نضال وتد من تل أبيب : في الوقت الذي تتواصل فيه جهود جهات إسرائيلية للإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي الأشهر، جونثان بولارد، الذي اعتقل في العام 1985 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، أعلنت الولايات المتحدة أمس عن اعتقال جاسوس آخر، من أصل أمريكي يعمل لصالح إسرائيل هو بن عامي كديشا، يشتبه به التجسس لصالح إسرائيل، حيث قام بنقل معلومات عسكرية سرية لإسرائيل خلال سنوات الثمانين.

وقال بيان لوزارة العدل الأمريكية إن المعلومات المذكورة تتعلق بأسلحة الدمار الشامل، والمقاتلات الحربية وأجهزة وبطاريات الصواريخ.

في المقابل وفي أول رد رسمي إسرائيلي أعلن ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، quot;أنه لا علم له بالحادث وأن القضية قيد البحثquot; .

ووفقا لما أوردته صحيفة هآرتس صباح اليوم، فإن بن عامي كديش، ولد في كونتيكت، وعمل مهندسا في مصنع عسكري في نيو جيرزي. ووفقا للاتهامات الأمريكية فإن بن كديش نشط خلال سنوات الثمانين، وهي الفترة التي نشط فيها الجاسوس الإسرائيلي الأشهر، جونثان بولارد . ووفقا لمستندات وزارة العدل الأمريكية فإن كديش نشط بين الأعوام 1979-1985، واستمرت اتصالاته مع مشغله الإسرائيلي حتى آذار من العام 1985، ووفقا للمصادر الأمريكية فإن كديش على ما يبدوا لم يعمل بدافع ربح المال وأن دوافعه كانت، وفقا لما اعترف به خلال التحقيقات الأولية، هي مساعدة إسرائيل.

ووفقا للائحة الاتهام فإن كديش ليس متهما فقط بارتكاب جرائم ضد أمن الدولة والتجسس، بل أيضا بتهم تتعلق بإخفاء المعلومات وطمس الأدلة والكذب على وكلاء المباحثات الفدرالية الأمريكية.

ويستدل من وثائق الملف الأمريكية، إن إسرائيل اعترفت خلال العام 2004 وبصورة سرية أمام جهات أمريكية أن بولارد لم يكن الجاسوس الوحيد الذي عمل لصالح إسرائيل. وبعد الاعتراف الإسرائيلي قام كديش بتقديم اعترافه أمام محققي المباحث الأمريكية، ثم اتصل بمشغله الإسرائيلي، يوسيف ياغور، الذي أوعز إليه بالكذب والقول إنه لا يذكر كثيرا عن هذه الفترة، ثم قام في وقت لاحق بزيارة لإسرائيل حيث التقى بجهات رسمية إسرائيلية قامت بتزويده بتعليمات حول كيفية التصرف في الملف وأمام الجهات الأمريكية. ويأتي الكشف عن هذه الفضيحة الجديدة على الرغم من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحاق شامير، كان قدم تعهدا خطيا للحكومة الأمريكية، بألا تقوم إسرائيل بالتجسس داخل الولايات المتحدة.

بولارد الجاسوس الأشهر

يعتبر جونثان بولارد أشهر جاسوس إسرائيلي عمل في الولايات المتحدة، وكان القبض عليه قد شكل صدمة كبيرة للجاليات اليهودية في الولايات المتحدة، التي خشيت من أن يؤثر القبض عليه النظرة الأمريكية لولاء اليهود الأمريكيين للولايات المتحدة، ولاسيما وأن كثير من المسؤولين الأمريكيين الذي يتولون مناصب حساسة ورفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية هم من أصول أمريكية.

وكان بولارد أعتقل على أبواب السفارة الإسرائيلية في واشنطن عام 1985، بعد رفض حراس السافرة الإسرائيلية السماح له لدخول السفارة. وتبين خلال التحقيقات أن بولارد كان يعمل في مركز مكافحة الإرهاب التابع للأسطول الأمريكي، وكانت تم تجنيده على يد وحدة سرية تابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، تحت اسم مكتب التبادل العلمي، وكُشف عن وجود الوحدة بعد اعتقال بولارد، وكان على رأس الوحدة الوزير الإسرائيلي رافي إيتان.

وتبين أن هذه الوحدة السرية اعتادت تعيين قناصل للشؤون العلمية في سفارات إسرائيل في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كانوا في واقع الحال بمثابة quot;وكلاء للحصول على معلومات وتكنولوجيا ومعدات كانت ضرورية للمفاعل الذري في ديمونة وللصناعات العسكرية الإسرائيلية.

وبعد اعتقاله اعترف بولارد أنه قام وعلى مدار سنوات بنقل آلاف الوثائق السرية، التي كان يحصل عليها مستغلا حريته في الوصول ليس فقط إلى وثائق الأسطول الأمريكي وإنما أيضا لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، بما فيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. أي.إيه)، وزارة الدفاع وغيرها. وقد اعتاد بولارد على أخذ الوثائق إلى البيت ثم يرسلها لشقة سرية وكان وكلاء الموساد يقومون بتصوير هذه الوثائق وإعادتها لبولارد الذي أعادها لمكانها.

إسرائيل غير قلقة من إسقاطات محتملة للقضية

مع الإعلان عن اعتقال الجاسوس الإسرائيلي، كاديشا، حاولت إسرائيل التنكر كليا للقضية، وأعلن ديوان أولمرت أنه لا علم له بالقضية، كم أعلن الناطق بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية أن وزارة الخارجية لا تعرف شيئا عن القضية.

وقال عضو لجنة الأجهزة السرية، المنبثقة عن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، يوفال شطاينتس للإذاعة الإسرائيلية، إن الحديث لا يدور أصلا عن قضية تجسس وإنما عن جمع معلومات، مشيرا في الوقت ذاته إلى تقديره بأن هذه القضية، وبفعل تقادم الزمن عليها،وقد وقعت قبل ثلاثة عقود، لن تؤثر سلبا على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، لا سيما وأن رؤساء حكومات إسرائيل ومنذ كتاب التعهد للإدارة الأمريكية في العام 85 يشددون على تأكيد التعليمات التي تحظر القيام بأي نشاط تجسسي في الولايات المتحدة.

وأعرب شطانتس عن اعتقاده بأن هذه القضية لا تتعدى كونها زوبعة في فنجان وستزول خلال عدة أسابيع ولن يبقى لها أثر، معتبرا أن الضرر سيكون موضعيا وقليلا، ولن يطال التعاون الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وأشار شطاينتس، الذي يرأس أيضا اللجنة المشتركة للسينات الأمريكي والكنيست في مجالات الأمن، إلى أن هذه اللجنة هي التي تتولى عمليا تنسيق التعاون بين البلدين، وهي تهتم أساس في القضايا الأمنية الكبرى التي تهم البلدين مثل الملف الإيراني ومشروع الذرة الإيراني.

وقال شطاينتس في هذا السياق إن هذه اللجنة التي تأسست عام 2003 ويرأسها عن الجانب الأمريكي جون كايل، تلتئم مرتين في العام، مرة في واشنطن والأخرى في تل أبيب، حيث يتم تبادل وجهات النظر بين البلدين، كاشفا النقاب عن أن عددا من القوانين الأمريكية التي أقرت في مجلسي السينات والشيوخ، وفي مقدمتها قانون الذرة الإيراني، الذي مكن فرض العقوبات الاقتصادية الأولى على إيران، عام 2006 تمت بلورتها في المداولات المشتركة بييننا وبين أعضاء الكونغرس والسينات.

من جهته قال الوزير الإسرائيلي السابق، ميخا حريش، الذي كان ترأس اللجنة التي فحصت مسألة التجسس الإسرائيلي في الولايات المتحدة، إن اللجنة الخاصة عندما درست قضية بولارد انطلقت من فرضية عدم وجود جاسوس إسرائيلي آخر يعمل في الولايات المتحدة، خصوصا وأن التنسيق الأمني الإسرائيلي الأمريكي قد قطع شوطا طويلا منذ تلك الفترة.