بلال خبيز من بيروت: لا يخفى على المراقب ان منفذي العملية الاخيرة في مدرسة تلمودا غربي القدس ليسوا اعضاء في كتائب شهداء الجليل، مجموعة الشهيد عماد مغنية وشهداء غزة. فهذه منظمة مجهولة وتصدر بيانها الاول مع هذه العملية. والعملية في حد ذاتها شكلت قفزة نوعية في مسار العمليات التي تستهدف اسرائيل، جيشاً ومدنيين على حد سواء. هي عملية نوعية لجهة الخرق الامني الذي الذي حققه المنفذان في المجال الحيوي جداً للأمن الإسرائيلي. وهي ايضاً نوعية لجهة طريقة التنفيذ، حيث قام المسلحان بفتح نيران رشاشيهما على المتواجدين في المدرسة، واستطاعا قتل ما يزيد على عشرة اشخاص وجرح ما يفوق ال 35 شخصاً بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، وجراح 15 منهم خطرة، اي ان عدد القتلى مرشح للزيادة في الساعات القليلة المقبلة. فضلاً عن ذلك استطاع واحد منالمسلحين المنفذين ان يغادر مبنى المدرسة حياً ويشتبك مع رجال الشرطة الإسرائيلية لأكثر من نصف ساعة قبل ان يقضي من دون ان يفجر حزامه الناسف. مقتل 11 إسرائيليا وإصابة العشرات في عملية فدائية بالقدس
هذه ملاحظات توضح انالمسلحين كانا على درجة عالية من الخبرة في القتال المباشر، وهذه خبرة غير متاحة لانتحاريين غضين قليلي الخبرة استناداً للطريقة التي يتم فيها اختيار الانتحاريين عادة.
ليس في الوسع التأكد من هذه الاستنتاجات. لكن الجهة التي اعلنت مسؤوليتها دفعت بمقاتلين على درجة عالية من المهارة إلى الاستشهاد، بعد ان قتلا عدداً كبيراً من المستوطنين المستقبليين. مما يعني ان هذه المجموعة فرطت بعنصرين ثمينين من عناصرها لا تملك تعويضهما بسهولة إذا كانت مجموعة جديدة مثلما اشار البيان الذي اذاعته قناة المنار التلفزيونية. والحال، فإن الدلائل الأولية كلها تشير إلى جهة متمرسة بالقتال ويسهل عليها التضحية بمقاتلين خبيرين ومجربين. مما يعني بداهة، ان اسرائيل لن تأخذ البيان على محمل الجد، والارجح انها ستقوم في الساعات المقبلة بتوجيه الاتهام إلى جهة ما من الجهات التي تستعد لمحاربتها اصلاً.
ليس خافياً ان العملية الجريئة هذه تزامنت مع حشود برية وبحرية على الحدود مع لبنان وسوريا. وكان نهار امس اللبناني قلقاً ومترقباً بسبب لجوء الجيش الإسرائيلي إلى ازالة الشريط الشائك من احدى نقاط الحدود اللبنانية مع اسرائيل في منطقة الغجر من دون ان يتجاوز الجيش الإسرائيلي نطاق سيطرته مثلما عبر بيان القوات الدولية في الجنوب. والثابت ان هذه العملية حصلت في زمن حرب اكثر مما يمكن اعتباره زمن سلم. إذ ان الاطراف المعنية كافة على جانبي الحدود في لبنان وسوريا وغزة واسرائيل وضعت في حال التأهب الفعلي، وثمة معلومات متواترة عن استدعاء سوريا لجنود الاحتياط ودعوتهم للالتحاق قبل العاشر من آذار ndash; مارس بقطعاتهم العسكرية، فضلاً عن ان حزب الله اعلن حالة تأهب قصوى، وغني عن القول ان الجيش الإسرائيلي يعيش حال التأهب والاستنفار سواء في جنوب اسرائيل على الحدود مع قطاع غزة او في شمالها حيث مصدر التهديد الجدي الآخر يتمثل في حزب الله والجيش السوري.
لكن اسرائيل لم ترد مباشرة على العملية، بل ان المعلومات المتواترة من الجانب الإسرائيلي افادت ان العملية اخرت الشروع بتنفيذ المحطة التالية من الهجوم على قطاع غزة، حيث اشارت تقارير كثيرة إلى احتمال اعتماد خطة باراك القاضية بتهجير عشرات الألوف من الفلسطينيين من شمال غزة وحشرهم في المدينة نفسها لإبعاد خطر صواريخ القسام عن المستوطنات الإسرائيلية.
لم ترد اسرائيل مباشرة على العملية، وانعقد مجلس الأمن في جلسة طارئة لبحث تداعيات هذه العملية. ومثلما هو متوقع سيصدر مجلس الامن بياناً شديد اللهجة في مصلحة اسرائيل، بعدما كانت قبل يوم من هذه العملية محرجة جراء مجازرها في غزة وجوارها. مما يبيح لها اطلاق اليد في اعمال القتل والتنكيل في حق من تريد تحميله مسؤولية هذه العملية. فضلاً عن كون اي بيان يصدر عن مجلس الأمن مديناً الإرهاب، وهذه المرة يعني الإرهاب جهة محددة دون غيرها، وتعرض اسرائيل له، سيكون بمثابة اجازة دولية لإسرائيل لاشعال حرب ستغير حكماً وجه المنطقة وتعبث بخرائطها.
يوم اغتيل قائد حزب الله العسكري الحاج عماد مغنية كان ثمة يقين في اسرائيل ان حزب الله سيرد على الضربة، اما ما كانت تجهله فهو مكان الضربة وزمانها. واليوم، بعد العملية الفدائية في غربي القدس، يبدو الأمر معكوساً. اسرائيل سترد، لكن المجهول ndash; المعلوم هو مكان الضربة وزمانها وحجمها.
استناداً إلى هذا كله، بات اللبنانيون ليلتهم يترقبون اللحظة التي يسمعون فيها هدير الطائرات الحربية في سمائهم، فلبنان، شأنه في هذا شأن قطاع غزة والضفة الغربية، له في كل حرب نصيب. لكن الارجح ان السوريين باتوا ليلتهم هذه وهم يترقبون مسار هذه الطائرات، وان كانت ستضرب هذه المرة في دمشق ايضاً ام انها ستكتفي على جاري العادة بغزة وجنوب لبنان.
التعليقات