أسامة مهدي من لندن: في وقت كشفت عائلة رئيس اساقفة الموصل المطران بولص فرج رحو الذي عثر على جثته في الموصل قتيلا بعد أيام من اختطافه عن وصيته التي جاءت معبرة عن حب المسحيين لبلدهم حيث دعاهم الى المحافظة عليه وتمتين اواصر المحبة والاخوة مع بقية العراقيين أبلغ احد أقاربه quot;ايلافquot; انه طلب من عائلته في مكالمة هاتفية رتبها خاطفوه رفض المساومة على حياته معهم ودعاهم الى عدم تلبية طلبهم بدفع فدية تحريره البالغة مليوني دولار .
فتح وصية المطران في اربعينيته
فقد أعلنت عائلة المطران رحو (65 عاما) وهي تحتفل بأربعينيته عن فتح وصيته التي تركها لأهله وأصدقائه وأتباعه يدعو فيها العراقيين الى الدفاع عن بلدهم وتمتين اواصر الاخاء والمحبة فيما بينهم كما يؤكد على حبه للعراق . ويقول المطران في وصيته وكأنه كان يتوقع هذه النهاية الماساوية لحياته في ظروف العنف والاضطراب التي يعيشها العراق برغم انه كتبها بتاريخ 15 آب (أغسطس) عام 2003 عيد السيدة العذراء quot;أن الحياة هي الإستسلام الكلي بين يدي الله والموت الطبيعي هو العبور إلى استسلام دائم وأبديquot; . وتشير الوصية الى مدى الحب الذي كان يعتمر في قلب المطران للعراق حيث يطلب من quot;ابنائه العراقيينquot; والمسيحيين بشكل خاص التمسك بالعراق لأنه بلد الأجداد ويطالبهم بالحفاظ عليه .
ولدى الكشف عن نص الوصية التي نشرها موقع quot;نينوىquot; على شبكة الانترنيت اليوم والذي يحمل اسم المحافظة العراقية الشمالية وعاصمتها الموصل (375 كم شمال بغداد) قال الدكتور غازي رحو احد افراد عائلة المطران الفقيد quot;لكي يطلع كل الشرفاء في العراق والأمة من رجال دين ومؤمنين .. ولكي يطلع أبناء العراق بكل أطيافهم ومنابتهم وقومياتهم واثنياتهم وطوائفهم كيف سطر شهيد العراق بكل أطيافه وصيته التي أكدت على حب العراق والعراقيين وتسامى على كل الجراح ودعى إلى حب العراق ورعاية شعبه ولم يفرق بين دين ودين وبين طائفة وأخرى وإنما دعا للعراق ولشعبهquot; . وقال ان الوصية هي quot;عنوان وطريق لكل من يحب شعبهquot; .
وفي وصيته يقول المطران رحو quot;أطلب من الجميع أن يكونوا منفتحين لإخوتنا المسلمين واللأيزيدية وكل أبناء هذا الوطن الحبيب ويعملوا على بناء أواصر المحبة والأخوة بين أبناء بلدنا الحبيب العراقquot; . ويضيف quot;أذكر الشعب الذي خدمته والأصدقاء الذين أحببتهم وأهلي جميعا .. أذكر رؤساء الكنيسة والآباء الكهنة ومنهم كهنة يسوع الملك الذي أنا واحد منهم والرهبان والراهبات وكل الذين أحبوني والذين لم يحبوني .. أذكر الضعفاء في جماعة المحبة والفرح .. الذين أنحني أمامهم وأمام الكادر الذي يضحي فهؤلاء هم الذين علموني معنى الحب .. أذكر جميع الشباب والشابات الذين هم غد الكنيسة وأطلب منهم جميعا أن يحملوا شعلة الإيمان في بلدنا العزيزquot; ..

المطران طلب من عائلته عدم دفع فديته الى خاطفيه
وأبلغ احد افراد عائلة المطران quot;ايلافquot; ان الخاطفين قد سمحوا له بعد اختطافه التحدث هاتفيا الى عائلته والطلب منهم دفع فدية حياته البالغة مليوني دولار .. لكنه وعلى العكس من ذلك اكد عليهم عدم دفع الفدية لان الخاطفين سيقتلونه بها او بدونها . وأشار الى ان العائلة قد تأكدت اثر هذه المكالمة الهاتفية ان المطران لن ينجو من قتل الخاطفين له .
وقد عثرت اجهزة الامن العراقية في الثالث عشر من الشهر الماضي على جثة رئيس اساقفة الموصل الكلدان المطران بولص فرج رحو ملقاة في حي الانتصار بضواحي الموصل الشمالية بعد اسبوعين من اختطافه على يد مسلحين مجهولين اعترضوا سيارته في التاسع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي عند مغادرته كنيسة في حي النور بالموصل وفتحوا النار علىها فقتلوا سائقه ومرافقين كانا بمعيته واجبروا المطران على الترجل ثم اقتادوه الى جهة مجهولة.
وقد ولد بولص رحو في 20 كانون الأول (ديسمبر) عام 1942 لوالديه اسطيفان رحو ووالدته مادلين سموعي يعقوب السقا وقد كان الأصغر بين أشقاءه الأربعة و شقيقاته الثلاث. وأتم دراسته الإبتدائية في مدرسة شمعون الصفا في مدينة الموصل ومن بعدها المرحلة الثانوية في المعهد الكهنوتي التابع لكنيسته (إكليريكية شمعون الصفا الكهنوتية البطريركية) وذلك بين عامي 1954 و 1960 وأيضاً في العاصمة بغداد بين عامي 1960 و 1965 ومن ثم انشغل في دراسة الفلسفة واللاهوت . وأكمل دراسته في روما بين عامي 1974 و 1976 حيث نال من كلية القديس توما الإكويني للآباء الدومينيكان ليسانس في علم اللاهوت الرعوي. وفي 10 كانون الثاني (يناير) عام 1965 سمي كاهناً (قسيساً) في بغداد وفي 16 شباط (فبراير) عام 2001 رُفِّع إلى منصب أسقف في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وتولى مهام رعاية أبرشية الموصل.
يذكر أن مدينة الموصل تشهد منذ نيسان (ابريل) عام 2003 اثر سقوط النظام السابق اغتيالات ومضايقات ضد المسيحيين راح ضحيتها عدد من القساوسة والمدنيين ما اضطر العديد من العائلات المسيحية إلى ترك المدينة إلى محافظتي أربيل ودهوك الشماليتين أو إلى خارج العراق خوفا على حياتها. وتوجد في العراق أربع طوائف مسيحية رئيسة وهي الكلدانية من أتباع كنيسة المشرق المتحولين إلى الكثلكة والسريانية الأرذثوكسية والسريانية الكاثوليكية والآشورية أتباع الكنيسة الشرقية إضافة إلى أعداد قليلة من أتباع كنائس الأرمن والأقباط والبروتستانت.
ويوم امس اكد القس استاوري هاري تونيان راعي الكنيسة الانجيلية الوطنية المسيحية في بغداد ان اغلب ابناء الطائفة المسيحية في العراق لا ترغب بالهجرة وترك بلدها رغم تلقيها لدعوات من دول اوروبية واميركية ومن جمعيات دينية ومنظمات دولية .
وشدد في تصريحات صحافية على ان المسيحيين جزء من الشعب العراقي الذي يعاني بكل اطيافه من العمليات الارهابية وعمليات الاختطاف ويقدم يوميا عدداً من ابنائه ضحايا من اجل تحقيق الحرية والعدالة والرفاه. واشار راعي الكنيسة الى ان العبوة او قذيفة الهاون لاتفرق بين مسيحي ومسلم او صابئي فهي تستهدف جميع العراقيين . وقال quot;كما قدم اخواننا ابناء الطوائف الاخرى ضحايا جراء العمليات الارهابية قدم المسيحيون ضحايا ايضاquot;. واضاف نحن عراقيون يربطنا تاريخ مشترك في هذه الارض ومن الصعب ترك بلادنا التي تربى فيها اجدادنا لظرف استثنائي سيزول بفضل تلاحم جميع الاطياف العراقية.
واوضح ان المسيحيين يشاركون اخوانهم في بناء العراق فمنهم الاطباء والمهندسون والضباط ومتطوعون في القوات الامنية الى جانب ان اصحاب المعامل والشركات التجارية لازالوا يمارسون اعمالهم ويتشاركون في المحنة وحب الوطن وتوفير مستقبل افضل للجميع. واشار الى ان الكنيسة ورجال الدين المسيحيين لا يمنعون اي مواطن من الهجرة باعتبار ان ذلك يدخل ضمن الحرية الشخصية فكما هاجر كثير من ابناء العراق من الاطياف الاخرى قد يهاجر المسيحيون ايضا وهذا الامر متروك لتقديرات شخصية.
وخلال زيارته الحالية الى الولايات المتحدة اعرب البابا بنديكتوس السادس عشر في بيان مشترك مع الرئيس الاميركي جورج بوش عن قلقهما حول مصير مسيحيي العراق واكدا دعمها لسيادة لبنان واستقلاله. وفي بيان مشترك اصدره البيت الابيض مساء الاربعاء اكد بوش والبابا quot;قلقهما المشترك من الوضع في العراق ولا سيما وضع المسيحيين الهش في هذا البلد وفي مناطق اخرى في المنطقةquot;.
نصف مسيحيي العراق هربوا الى خارجه
وتشير المعلومات الى ان حوالي نصف عدد المسيحيين العراقيين البالغ عددهم مليون و200 الف نسمة قد هربوا إلى الخارج بسبب أحداث العنف حيث تعرض قسم منهم لعمليات إجرامية كالخطف والتعذيب والقتل .
وتكررت عمليات اختطاف واغتيال رجال الدين المسيحي كما حدث عام 2005 عندما وقع بولص اسكندر أحد قساوسة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بيد جماعة مسلحة في أحد شوارع الموصل وطالب الخاطفين حينها بفدية دفعتها لهم أسرة القس إلا أن جثة الأخير وجدت بعد فترة ملقاة في شارع مقطوعة الرأس والأطراف. وفي مطلع عام 2005 خطف باسيل جورج القس موسى مطران كنيسة السريان الكاثوليك في العراق وأخلي سبيله فيما بعد. وفي كانون الأول (ديسبمر) عام 2006 اختطف في بغداد سامي الريس الكاهن في الكنيسة الكلدانية وأطلق أيضاً . وبعد أيام من اختطاف الأخير أعلن عن مقتل القسيس البروتستانتي منذر الدير البالغ من العمر 69 عاماً. وفي الثالث من حزيران (يونيو) عام 2007 تعرض قسيس كلداني يدعى رغيد كني لإطلاق نار من مجهولين قتل على إثره مع ثلاثة من الشمامسة بعد خروجهم من الكنيسة في مدينة الموصل.
وتعود اسباب استهداف رجال الدين المسيحيين الى عوامل عديدة منها : الدافع الديني للمتطرفين الذين يريدون إخلاء العراق من العناصر غير المسلمة .. ثم الدافع المالي الذي تعمل بناءً عليه عصابات إجرامية باستخدام الدين كذريعة لها في اختطاف رجال الدين وطلب فديات كبيرة لإطلاق سراحهم مستغلين الوضع المالي الجيد الذي تتمتع به الطائفة المسيحية العراقية .. اضافة الى أن المسيحيين لا يحظون كنظراءهم العراقيين من السنة والشيعة والأكراد بعلاقات عشائرية واسعة أو مليشيات مسلحة توفر لهم الحماية والأمن .
كما لم تسلم الكنائس العراقية التابعة لمختلف الطوائف هي الأخرى من الهجمات الإرهابية والتفجيرات بين الحين والآخر.
وكان المطران رحو نفسه قد تعرض لمحاولة خطف أخرى عام 2005 ولكن خاطفيه أطلقوا سراحه حينها دون أن يتعرض للأذى. وسبق له ان قال في مقابلة صحافية في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي 2007 بأن وضع المسيحيين في العراق يزداد صعوبة خصوصاً في منطقة الموصل .. مشيرا الى أن مسيحيي المنطقة هم عرضة لتهديدات مستمرة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة . وأكد أن بقاء العراق ضعيفاً ومقسماً لا يخدم إلا أجندة بعض الدول الكبرى. وأوضح رحو إلى أن المعاناة الحالية التي يعيشها العراقيين تشملهم جميعاً على اختلاف أطيافهم إلا أنها أكثر قساوة على المسيحيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين خيارات محددة فإما : الهجرة، اعتناق الإسلام، دفع الجزية أو الموت. وأضاف بأن ثلث المسيحيين غادروا الموصل بسبب الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين ذريعة لجمع المال.