إيلي الحاج من بيروت: لم تنعكس حرارة الصيف في بيروت على مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة في مجلس النواب، حيث تجمع التقديرات على أنها ستنال نحو مئة صوت من أصل 128 نائبًا، أي أنها ثقة مضمونة للحكومة التي تمثل مختلف الكتل والتيارات ، أما باقي الكلام فهو انتخابي يمهد للمعركة التنافسية على أصوات المقترعين للعودة إلى مجلس النواب المقبل بعد عشرة أشهر .
ولولا بعض النواب الذين حملوا بعنف على سلاح quot;حزب اللهquot; واستخداماته وأدواره الداخلية، من باب المناداة بحق الدولة وحدها في امتلاك السلاح، ومسارعة نواب في الحزب الذين فوجئوا بالإحتقان ضد سلاحهم إلى الرد ، وبقسوة في بعض الأحيان لامست التجريح والخروج على الأصول في التخاطب... ولولا بعض نواب في قوى الغالبية 14 آذار/ مارس أعلنوا حجبهم الثقة عن الحكومة (مثل النائبة صولانج بشير الجميل والنائب محمد عبد اللطيف كبارة والياس عطالله) لكانت المفاجآت غابت تماما عن هذا الحدث الذي يتوقع إستمراره يوماً آخر نظرا إلى قابلية النواب للكلام الإنتخابي، التوفيقي التوافقي والإنشائي في الغالب، بينما يستعجل رئيس المجلس نبيه بري إنهاءه في أقرب وقت وطرح التصويت على الثقة.
لكن المداخلات الممتدة أياما والتي اختلطت فيها رواسب الأزمة السياسية وهواجس الانتخابات النيابية الآتية، حملت quot;مفاجأة سلبيةquot; حجبت الايجابية الأساسية والوحيدة ربما المتمثلة بعودة الحياة الى مجلس النواب بعد أشهر من التعطيل أو التوقف القسري. إذ كشف النواب في كلماتهم وكذلك رئيس الحكومة في كلمته الإفتتاحية، واقع غياب الثقة على الإطلاق ، بين فريقي الموالاة والمعارضة سابقاً، واللذين صارت تضمهما حكومة واحدة ، وأظهرت الواقع السياسي على حقيقته، وهو واقع quot;المساكنة السياسية القسريةquot; في حكومة المفترض أنها تعبر عن الوحدة الوطنية، كما بيّنت أن البيان الوزاري الملتبس والمفتوح على سجال وخلاف في تفسير البند المتعلق بسلاح المقاومة وقرار الحرب والسلم وعلاقة quot;حزب اللهquot; تحديدا بالدولة اللبنانية .
وثبت في ضوء أزمة البيان الوزاري وجلسات مناقشاته، ان الأزمة السياسية مستمرة، وان تشكيل حكومة الوحدة لم يضع حدا لها، وانquot; اتفاق الدوحةquot; يظهر أكثر فأكثر اتفاق هدنة وتسوية بالتوازي مع طبيعة المرحلة الانتقالية في لبنان الممتدة حتى الانتخابات النيابية بعد عشرة أشهر. وبيّنت جلسات الثقة ان قوى 14 آذار/ مارس لم تتجاوز بعد حوادث أيار / مايو الماضي عندما هاجم مسلحو quot;حزب الله quot; وبعض حلفائه بيروت ومناطق أخرى واحتلوها ، كما أن قوى الغالبية لم تسلم بالمعادلة التي أعطت الحزب وحلفاءه موقعا متقدما في الحكم وبالواقع السياسي الذي يتصرف الحزب من خلاله على أساس وجود quot;غالب ومغلوبquot;.
لكن لا هذا الفريق مرتاح ولا ذاك ، فقوى الغالبية تبدو quot;مرغمةquot; على التعامل مع واقع جديد ترفضه وتصدر اشارات الممانعة السياسية، فيما قوى الأقلية التي يقودها quot;حزب اللهquot; حصلت على اقرار رسمي بمطالبها، لاسيما في البيان الوزاري،لكنها لم تصل الى واقع سياسي مستتب يتضمن التزامات ومكاسب نهائية. ولعل أبرز الكلام في هذا السياق ما قاله الرئيس السنيورة في عبارة أدخلها على البيان الوزاري وجاء فيها: quot; ما عاد مقبولا ولا معقولا ارتهان أرواح المواطنين واستقرارهم وأمنهم بذريعة أي هدف كان. فالغاية لا تبرر الوسيلة، ووطننا ليس حقل تجارب أو ساحات. ما عادت المغامرة ممكنة، ولا عادت الخسارة مقبولة. ما عاد المواطن اللبناني يتحمل المجازفات، ولا الفتن الداخلية. ما عاد مقبولا ان يظل أمن المواطن عرضة للاهتزاز والانتهاك، وعيش المواطن عرضة للضياعquot;.
ويرى quot;حزب اللهquot; في المقابل أن الحملة على سلاحه التي طالت بشظاياها الجيش والقوى الأمنية لحيادها أو تقصيرها في الحوادث الماضية ،هي ذات بعد محض إنتخابي ، باعتبار أن قوى ١٤ آذار / مارس تحتاج الى عنوان سياسي جاذب لمعركتها والى ما يشد العصب السياسي والطائفي لجمهورها.
ورغم ذلك يواجه الحزب الشيعي الإحتقان الكلامي ضد سلاحه باحتقان مماثل في الرد يعض الأحيان ، وإن كان يكظم غيظه غالب الوقت ، ويعبر عن خشيته من ضياع quot;مكتسبات quot; حققها في الدوحة ، بعدما أخذت منه الغالبية ما يناسبها، أي إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وعودة الحياة الدستورية، أما الخطر الأكبر فهو عدم إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها إما لخلاف على القانون الإنتخابي أو رفض حصولها في ظل وجود السلاح الحزبي.
في المقابل تخشى قوى الغالبية تجاوز quot;حزب اللهquot; وفريقه التعهدات بعدم اعاقة عمل الحكومة، وعدم اللجوء مجددا الى السلاح والعنف من أجل تحقيق مكاسب سياسية كما فعل الحزب قبل أربعة أشهر.
التعليقات