلك الحقيقة ظهرت بشكل واضح في رد حركة حماس على ذلك القرار، عندما إنتقدت بشدة مرسوم الدمج، على لسان القيادي فيها الدكتور أيمن طه، الذي اعتبر quot;دمج جهاز الأمن الوقائي في جهاز المخابرات العامة يقطع الطريق على إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية، لأن جهاز المخابرات تابع للرئاسة. ومعنى ذلك أن الأجهزة الأمنية ستتبع الرئاسة ولن تكون مستقلة لضمان نزاهتها وحيادها في شكل يؤهلها للقيام بدور وطنيquot;.

ومن المفيد أن تأخذ القيادات الفلسطينية العبرة والعظة من لجنة التحقيق التي شكلها الرئيس الفلسطيني أبو مازن لدراسة سيطرة حركة حماس على غزة، حيث أشار التقرير النهائي للجنة لفساد مالي وإداري من كبار الضباط في جهاز الأمن الوقائي، خاصة في قطاع غزة، ما أدى إلى إتاحة الفرصة لإعلام حركة حماس بشن هجوماً وتعبئةً في عناصرها لهذا الجهاز ولحركة فتح بشكل عام.

ومع قرار دمج جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، فوّتت الرئاسة الفلسطينية الفرصة على حركة حماس مستقبلاً بالسيطرة على هذا الجهاز الذي أسسه القيادي المعروف في فتح quot;محمد دحلانquot;.

وكان رئيس كتلة حركة فتح النيابية quot;عزام الأحمدquot; أكد أن القرار صدر بالفعل منذ يومين، فيما قال مستشار الرئيس الفلسطيني حكمت زيد إن quot;الأمر ما زال موضع دراسةquot;، مشيراً إلى أن 'المرسوم الذي أصدره الرئيس يأمر وزير الداخلية quot;عبد الرازق اليحيىquot; بوضع خطة لتوحيد جهازي الأمن الوقائي والاستخبارات العامة. وعزا المرسوم الرئاسي الجديد إلى عدم وجود تنسيق ناجح بين الجهازين. وقال quot;نواجه متاعب كبيرة، فعندما يُطلب شخص ما للاستجواب لدى الأجهزة الأمنية يخضع للتحقيق من الجهازين على التواليquot;.

وجهاز الأمن الوقائي الذي أسسه محمد دحلان في العام 1994م، ضم بداخله معظم مطاردي حركة فتح في الإنتفاضة الأولي (1987 ndash; 1994) بالإضافة لكادر حركة فتح الشبابي، إلا أن بعض قيادات الجهاز إستغلت منصبها وبدأت في جمع ثروةٍ باهظة، كانت على حساب إحتكار بعض السلع الرئيسية في أراضي السلطة الفلسطينية، وأستطاع جهاز الأمن الوقائي أن يشكل لوبي اقتصادي ومالي ضخم جداً خاصة في قطاع غزة.

وإستحدث الجهاز في العام 2004م دائرة، سمتها الأمن والحماية في مدينة غزة، أو ما تعرف بفرقة الموت والتي تضم 112 فرداً، وقد نسب لها الكثير من عمليات القتل، وصدر العديد من أحكام الإعدام والحبس على أفراد هذه الوحدة، لكنها لم نتفذ كما ورد في بيانٍ سابق للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

وساهمت أخطاء بعض قيادات الأمن الوقائي من تركيز حملة إعلامية لحركة حماس ضد هذا الجهاز وعناصره، وهو ما بدا واضحاً عندما قُتل العشرات من أفراد هذا الجهاز على أيدي قوات حماس بحجة أن الجهاز برمته ينفذ أجندة إسرائيلية.

واعتبر مستشار الرئيس الفلسطيني حكت زيد، أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق. وقال quot;هذه التهم خارجة على حدود الأدب واللياقة، لأن جهاز الأمن الوقائي أجندته وطنية وكل عناصره وطنيون. بل إن معظمهم كانوا معتقلين في السجون الإسرائيلية لسنوات طويلة تصل إلى 20 عاماً، ولم يسبق لجهاز الأمن الوقائي أن قام يوماً بعمل ضد الثورة الفلسطينيةquot;.

من جانبه، اعتبر الناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة ماهر مقداد أن المرسوم الذي أصدره عباس يعني إنهاء جهاز الأمن الوقائي، موضحاً أن quot;هذا القرار فرصة لإنهاء مراكز قوى داخل حركة فتحquot;.

وقال إن quot;انقلاب حماس العسكري في غزة، فرصة سانحة لإنهاء رموز وعناوين لهذا الجهاز الذي هو الآن في أضعف أوقاتهquot;، مشيراً إلى أن هناك حسابات أمنية تجد ضرورة لإنهاء أشخاص كانوا يستمدون قوتهم من هذا الجهاز، وعندما يلغى ستسحب عنهم الشرعية ويصبحون بلا قيمةquot;، على حد تعبيره.

وتعتقد حركة حماس منذ فوزها في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، أن وزارة الداخلية هي المفتاح السحري الذي سيمكنها من السيطرة على تسيير الحياة بشكل طبيعي في غزة، إلا أنها إصطدمت بجدار رفض تعاون قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع وزير الداخلية الحمساوي quot;سعيد صيامquot;، ما جعله بالعمل على تشكيل قوة عسكرية من 6000 فرد تنفذ أوامره وأسماها quot;القوة التنفيذيةquot; والتي تضم عناصر شابة من حركة حماس وعدد قليل من ألوية الناصر صلاح الدين.