آستانة، موسكو: وصل الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف إلى العاصمة الكازاخستانية أستانة في زيارة هي الثانية له إلى هذا البلد منذ توليه مهام منصبه رسميا في السابع من شهر مايو 2008.

وسيشارك ميدفيديف في يومي الخامس والسادس من هذا الشهر في الاحتفالات الخاصة باليوبيل العاشر للعاصمة الكازاخية أستانة.

كما سيقدم الرئيس الروسي في يوم الأحد التهاني لنظيره الكازاخي نور سلطان نزاربايف بمناسبة عيد ميلاده.

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي على هامش زيارته لكازاخستان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس التركي عبدالله غل، وربما الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي.

وأعرب سيرغي بريخودكو، مساعد الرئيس الروسي، عن أمله في أن يطلع الملك عبدالله الثاني الرئيس ميدفيديف على مستجدات الوضع في منطقة الشرق الأوسط.

وقال إن مباحثات ميدفيديف مع غل ستتناول شؤون التعاون الثنائي بين روسيا وتركيا في المجال التجاري الاقتصادي، وخاصة في ميدان نقل النفط والغاز، والعلاقات الإنسانية.

ويبدو أن الرئيسين الروسي والكازاخي ينويان مواصلة اللقاءات الشخصية التي بدأت منذ عهد فلاديمير بوتين. وقبل أن يكمل المعلقون السياسيون إجمال نتائج زيارة دميتري ميدفيديف مؤخرا إلى أستانة، ينوي الرئيس الروسي زيارة العاصمة الكازاخية مرة أخرى في 6 يوليو.

وإن الدافع للزيارة في هذه المرة يوبيل العاصمة الكازاخية الجديدة. ففي هذه السنة تمر الذكرى العاشرة منذ أن قرر الرئيس سلطان نزاربايف نقل العاصمة من مدينة ألما أتا إلى أكمولا الريفية، التي جرى في وقت لاحق تغيير اسمها إلى أستانة. فما الذي دفع نزاربايف لاتخاذ هذا القرار؟

1 ـ السبب الأول عشائري. فإن نقل العاصمة من جنوب البلد إلى وسطه، أتاح لنزاربايف الموازنة بين مصالح أبناء القبائل الكازاخية الأساسية، وإرساء أساس الانضباط والموازنة في النظام العشائري.

2 ـ ينبع من هنا السبب الثاني ـ كان من السهل على الرئيس الكازاخي في المنطقة الجديدة خلق جهاز بيروقراطي وإداري جديد تماما ليكون مخلصا لا للعشائر وإنما للرئيس شخصيا. وقد تسنى له هذا جزئيا.

3 ـ السبب الثالث يكمن في الطموحات السياسية الشخصية للرئيس الكازاخي الذي من المفروض، أن تكون العاصمة الجديدة أكبر وأثمن ذكرى لرئاسته. ويشعر نزاربايف في أستانة بأنه معمار استقلال كازاخستان.

إن ارتباط العاصمة الجديدة بشخصية الرئيس الكازاخي، جلي على الأقل من توافق اليوبيل بشكل غريب مع عيد ميلاد نورسلطان نزاربايف. ولذلك يتوجه ميدفيديف لحضور ليس يوبيل العاصمة فحسب، بل وعيد الميلاد الثامن والستين لرئيس الدولة الذي ولد في السادس من يوليو 1940 في مقاطعة ألما أتا.

وإن لقاء ميدفيديف ونزاربايف المرتقب سيكون الثالث. وجرى الأخير في بطرسبورغ إبان القمة غير الرسمية لرابطة الدول المستقلة.

فما هو الموقف من ميدفيديف في أستانة؟

أن ميدفيديف بالنسبة للرئيس الكازاخي حاليا quot; شخص غامضquot;، ولكنه مفهوم quot;كوريثquot; بوتين، بما في ذلك في سياسة روسيا الخارجية.

وتجدر الإشارة إلى وجود إجماع عام في كازاخستان بشأن السياسة الخارجية التي تنتهجها البلاد، بما في ذلك التعاون الوثيق مع روسيا. وخلافا لبلدان رابطة الدول المستقلة الأخرى لم تكن في كازاخستان قوى سياسية معادية لروسيا بشكل جلي ومن المستبعد أن تظهر في عهد نزاربايف. وحتى المعارضة الكازاخية تنتقد الوضع السياسي الداخلي في البلد أكثر من السياسة الخارجية التي يمارسها رئيس الدولة.

وهذه السياسة براغماتية تماما، مما يروق لموسكو لأن التعامل مع رجل براغماتي أسهل لها مما مع شخص أيديولوجي. ولا توجد نية للقيام بخطوات خاطفة. وهذا لا يستبعد الذود الحازم عن المصالح الوطنية، مما يخلق أحيانا حساسية معينة بين روسيا وكازاخستان.

وهنا تبرز من الذاكرة كلمات السياسي الأميركي المعروف هنري كيسينجر، بأنه من الضروري ممارسة السياسية الخارجية انطلاقا من إمكانيات الطرف الآخر، وليس من نواياه. ولا يجدر بناء أوهام، وحصر العلاقات الوثيقة بين أستانة وموسكو بعلاقات ميدفيديف ونزاربايف الشخصية الودية، وإن كان هذا العامل هاما جدا في نظامي كازاخستان وروسيا السياسيين اللذين يعتمدان على شخصية رئيس الدولة. وهذا فضاء سليم للدولتين، اللتين تدركان أنه يمكنهما تحقيق أهدافهما السياسية بشكل أسهل من خلال تضافر الجهود.

هذا وإن دميتري ميدفيديف يتوجه في هذه المرة إلى كازاخستان للتهنئة، وليس من أجل اتفاقات سياسية، لا سيما وان الرئيسين قد وقعا عددا من الوثائق إبان زيارة ميدفيديف الرسمية الأولى إلى أستانة. ولا يجدر في غضون ذلك نسيان أن الرئيس الروسي سيكون أحد الضيوف، ولكن أكثرهم احتفاء. ولذا من غير المستبعد صدور تصريحات سياسية هامة معينة في المؤتمرات الصحفية المشتركة في أستانة، كما كان في عهد بوتين.