صحيفة معاريف تشن هجوماً على وزير الثقافة والعلوم والرياضة
الثقافة الرسمية المأزومة في فلسطين وإسرائيل
أسامة العيسة من القدس: بينما كان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيرس، يفتتح معرض الكتاب الدولي في باريس، الذي احتفى بدولته باعتبارها ضيفة شرف المعرض بمناسبة 60 عاما على تأسيسها، وسط حفاوة لافتة، لم يكن الأمر على هذا القدر من الفرح في ما يخص الثقافة الرسمية في بلاده، وعنوانها وزارة الثقافة الإسرائيلية. وفي حين أن باريس كانت تخصص جناح شرف لإسرائيل في معرضها، الذي يعتبر ثاني أهم معرض كتب في العالم، بحضور 39 أديبا إسرائيليا، ووسط تغطية إعلامية واسعة، كان صحيفة معاريف، ثاني أكبر الصحف الإسرائيلية، تشن هجوما على غالب مجادلة، وزير الثقافة والعلوم والرياضة، ومدير عام وزارته يواف روزين، واتهمتهما، بالتورط في سلسلة فضائح، تتعلق بإقدامهما على إجراء تعيينات سياسية في الوزارة، ومحاولة تنحية موظفين كبار في الوزارة عن مناصبهم لغرض تعيين مقربين إليهما، وتم وصف مجادلة بأنه صاحب الكلمة الأولى في وزارته، في إشارة إلى إدارة تأخذ طابعا دكتاتوريا، ولا تعتمد على العمل المؤسساتي.
واثار ما نشرته معاريف ضجيجا في الوسط الثقافي الإسرائيلي، وحاول مجادلة، العضو القيادي في حزب العمل الصهيوني، المشارك في الائتلاف الحكومي، أن يعطي للهجمة التي شنتها عليه معاريف طابعا غير ثقافي. وألمح مجادلة، إلى أن الحملة الإعلامية ضده، تتعلق بكونه عربيا في هذا المنصب، مشيرا في كلمة ألقاها خلال حفل، نظم في حيفا، إلى أن العرب في إسرائيل هم أصحاب حق، ظل مغيبا طوال 60 عاما، وانه حان الوقت لاسترداد هذه الحقوق، ويقصد المساواة التي يطالب بها العرب في إسرائيل، الذين يتهمون الحكومات الإسرائيلية بتهميشهم.
وقال إنه يريد أن ينصف الوسط العربي في إسرائيل، ومؤسساته الثقافية، من خلال منصبه الوزاري، مشيرا إلى ان هناك جهات، مثل تلك التي تقف خلف الحملة، لا تريده أن يستمر في ما وصفه نهجه الصائب، وانه مصر على الاستمرار في دوره الذي ارتضاه لنفسه. ولاحظ مقربون من مجادلة، بان الحملة عليه، بدأت بعد أن قرر عدم التمديد لميخا يانون، رئيس قسم الثقافة في وزارته، والمحسوب على حزب المفدال الديني المتطرف، الذي لا يكنّ كثيرا أو حتى قليلا من الحب للعرب، وسعي مجادلة إلى تعيين يواف روزين، المدير العام للوزارة بدلا من يانون الذي أمضى اكثر من عشر سنوات في منصبه، واتهمه مجادلة بأنه خلال هذه الفترة، لم يقم بعمله بشكل منصف، ولم يخصص ميزانيات لمستحقّيها من مؤسسات ثقافية بعيدة عن مركز البلاد.
وواصل مجادلة حملته الإعلامية المضادة، ودافع عن إدارته لوزارته وقال إنه من الطبيعي أن يكون للوزير الكلمة الأولى والأخيرة في وزارته، ولأنه أول وزير عربي في حكومة إسرائيلية، سيواصل تخصيص الميزانيات للمؤسسات الثقافية في الوسط العربي. ولكن الحملة الإعلامية التي شنت ضد مجادلة، لم تتوقف عند كونها حملة صحافية، وتطورت الأمور لتصل إلى منحى اكثر جدية، عندما أعلن مراقب الدولة الإسرائيلي القاضي المتقاعد ميخا ليندن شتراوس، البدء في تحقيق، حول أداء مجادلة، ومدير عام وزارته، بعد ما وصفت بالفضائح التي نشرتها معاريف حولهما، وتتعلق بدورهما في إدارة الوزارة.
وقرار من هذا النوع، لا يأخذه عادة مراقب الدولة في إسرائيل، استنادا فقط إلى ما نشر في الصحافة، ولكن أيضا لما توفر له من معلومات وهذه المرة في ما يدور في وزارة ثقافة دولة، كانت تحصد نجاحا إعلاميا مهما في معرض باريس، الذي شاركت فيه أكثر من 1200 دار نشر، وزاره أكثر من 200 ألف زائر، وحظي جناح إسرائيل فيه باهتمام، وامتد على مساحة 600 متر مربع.
وردا على قرار مراقب الدولة الإسرائيلي، تحدث مجادلة للإذاعة الإسرائيلية، مقللا من أهمية هذا القرار قائلا ان quot;ممثل مراقب الدولة، دعا قبل ثلاثة أسابيع مدير عام الوزارة يواف روزين إلى جلسة عمل أبلغه فيها، أن مراقب الدولة يريد أن يفحص وضع الوزارة، خصوصا في ما يتعلق ببرنامج العمل السنوي لعام 2008، وذلك من دون أي علاقة، لما نشر في صحيفة معاريف، وكان من وراء هذا النشر مصدر كبير ومدسوس، وما ابلغنا به ممثل مراقب الدولة، يتعلق بفحص عام، يجري لكل وزارات الحكومةquot;.
وأضاف quot;ما نشرته معاريف هو شهادة بحقي، حيث قالت ان الوزير له سياسة وبرنامج، ويطالب جهاز الموظفين باعتماده، وهو حق لي، ولن أتنازل لنا، أما بالنسبة إلى اتهامي بأنني أعين مقربين مني في الوزارة، فأنا اعتز وافتخر، بكل المقربين الذين تستوفى فيهم جميع الشروط، ويجلبون للوزارة شرفا واعتزازاquot;.
وحول الاتهامات التي تتعلق بإقصائه لموظفين في وزارته عن مناصبهم لأسباب سياسية، قال مجادلة، إن الأمر يتعلق بموظف واحد هو ميخا يانون الذي أمضى عشر سنوات في منصبه، دون أن يتغير فعرض عليه مجادلة أن ينتقل ليصبح نائب المدير العام لشؤون القوى البشرية في الوزارة، بعد أن خرج من كان يشغل هذا المنصب إلى التقاعد، ولكن يانون رفض.واتهم مجادلة، يانون، بأنه لم يقم بواجبه في خدمة الثقافة الإسرائيلية، وما تتطلبه هذه الثقافة، طوال عشر سنوات، ولهذا قرر مجادلة تغييره من منصبه.
ووصف مجادلة، يانون، بالفاشل جدا في مهمته، وقال quot;من بين ميزانية الثقافة في إسرائيل والبالغة 440 مليون شاقل (الدولار 3.4 شواقل)، لم يدخل أي مبلغ مهما كان صغيرا لأي مؤسسة جديدة أو فنانين جدد من مختلف أنواع الثقافة، أليس في الثقافة الإسرائيلية تجديدات؟، ألا توجد مؤسسات ثقافية جديدة نشأت، وفيها رجال آداب وفنانون جدد يستحقون الدعم المالي، وماذا عن سياسة الشمال والجنوب، ودعم القطاعات الضعيفة إذا كانوا حرديم يهود (متدينين متزمتين)، أو مؤسسات في شمال البلاد، وجنوبها، لماذا الدعم فقط يقتصر على منطقة تل أبيب، لقد تم تخصيص ميزانيات فقط للمؤسسات الثقافية الكبيرة، ونشأت مؤسسات لها مصلحة بالدفاع عن يانون، لكي يبقى في منصبه، وأنا مصر على نقله من منصبه بالطرق القانونية، حتى تبدأ نهضة جديدة للثقافة الإسرائيلية، لتظهر بوجهها الأكملquot;.
وحسب مراقبين، للشأن الثقافي الإسرائيلي، فان إسرائيل عندما عينت مجادلة، الذي قدم كأول وزير مسلم في الحكومة الإسرائيلية (كان سبقه وزير درزي)، لم تكن تفكر بان يضطلع بمهمة النهوض بالثقافة الإسرائيلية، وإنما جاء تعيينه في منصبه هذا، تعيينا سياسيا، ولان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لا تعول كثيرا أصلا على هذا النوع من الوزارات بالنهوض بالثقافة الإسرائيلية، وإنما على المؤسسات المستقلة، والاكاديمية، وان ما يحقق بعض من الأدباء الإسرائيليين من شهرة عالمية وحصولهم على جوائز عديدة، يتم بعيدا من وزارة الثقافة.
ولكن اللافت انه ليس الثقافة الرسمية الإسرائيلية هي فقط المأزومة، والتي لا تحظى بالاهتمام الكافي من السلطة الرسمية في إسرائيل، فالأمر أيضا يتعلق بالسلطة الفلسطينية، التي أعلن وزير ثقافتها استقالته، دون أن يحدث ذلك اهتماما كبيرا، إلى درجة انه تم نسيان أن الوزير استقال، ولم تفكر الحكومة الفلسطينية باستبداله، إلا لاحقا، وبطريقة تعكس وجهة نظرها تجاه الثقافة، التي لا يعرف ميزانية لها، واذا وجدت فانها ضئيلة، مع حقيقة ان القسم الاعظم من ميزانية الحكومة الفلسطينية يذهب للاجهزة الامنية المتعددة.
وقدم الدكتور إبراهيم ابراش، استقالته من منصب وزير الثقافة في حكومة الدكتور سلام فياض، التي يطلق عليها إعلاميا حكومة رام الله، لتمييزها عن حكومة حماس في غزة، في اوائل شهر شباط (فبراير) الماضي، وهي الوزارة التي قدم اليها بعد اشهر طويلة عجاف، نتيجة الحصار المالي الذي فرض على السلطة الفلسطينية، واستمر اكثر من عام ونصف، لم يتوفر خلالها في أحيان كثيرة حتى مصاريف يومية لمكاتب الوزارة الرئيسة أو في المحافظات التي تعج بالموظفين، وشلت عن العمل، والنشاط الثقافي.
واراد ابراش، وهو أكاديمي وكاتب مقالات قبل توليه منصبه، أن تحدث استقالته اكبر قدر من الاهتمام، فكتب مقالا شرح فيه أسباب الاستقالة، قدم فيه في البداية أسباب قبوله المنصب، خصوصا وأنه كما قال كان تحدث وكتب quot; كثيرا عن السلطة ومساوئها وعن الخلل في الأداء السياسي بل عن جدوى وجود سلطة وحكومة في ظل الاحتلالquot;.
واعترف بان قبوله المنصب الوزاري بدا quot;وكأنه يحمل في طياته حالة من التناقض بين القول والممارسة، بين الموقف والموقع. وبالفعل تعرضت لانتقادات وعتب من كثير من الأصدقاء من فلسطين ومن خارجها لقبولي المنصب، وتفهمت موقف أصدقاء وتفهم بعضهم موقفي، ولو كانت الظروف غير الظروف لاعتذرت عن قبول العرض لأني كنت منسجما وراضيا عن نفسي وعملي الفكري والأكاديميquot;.
وعلل ابراش قبوله المنصب، بسبب لا يمكن إدراجه بأنه ثقافي، على الأقل بشكل مباشر، وانما لما أسماه قلقه على quot;المصير الذي آل إليه المشروع الوطني، مشروع الاستقلال والدولة، المشروع الوطني الذي لم ننجز منه شيئا، بل أصيب بمقتل في أكثر من جانب من جوانبهquot;. ولكن ابراش، اكتشف بعد أشهر في وجوده في المنصب، لم يكف خلالها عن الدفاع عن السلطة وسياسة وزارته، التي لم ير المثقفون منها شيئا على ارض الواقع، قرر الاستقالة، وأيضا لسبب بدا غير ثقافي، مثل السبب الذي دعاه لقبول المنصب.
واعلن ابراش، أنه يستقيل، احتجاجا على ما وصفه بعبثية المفاوضات، التي تتمسك بها حكومة رام الله وعبثية المقاومة التي تتمسك بها حكومة غزة وقال حرفيا ان استقالته هي بمثابة quot;صرخة احتجاج على الوضع العام وعلى العبثية التي تحكم نهج من يقولون بالمقاومة ولكن يمارسونها بعيدا من شروط ومتطلبات المقاومة الوطنية الحقيقية، وعبثية المفاوضات في ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة، وفي كلا الحالتين هي عبثية مدمرة للمشروع الوطنيquot;.
ولم تعلق الحكومة الفلسطينية على استقالة ابراش، وكأنه ووزارته فائضان عن حاجة الشعب الفلسطيني، على الأقل في مثل الظروف الراهنة، ولم تبد المعارضة التي لا تفوت أي فرصة لانتقاد الحكومة ورئيسها ورئيس السلطة، أيضا أي اهتمام باستقالة ابراش، ولم تبد في السابق أصلا أي اهتمام بوزارة الثقافة أو سياستها.
وتوارى ابراش عن الأنظار بسرعة، كما ظهر، وتحركت الحكومة الفلسطينية، ببطء، وبعد اكثر من شهر ونصف على تقديمه استقالته، لكي تُعهد إلى عضو الحكومة الدكتورة خلود دعيبس، التي تئن بثقل المهام الوزارية، لتتسلم وزارة الثقافة من ابراش، ولتحمل تحت إبطيها ثلاث حقائب وزارية هي: السياحة والآثار، وشؤون المرأة، وأخيرا الثقافة، بالاضافة الى اضطلاعها بمهام سياسية ومهام اخرى. وما يجري في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، في ما يخص وزارتي الثقافة فيهما، يشير إلى ان ما يجمع الطرفين المتقاتلين سياسيا ويتخذ ذلك أشكالا دموية، هو أن الثقافة الرسمية فيهما تعيش في أزمة مستفحلة.
التعليقات