نيويورك: يلقى المركز الثقافي الإسلامي أكبر مسجد بنيويورك والواقع بشارع إيست 96 في مانهاتن إستحسانا من جالية غير متوقعة بالمدينة ألا وهي الجالية اليهودية ذات النفوذ. الحاخامون الذين تحدثوا هناك وصفوا المركز بأنه مجتمع مفتوح يرحب بالقادمين. وتعتزم المدرسة اللاهوتية اليهودية والمركز الثقافي الاسلامي انشاء مطعم مشترك يقدم الطعام المجاني للمشردين. وينظم المسجد برنامجا للدراسات في علم الاديان المقارن لمن هم دون العشرين من العمر.

ويعزى القدر الاعظم من الفضل في هذا الجو المنفتح الى محمد شمسي علي امام المسجد وهو اندونيسي المولد ووصل هنا قبل 12 عاما فقط ووصفته مجلة نيويورك بأنه اكثر الشخصيات المسلمة تأثيرا في المدينة. وقال الحاخام بيرتون فيسوتزكي الذي تحدث في المركز في ابريل نيسان الى جانب علي quot;عادة ما يتساءل الغربيون عما يقوله (المسلمون) في خطبهم بالمساجد واليهود على وجه الخصوص يساورهم القلق بهذا الشأن.quot; وأضاف فيسوتزكي استاذ المدراش (التفسير اليهودي التقليدي للتوراة) ودراسات الاديان المقارنة في الجانب الاخر من المدينة بالمدرسة اللاهوتية اليهودية quot;من أجمل ما يكون ما سمعت شمسي علي يقدمه في خطبة رائعة عن الاخوة.quot;

وقال الحاخام مارك شنير الذي تحدث في المركز الثقافي الاسلامي العام الماضي ودعا علي للحديث امام المصلين في معبده اليهودي في وسط المدينة الشهر الماضي quot;كان مؤثرا حيث تحدث للجمع... عن كيف أن التفجيرات الانتحارية تفسير خاطيء للقران وللاسلام.quot;

وجسدت صحيفة (ذا جويش ويك) التي تصدرها الجالية اليهودية علي بأنه quot;زعيم ساحر وعطوف... يستطيع أن يفتن مستمعيه بخطب في انجليزية طلقة ورشيقة.quot; ويرجع الامام (41 عاما) نجاحه في مد الجسور بين الاديان الى التنوع العرقي والديني لمدينة نيويورك وللحرية التي يتمتع بها المسلمون في الولايات المتحدة بالرغم مما يسميها quot;بعض الاضطرابات بسبب الامنquot; بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 .

وأضاف علي قائلا لرويترز في المسجد الذي مولته الكويت ودول اسلامية أخرى وافتتح عام 1991 quot;احدى نعم العيش في نيويورك أننا نستطيع أن نفعل هذا بسهولة شديدة.quot; واستطرد قائلا quot;هنا في امريكا نشعر بارتياح في ممارستنا لشعائر ديننا.quot; ويبدأ التعاون في المسجد نفسه حيث يؤدي السنة والشيعة الصلاة جنبا الى جنب في حشد من المسلمين من نحو 70 دولة مختلفة بما فيهم مسلمون امريكيون من أصول افريقية.

ولد علي في ماكاسار بجزيرة سولاويزي في اندونيسيا اكبر دولة اسلامية من حيث عدد السكان. بعد أن درس في مدرسة دينية هناك التحق بالجامعة الاسلامية الدولية في العاصمة الباكستانية اسلام اباد ثم قام بالتدريس في المملكة العربية السعودية. بعد أن وصل الى نيويورك عام 1996 ليكون اماما لمسجد اندونيسي في حي كوينز سرعان ما بدأ يعطي محاضرات عن الاسلام في قسم شرطة نيويورك. هذه الصلة قادت شرطة نيويورك الى أن تطلب منه أداء صلاة الجنازة في حفل تأبين أقيم في ستاد فريق اليانكيز بعد أسبوعين من هجمات 11 سبتمبر.

برز نشاط علي في المبادرات الاكبر لمد الجسور بين الديانات المختلفة مثل الحوار الوطني للمسلمين والكاثوليك والائمة ومؤتمرات الحاخامين في الولايات المتحدة وخارجها. ويعترف علي بأن كونه اندونيسيا وليس عربيا يفيد في العلاقات مع اليهود بسبب الصراع في الشرق الاوسط. لكنه يقول ان الاهم هو أنه يفصل بين السياسة والدين. ويدعم الامام فكرة اقامة دولة فلسطينية لكنه يضيف quot;من غير المقبول بالنسبة لي القول بانه لا وجود لاسرائيل. كيف يمكن القول بأنه يجب أن تكون هناك دولة واحدة.quot;

هذا موقف مغاير تماما لموقف الامام السابق للمركز الثقافي الاٍسلامي عمر ابو ناموس وهو فلسطيني أغضب اليهود في زيارته الاولى للتحدث في المعبد اليهودي بنيويورك الذي يعمل به شنير عام 2006.

ويتذكر شنير quot;كان حوارا وكان كل شيء على ما يرام الى أن تطرقنا الى الصراع في الشرق الاوسط... اقترح حل الدولة الواحدة ولم يكن حلا باقامة دولة يهودية فقامت الدنيا ولم تقعد.quot; ومنذ ذلك الحين اعتزل ابو ناموس. ويشغل علي رسميا منصب نائب امام المركز الثقافي الاسلامي. ويجتمع مجلس أمناء المسجد الذي يضم عدة سفراء بالامم المتحدة من دول اسلامية في سبتمبر ايلول لتحديد ما اذا كان سيتولى الرئاسة.

وكتبت صحيفة جويش ويك تقول ان هذا الاقتراع سيكون quot;اختبارا لقابلية الخط المعتدل الذي يتبعه شمسي علي للاستمرارية مع الجالية المسلمة.quot;ووجهت مجموعة من الاصوليين تسمى رابطة المفكرين الاسلاميين انتقادات صريحة لعلي وهاجمته بوصفه quot;بوقا لمكتب التحقيقات الاتحاديquot; وquot;العم سام المسلم المعتدلquot;. ويرفضهم علي باعتبارهم منعزلين quot;وبحاجة الى التثقيفquot;.

ويقرأ شنير انفتاح علي على العمل مع اليهود كعلامة على نزعة أوسع نطاقا في الاسلام مستشهدا بمبادرة لعلماء مسلمين لاجراء محادثات مع اليهود وتصريحات العاهل السعودي الملك عبد الله التي شجع فيها على الحوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود.

ومضى يقول quot;شمسي علي ليس اماما لابرز مسجد في امريكا فحسب... تمويل هذا المسجد يأتي من سعوديين وكويتيين... انه يعكس الى حد كبير اتجاها عاما جديدا في الاسلام. ليس تغيرا كبيرا لكن هناك تغيرات تجري نحو حوار بين الاديان.quot;

ولا يقتصر التقدم في الحوار على نيويورك. ويشير فيستوزكي الى أن الرابطة الاسلامية لاميركا الشمالية دعت الحاخام الاصلاحي ايريك يوفي زعيم اكبر طائفة يهودية في البلاد لالقاء كلمة امام مؤتمرها في شيكاجو في سبتمبر الماضي.

وفي الشهر الماضي جمع شنير ستة أئمة من بينهم علي وستة حاخامين من أنحاء البلاد لتصوير اعلان تلفزيوني تجاري يدين فيه الائمة معاداة السامية وينبذ فيه الحاخامون الاسلاموفوبيا او رهاب الاسلام.

وبعد ذلك بفترة قصيرة كان لبعض المسلمين تحفظات على الاجتماع بالبابا بنديكت السادس عشر خلال زيارته للولايات المتحدة. وكان البابا قد أثار غضب المسلمين في أنحاء العالم عام 2006 حين ألقى محاضرة وصف فيها الاسلام بأنه دين يحض على العنف.

وقال شنير quot;أجد من المفارقات المثيرة للسخرية أنه يوجد هنا في اميركا زعماء مسلمون يشعرون بارتياح في اقامة مشروع مع حاخامين اكثر من لقاء رئيس الكنيسة الكاثوليكية. لا تجد هذا في أي مكان اخر في العالم.quot;