محمد حميدة- إيلاف: قال معهد كارنيجي للسلام الدولي ان جهود ارساء الديمقراطية فى مصر وصلت الى الحضيض ان النظام المصرى تخلى عن خيار استخدام الاصلاحات السياسية لنزع فتيل التوترات الاجتماعية والاقتصادية وعاد الى العادات القديمة الاستبداديه. واستبعد كاتبو التقرير عمرو حمزاوى ومحمد حيرز الله ان تتدخل اميركا فى شئون مصر الداخلية على الاقل فى هذة المرحلة التاريحية التى تمر بها مصر والسشرق الاوسط ككل .

يقول المعهد ان مصر عانت من سلسلة اضرابات مدنيه في الأشهر الأخيرة لم يسبق لها مثيل ، فى 6 ابريل الماضى قامت عدد من المنظمات المصرية ، مع نقابات مستقلة و مهنيه وشبكات من الناشطين الشباب بتنظيم اضراب وطني للتعبير عن خيبة الامل ازاء تدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وقد جرت مئات من الاضرابات والاحتجاجات على مدى العامين الماضيين لكن لم يرتق واحدا منها الى مستوي اضراب ابريل. كان الطلب الرئيسي للعمال هو ربط اجورهم بمستويات اسعار السلع الاساسية. بعد ان وصلت الاسعار بحسب دليل اسعار المستهلك للبنك المركزى المصرى الى رقم قياسي ، فقد بلغت حوالى 12.1 % فى فبراير الماضى من 10.1 % في يناير. و هذه المشكلة ضاعفت من الاتهامات الموجهة الى النظام بسوء الادارة والفساد وبأنه لم يعالجها بشكل كاف.

واللافت كما يضيف المعهد ان النظام يبدو انه قد تخلى عن خيار استخدام الاصلاحات السياسية لنزع فتيل التوترات الاجتماعية والاقتصادية. وبدلا من ذلك حاول باستمرار احتواء الصراع الاجتماعي من خلال مجموعة من التدابير القمعيه شملت الاعتقالات التعسفيه ، والتدابير الاقتصادية التوفيقيه الثانويه مثل توسيع نطاق الرعايه الاجتماعية ورفع الاجور في القطاع العام. على عكس ما حدث في الفترة 2003-2005. فالانفتاحات السياسية فى تلك الفترة تلت صعوبات اقتصادية عانت منها البلاد نتيجة لقرار الحكومة بتعويم العملة الوطنية. ومن بين الاصلاحات السياسية التي دخلت في هذه الفترة تخفيف الرقابة على انشطه المعارضة ، و التعديلات الدستورية فيما يتعلق بالترشيح فى الانتخابات الرئاسيه ، والتسامح مع المشاركة السياسية لجماعة المعارضة الاسلامية الرئيسية, حركة الاخوان المسلمين.

وتبدو موجة الاصلاحات السياسية من جانب النظام الآن اقل ، فقضية خلافة الرئيس المتوقعة لعام 2011 ، تبدو انها تتفوق على أي اعتبارات أخرى. والواقع ان التطورات على ارض الواقع تشير الى ان النظام ارتد تماما عن اجندة الاصلاح ، وعاد الى العادات القديمة الاستبداديه.

في عام 2007 الحزب الوطني (الحاكم) استخدم سيطرته على البرلمان للتصديق على التعديلات التي دخلت على المواد 34 من الدستور ، موجها ضربة خطيرة للاصلاح السياسي في مصر. بالاضافة الى ذلك ، قيام الامن بتنفيذ حملة الاعتقال والترهيب التي استهدفت العديد من المعارضين السياسيين للنظام ، ولا سيما اعضاء وقادة جماعة الاخوان المسلمين. وفى خلال عدة اشهر الاولى من عام 2008 ، اصبحت الممارسات الاستبداديه اكثر انتشارا.ووضعت عدد من الوسائل الاعلامية تحت ضغط والقى القبض على بعض المدونين فى وقت مبكر من السنة. لكن جاءت الانتخابات المحلية التى جرت فى ابريل لتؤكد عزيمة فرض السيطرة من قبل النظام واعادة التأكيد على احتكاره للسلطة.

واوضح المعهد ان النظام المصري دخل في جهد محسوب لمنع معظم مرشحي المعارضة سواءمن تسجيل او خوض الانتخابات المحلية ، للحيلولة دون تحقيق مكاسب سياسية مجدية من قبل المعارضة. والقي القبض علي ما يقرب من الف من نشطاء المعارضة تحديدا من جماعة الاخوان المسلمين من اصل خمسة آلاف مرشح كانت تعتزم الجماعة ترشيحهم ووافقت السلطات فقط على أقل من أربعة وعشرين منهم ليصبح ما تبقى من جماعات المعارضة اقل من 1000 مرشح فى عمليات الاقتراع النهائية. ومن الناحية الاخرى سجل الحزب الوطني الحاكم اكثر من 53 الف مرشح. وغني عن القول ان الغالبيه العظمى من مقاعد المجالس المحلية حوالى 52 الف مقعد فاز بها مرشحو الحزب الوطني بدون معارضة.

ان الممارسات الحالية للنظام المصري من المحتمل ان يكون لها عواقب وخيمة . لكن قدرة قوى المعارضة المنظمة على حشد الجمهور لحل المظالم الجماعية في مناخ سلمي في طريقها الى الزوال. كما فقدت الكثير من القوى الليبراليه واليساريه مصداقييتها بعد ان نمت تعتمد على الحكومة من أجل البقاء السياسي. والأهم أن ننتظر لنرى اذا ما كانت جماعة الاخوان المسلمين يمكن ان تحافظ على الاعتدال في صفوفها امام معاداة الحكومة على الدوام لها ردا على مشاركتها في العملية السياسية.

على كل, الرئيس بوش لن يحاول التدخل في الشؤون الداخلية المصرية في هذه المرحلة غير المستقره في تاريخ الشرق الاوسط. ومع ذلك ، كما يتابع المسؤولين الاميركيين التطورات في لبنان وفلسطين ، يستحسن ان تبقى العين على مصر ، والتفكير في طرق جديدة لانعاش اجندة الاصلاح في المستقبل القريب.