بعد 7 أشهر من إطلاقها
الزّيتونة...إذاعة الإسلام التّونسي المعتدل

إسماعيل دبارة من تونس: توشك إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم التي أطلقت في تونس في 13 من سبتمبر 2007 على إتمام شهرها السابع كمولود إعلامي ديني جديد و لأول مرّة ملكا للقطاع الخاص. فانطلاقة إذاعة الزيتونة المتخصّصة في تجويد القرآن الكريم والبرامج الدينية والتي أذن الرئيس التونسي بن علي في غرة رمضان الماضي بإحداثها موكلا المهمة الى صهره الشاب ورجل الأعمال المعروف quot; محمد صخر الماطري quot; حملت عددا من المصطلحات الجديدة والسجالات العميقة بخصوص التوقيت والمرمى من إنشائها ومدى تقبلها في صفوف العامة والخاصة. وتزامن إطلاق بث أولى الإذاعات الدينية في تونس مع جدل واسع بين النخب حول قرب الإعلان عن حزب ديني ارتأى البعض تسميته وقتئذ بـquot; حزب الزيتونة quot;، الذي سيسحب البساط من تحت حركة النهضة الإسلامية المحظورة التي لطالما طالبت بتأشيرة قانونية تجيز لها العمل في العلن. والإذاعة الوليدة ووفق الجهات الرسمية حملت أجندة واضحة وصريحة لما أُطلقت قبل قرابة السبعة أشهر وهي quot; نشر القيم السمحة والتحابب بين البشر بالإضافة إلى العناية المتواصلة بالدين الإسلامي الحنيف وإحياء شعائره والتشجيع على إشاعة الفكر النير والمستنير ونشر قيم الإسلام الصحيحة وفي مقدمتها التسامح والتكافل والاعتدال. وهي القيم التي يراد لها أن تجابه قيم التطرف والإرهاب والتعصب التي بدأت في الوفود إلى الشباب التونسي ndash;الذي لطالما عرف باعتداله وتسامحه-عبر سيل جارف من القنوات الدينية ومواقع الانترنت الأصولية.

الإسلاميون رحبوا والعلمانيون تضايقوا

حركة النهضة الإسلامية لم تفوت الفرصة وقتها، وأرسلت برقية تهنئة للرئيس بن علي وصهره الشاب بمناسبة انطلاق بث الإذاعة الدينية في خطوة اعتبرها البعض مغازلة من الحركة للنظام الحاكم في تونس ومحاولة لكسر حاجز الجليد الذي يفصل بين الطرفين- العدوّين منذ تسعينات القرن الماضي .

أما النخب العلمانية فقد استقبلت خبر إذاعة دينية في تونس اللائكية بتضايق كبير ترجمه البعض بالقول إن quot;تونس ليست في حاجة البتة الى إذاعة متخصصة في ترتيل القران وتبيان أحكام تجويده بل هي في حاجة الى تحرير المشهد السمعي والسمعي- البصري عبر الترخيص للإذاعات والقنوات التي تنتظر التراخيص القانونية.

ويبدو أن الجدل الذي أثير في الأشهر الثلاثة الأولى لانطلاق الإذاعة قد بدأ في الخفوت اليوم خصوصا و أن آخر الإحصائيات تشير الى انخفاض لعدد مستمعي الإذاعة التي تقتصر في برمجتها اليومية على تلاوة القرآن الكريم بنسبة 80 بالمئة بأصوات تونسية شابة بالإضافة إلى بعض القصص الدينية و برامج الوعظ . وكان معهد quot;سيغماquot; للإحصاء قد ذكر في تقرير سابق له أن نسبة الاستماع تصل في محافظات quot;تونس الكبرىquot; أي كل من تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة إلى 13 %.

أما في محافظة صفاقس الجنوبية فنسبة المستمعين تصل الى أكثر من 19 % وهي نسب مرتفعة على اعتبار أن الزيتونة هي إذاعة متخصّصة . الباحث في علم الاجتماع السيد محسن المزليني يقول لإيلاف إن جدّة الفكرة وطرافتها (إذاعة دينية في تونس العلمانية ) دفعت بالكثيرين من مختلف الشرائح العمرية في المجتمع إلى اكتشاف هذه المحطة الوليدة. ويضيف:في الدكاكين الشعبية و بعض وسائل النقل الخاصة كالتاكسي واللواج والبيوت تهافت المواطنون لمتابعة إذاعة الزيتونة ، وهو أمر طبيعي كون الإذاعة تضرب على وتر الهوية / الدين الذي لا يمكن للمجتمعات أن تنسلخ عنه مهما حاولت الحكومات ادعاء العكس .

نموذج quot;إسلام تونسيquot;

quot;نشر الفكر المعتدل والحث على التسامح ومقاومة التطرف وقطع الطريق أمام الفكر الأصولي الذي بدأ في التسرب الى الشباب التونسي quot; ذلك بعض مما كتبته الصحافة التونسية حول الإذاعة و أهدافها بعيدة المدى، ما جعل من مصطلح quot;الإسلام التونسي quot; متداولا بشدة في عدد من الأدبيات ، ويفسر الباحث في علم الاجتماع السيد quot;المزلينيquot; هذا المصطلح بالقول:الإذاعة طرحت منذ انطلاقها عددا من الإشكالات بخصوص مضمونها الذي يتحدد بما اصطلح على تسميته هنا بالإسلام التونسي القائم على الاعتدال والتسامح والفكر النير والمستنير الذي يرفض التطرف والتعصب عكس الخطاب الديني السائد في عدد من الدول العربية وبالتحديد في الخليج العربي ، ومن ناحية أخرى ما يعطي للإذاعة صبغة تونسية هو اللهجة quot;الدارجة quot; أو العامية التونسية التي يستعملها الأئمة المتحدثون في برامجها المختلفة، و يمكن القول هنا إن استعمال العامية في البرامج الدينية شكل أولى الضربات التي وُجهت الى الإذاعة الجديدة كون ذهنية العربي تربط دوما بين الفصحى والديني.

من جهته يرفض الأخصائي في حقل الإعلام التونسي السيد خميس الخياطي مقولة quot;الإسلام التونسيquot; أوquot; تونسةquot; الدين الإسلامي بهدف إعطاء الأولوية لتحكيم العقل . واعتبر الخياطي في حديثه لإيلاف أن quot;ربط الدين بالعقلانية هو من قبيل الوهم لأن الدين مناف تماما للعقل ومن يرغب في مكافحة التطرف والإرهاب فعليه ألا يواجه تطرفا بآخر، وهو ما يحيل على سياسة إعلامية ضبابية وغير واضحة المعالم تنتهجها الحكومة التونسية منذ مدة .quot;

و يعتبر الخياطي أن محاولة إطلاق هذه الإذاعة كان قرارا خاطئا quot;لأن تونس فتحت على نفسها ndash;عبر هذا الإجراء- أبوابا يصعب إغلاقها بما أن الدولة التونسية هي الراعية للعقيدة quot;.ويتساءل :هل ستقبل الحكومة يا ترى بالترخيص لإذاعة دينية أخرى غير إسلامية أو إسلامية شيعية ؟ التعدي على الدين وقع هذه المرة من قبل الدولة في حد ذاتها لان إذاعة الزيتونة موجهة بالأساس الى المؤمن وليس الى المواطن وفي الأمر إساءة كبيرة واضحة لمفهوم المواطنة.quot;

بيد الخواص ...لا الدولة

ويثير موضوع إشراف الخواص على أول إذاعة دينية في تونس تساؤلات عدة ، فقد جرت العادة على أن إنشاء الإذاعات يكون ضمن منظومة تابعة للقطاع العام (مثل ماهو الحال بالنسبة الى الإذاعات الجهوية/الدولية/الشباب/ الثقافية/ الوطنية).أما أن يُعهد للقطاع الخاص ndash; مهما كانت قرابته في مركز الدولة - بالسهر على إذاعة quot;الدين الرسمي quot;فيبدو أمرا غريبا لا يستساغ فهمه.

ويحاول السيد محسن المزليني تفسير هذا التناقض الحاصل بالقول إن quot;السلطة اعتمدت على استراتيجية أخذ المغنم وعدم تحمل المغرم ،وأن تكون إذاعة الزيتونة ملكا للخواص فذلك يعني أن الدولة ستحافظ على ما تزهو به دوما من حكم علماني و هو ما لا يجعل المواجهة أمرا مباشرا مع العلمانيين أو مع من يحاول فرض الديمقراطية والعلمانية من الخارج ، أما السماح بإنشائها فتلك رسالة واضحة لمن يزايد على الحكم في الشأن الديني ويتهمه بالانسلاخ عن ثوابت الهوية والدين.

أما خميس الخياطي مؤلف كتاب quot;تسريب الرمل: الخطاب السلفي في الفضائيات العربيةquot; فيعتبر أن الشخصية المالكة للمحطة شخصية معروفة و تمثل بنظره تيار quot;الإسلام الرسمي في تونسquot; وبالتالي علاقته بالمرجعية السياسية علاقة عضوية، والمحطة هي تجسيد لهذه العضوية وكل ذلك يصب في وادي استعمال الإسلام لأغراض غير إيمانية من قبل الدولة مما يخلّف مزجا بين الدين والسياسة.

و يضيف:quot;كان من المفروض أن تتحرك النخب العلمانية للتصدي لمثل هكذا توظيف إلا أنها تبدو مكبلة ومقصيّة بشكل مطلق من الشأن العام وإلا ما الذي يعنيه رفض الترخيص لجمعية ثقافية تدافع عن اللائكية في تونس مقابل الترخيص لإذاعة الزيتونة التي لم تضف شيئا إلى المشهدين الثقافي والإعلامي في تونس .