واشنطن: لا يزال الخلاف حول فكرة إنشاء قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت هو سيد الموقف منذ انطلاق عملية السلام بين العرب وإسرائيل منذ نهايات سبعينات لقرن الماضي وحتى اليوم، على الرغم من تأسيس البنك الدولي في هذا العام صندوقا لجمع تبرعات المانحين الدوليين لاستكمال مشروع دراسة جدوى لإنشاء هذه القناة.

الكاتب الأميركي جيرمي شارب Jeremy M. Sharp، المتخصص في شئون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، أعد تقريراً حول هذه القضية صدر عن مؤسسة خدمة أبحاث الكونغرس Congressional Research Service مؤخرا، تحت عنوان: quot;قناة البحرين الأحمر ـ الميت: الجهود الإسرائيلية العربية لإنقاذ البحر الميتquot;.

يبدأ الكاتب باستعراض خطة البنك الدولي، وتقضي بالقيام بدراسة جدوى وتقييم شامل يستمران 18 شهرا لبحث مشروع قناة تربط بين البحرين الأحمر والميت، ذلك المشروع العربي ـ الإسرائيلي المشترك لإنقاذ البحر الميت من التقلص والانكماش.

ويذكر الكاتب أن الولايات المتحدة قد لعبت دورا أساسيا في الإسراع بقضايا التعاون الإسرائيلي ـ العربي المشترك، ومن بينها هذا المشروع، إذ يعتقد الكثيرون أنه اقتراح ملائم لمواجهة تحديات بيئية مشتركة، كما أنه نموذج محتمل لتعاون عربي ـ إسرائيلي.

ولأن البعض قد رأى أن هذا المشروع ربما يحتاج 20 عاما فأكثر لتنفيذه، فقد اهتم صانعي القرار الأميركي بمناقشته. فقد أقر مجلس الشيوخ في 16 نوفمبر 2007، ضمن قضايا أخرى، مشروع قرار تقدم به السيناتور quot;ريتشارد لوجر Richard Lugarquot; يطالب بمزيد من الاهتمام الدولي لمسألة تآكل التربة في نهر الأردن والبحر الميت. كما أسهمت إدارة بوش بمبلغ ضئيل (1.5 مليون دولار) لمشروع دراسة الجدوى الذي يعده البنك الدولي.

انكماش البحر الميت
يقع البحر الميت في أكثر المناطق انخفاضا في العالم، وهو مهدد بالزوال البطيء نتاج فقدان المياه بانتظام، حتى أنه ينشطر الآن إلى بحريتين منفصلتين وشاطئين يتقلصان بشكل مستمر.

ولسنوات خلت، حول الإسرائيليون والعرب نحو 95% من مياه نهر الأردن للأغراض الزراعية والصناعية، ذلك النهر الذي يعيد تزويد البحر الميت بالمياه طبيعيا. وتحول إسرائيل 60% من هذه المياه، بينما تحول سوريا والأردن الباقي، فيما تُطالب السلطة الفلسطينية بنصيب عادل من مياه هذا النهر.

وقد فقد البحر الميت في الـ 55 عاما الأخيرة نحو 33% من مسطحه المائي، كما يقدر العلماء أن مستوى المياه ينقص تقريبا بمعدل 3 أقدام سنويا. ويرى علماء إسرائيليون أنه ربما سيفقد نسبة مماثلة في العقود القليلة المقبلة حتى مع انخفاض نسبة تبخر المياه. ولذا يعتقد المراقبون أنه ربما تختفي المزايا الإيكولوجية والاقتصادية لهذا البحر، وستحرم الأجيال القادمة من بقعة متميزة للسياحة التاريخية والدينية.

قناة البحر الميت
بعد سنوات من الدراسة والتقييم، تتمثل الخطة الحالية لإنقاذ البحر الميت وإعادة مستوى مياهه لمعدلاتها وفقا لرؤية الأطراف المنتفعة، في إنشاء خط أنابيب بطول 112 ميلا لنقل المياه من البحر الأحمر باتجاه الشمال، وسيمر هذا الخط بوادي عربة (منطقة صحراوية تقع بين إسرائيل والأردن)، وسيمتد من خليج العقبة جنوبا إلى البحر الميت شمالا. ويمكن أن تخترق هذه القناة الحدود الإسرائيلية الأردنية، لكن يبقى الجزء الأكبر منها في الأراضي الأردنية.

ولأن منطقة وادي عربة ذات تضاريس جبلية، فإن نقل المياه عبر الأنابيب يستلزم أن تندفع بين 500 و550 قدما للأعلى قبل أن تنحدر إلى نحو ما بين 1870 إلى 1900 قدماً لدى مسارها الطبيعي في الطريق للبحر الميت.

ونظريا، يُعتقد أن المياه المتدفقة من الأحمر إلى الميت يمكنها أن تحفظ مستوى مياه الأخير عبر الوقت، كما أن انحدار المياه سوف يساعد في توليد طاقة كهرومائية تكفي لتشغيل محطات تحلية مياه، ويمكن لهذه المياه المحلاة أن تصل لمدن إسرائيلية وأردنية ولأجزاء في الضفة الغربية. ويرى مؤيدو الفكرة أن إنشاء القناة سيعطي زخما أكبر لقيام سياحة إسرائيلية/أردنية/فلسطينية مشتركة ولمشاريع إنمائية أخرى في منطقة وداي عربة.

خلفية تاريخية
لأكثر من قرن مضى، اعتبر المنظرون الإسرائيليون أن توصيل البحر الميت بأي من البحرين الأبيض أو الأحمر هو عمل وطني. لكن لم يعد الأمر مجرد فكرة فردية أو وطنية خالصة منذ انطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط، بل أضحت هذه القناة أحد المشروعات المتعددة الأطراف الملحقة بالتعاون العربي ـ الإسرائيلي.

وعلى خلفية أزمة الطاقة في بدايات السبعينيات، بدأت حكومات إسرائيل أخذ الفكرة على محمل الجد حيث تم اقتراح إنشاء قناة تربط البحر المتوسط بالبحر الميت من أجل توليد الطاقة وإنهاء اعتماد البلاد على النفط، وأعدت دراسات جدوى مختلفة. لكن القيود المالية أوقفت هذه الأفكار في عام 1985 إذ قدرت التكلفة ما بين ما بين 2 و 5 بليون دولار.

وعلاوة على ذلك اعترضت الأردن على فكرة ربط المتوسط بالميت لأن قناة كهذه ستمر بطريقة غير شرعية في أراض فلسطينية كانت محتلة سابقا في قطاع غزة، كما أن المشروع سيضر كثيرا بصناعة التعدين في البحر الميت.

وساعد التفاؤل الذي صاحب انطلاق عملية السلام على استحضار الاقتراح مرة جديدة ليكون بمثابة إطار لخلق شبكة مصالح بين إسرائيل والأردن. ففي كتاب (الشرق الأوسط الجديد) لرئيس الوزراء السابق ورئيس إسرائيل الحالي quot;شمعون بيريزquot;، أكد أن quot;المشروع من الناحية السياسية يمكن أن يسهم في استقرار السلام عبر خلق مصالح طويلة الأمد، كما أن هذه الفكرة ستفيد دولا خارج الإقليم أيضا إذا ما أنشأ ميناء ومطار لاجتذاب الزوار في منطقة صحراء عامرة ومياه متدفقة على طول وادي عربةquot;.

ويعتقد مراقبون آخرون أن هذه القناة ستقدم منافع ملموسة للأردن ولإسرائيل لأنها تعزز من خيارات السلام الإقليمي. فالأردن أحد الدول العشر الأولى في العالم المحرومة من المياه. وتقدر المياه الصالحة التي ستتولد عن هذا المشروع بنحو 850 مليون مترا مكعبا؛ ما يساعد الأردن على سد احتياجاته المائية وحفظ مستوى المياه في البحر الميت.

ورأوا أن هذه المهمة يجب أن تحظى بدعم دولي، مالي وسياسي، لأنه لا يمكن للأردن ولإسرائيل أن يقومان بها منفردين.

وبعد أن تعهدت إسرائيل والأردن إثر توقيع اتفاق للسلام في عام 1994 بالاهتمام بإعمار منطقة وادي الأردن، أخذت خطط قناة البحر الأحمر ـ الميت تتحرك للأمام. ففي عام 2002 وخلال القمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، أعلن مسئول أردني اقتراحا بإنشاء القناة، قائلا: quot;إننا نعيش في منطقة واحدة وأراض مشتركة ولا نزاع حدودي أو صراع سياسيquot;. لكن تحفظت الدول العربية والفلسطينيين على هذا الإعلان الذي جاء في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فذكر المسئول الفلسطيني في المؤتمر أن quot;المشروع يرتبط برسم حدود جديدة بين الأردن وإسرائيل على حساب الشعب الفلسطينيquot;. وأجهض استمرار العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين جهود تقدم الفكرة في الأعوام الثلاثة اللاحقة.

وفي مايو 2005، عقد المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن على شاطئ البحر الميت، وأعلنت الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والبنك الدولي الموافقة على إطلاق مشروع لدراسة جدوى بتكلفة 15 مليون دولار لهذه القناة. بيد أن انتصار حركة حماس الانتخابي في عام 2006 أوقف هذه العملية بسبب إصرار إسرائيل على أن الفلسطينيون المعتدلون وحدهم هم من ينبغي إشراكهم في لجنة إقرار المشروع.

وفي مطلع عام 2008، دفع البنك الدولي المشروع خطوة للأمام؛ فأسس صندوقا للمانحين لأجل استكمال الدراسة. ومن المساهمين فيه: الولايات المتحدة، فرنسا، أسبانيا، اليونان، اليابان، هولندا، السويد، ألمانيا، وإنكلترا.

الاعتبارات البيئية
يرى العديد من خبراء البيئة العرب والإسرائيليين أنه بدل اعتماد مشروع هندسي معقد ومكلف، فإنه يجب على حكومات المنطقة التوقف عن تحويل مياه مجرى نهر الأردن والسماح للبحر الميت أن يواصل حياته الطبيعية كما كان سابقا، ولابد من التفكير في إيجاد مصادر جديدة لمياه نظيفة.

ويعتقد بعض العلماء أن اختلاط مياه البحرين الأحمر والميت سوف يؤدي لمضاعفات سلبية تقود لتغير طبيعة ولون مياه البحر الميت، من اللون التركوزاي، الذي يزور السياح البحر الميت لأجل مشاهدته، إلى اللون البني. ولو حدث ذلك فسوف تتوقف صناعة السياحة على شاطئي هذا البحر.

ويعتقد آخرون أن المياه المالحة التي ستمر بالقناة يمكن أن تتسرب في باطن الأرض وتحدث أضرارا خطيرة بالتربة وخاصة أن المنطقة تقع ضمن حزام الزلازل الأخطر في العالم.

ويتساءل بعض المهندسين عن حسابات التكلفة والعائد لهذه القناة، إذ يرون أن كميات الطاقة الكبيرة المتوقع توليدها تحتاج إلى أنابيب لضخ المياه لأعلى قبل أن تصل للبحر الميت، وهذه عملية مكلفة ومعقدة وغير مضمونة، وقد لا تساعد في تحلية المياه التي ربما ستصل للمستهلك في مناطق حضرية كما هو متاح في محطات تحلية المياه الكبرى في العالم.

نموذج للتعاون الإقليمي
يعتقد المسئولون الإسرائيليون والأردنيون أن إنشاء هذه القناة ستدعم التعاون العربي ـ الإسرائيلي في مجموعة من المجالات (لم يذكر الكاتب سوى آراء إسرائيلية). فوفقاً لوزير البنية التحتية الإسرائيلي quot;بنيامين أليعازرquot;، الذي أطلق على القناة اسم quot;مشروع السلامquot;، فإن المشروع سيؤدي إلى quot;تعاون اقتصادي إقليمي مع الأكاديميين والجامعيين الأردنيين في قطاعات الطاقة والزراعة والمياه. فالتنمية الإقليمية هي خطوة هامة لتعزيز السلامquot;.

ويرى إيرز رون، المدير الإسرائيلي لمشروع القناة، أنها ربما تعزز التكامل الاقتصادي بين إسرائيل والأردن، قائلا: quot;توصلنا لاتفاق سلام مع الأردن عام 1994، ومنذ هذا التاريخ لم يحدث بين الدولتين سوى القليل. لكن حينما نخلق مصالح اقتصادية مشتركة، فعليهم الإسراع في ذلك. إنه مشروع سياسي بالدرجة الأولىquot;.

وخلافا لهذه الآراء، ينتقد آخرون الفكرة. إذ يعتقد جيدون برومبرج، رئيس رابطة أصدقاء أرض الشرق الأوسط، أن quot;القناة سوف تجزأ السلام، وما الضغوط التي يمارسها البنك الدولي لدعم مشروع القناة سوى تعبير عن أن هذا المشروع أصبح هو الوحيد الممكن بين إسرائيل والأردن منذ الانتفاضة الفلسطينية الأخيرةquot;.

ويعتقد أوري رتزبرجر، الذي ترأس شركة لتطوير مشروع القناة على مدار العقدين السابقين، أن المشروع quot;ليس له سوى قيمة معنوية تتمثل في أنه سيجعل من بيريز صديقا حميما للملك عبد الله الثانيquot;.

وأخيرا، يعتقد بعض نشطاء السلام، أن فكرة القناة بحد ذاتها تتجنب الخوض في القضايا الكبرى لإدارة مصادر المياه العابرة للحدود. ووفقا لأحد المراقبين، لم يعط البنك الدولي ورعاته الفاعلين الإقليميين فرصة لأن يناقشوا سويا مسؤولياتهم الخاصة تجاه قضية نقص المياه كما حدث في حالات مماثلة لدى حلفاء غربيين آخرين بالمنطقة. وتساءل هذا المراقب: quot;هل لإسرائيل قدرة على استيعاب استهلاكي لكمية مياه تزيد أربعة أضعاف عما تنتجه الآن سنويا، وهل يستوي في ذلك الإسرائيليون مع الفلسطينيين الذين ربما يكون لهم قدرة على هذا الاستيعاب؟!quot;.

ورغم هذه الاعتراضات، لا يزال كثير من المحللين يرون أن تسوية نهائية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، ستمكن من تحويل جهود إنقاذ البحر الميت إلى أفعال حقيقية تناقش كافة قضايا المياه الأخرى، خاصة وأن التغير المناخي والاحتباس الحراري يهددان بشكل قوي إمدادات المياه في أنحاء العالم.

ويلاحظ بعض الخبراء أنه حتى لو لم تنشأ هذه القناة أبدا، فإنه إيجابي أن يناقش الإسرائيليون والأردنيون قضايا مشتركة تتعلق بمصادر المياه والحفاظ على البيئة، ويعتقدون أن مناقشة نقص المياه ومعالجة وضع البحر الميت يعتمدان أولا على الرغبة السياسية وعلى الدعم الخارجي وعلى القدرة على توجيه الضغوط السياسية بعيدا قليلا عن الاستمرار المتوقع للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.