واشنطن: لم تكن مفاجأة إختيار المرشح الجمهورى جون ماكين لحاكمة ولاية ألاسكا سارة بالين- لتكون معه مرشحة لنائب الرئيس - أقل وقعا من المفاجآت المتتالية التى صاحبت هذا الاختيار، فقد تم الكشف عن العديد من الأمور الشخصية والعائلية المرتبطة بعائلة بالين ، فضلا عن سجلها السياسى كأحد شخصيات العمل العام فى ولاية ألاسكا. فمنذ الإعلان عن حمل ابنتها المراهقة والطالبة فى المرحلة الثانوية إلى الكشف عن اتهامات بالفساد وسوء استغلال المنصب ، كانت متابعات الإعلام الأميركى هذا الأسبوع.

حمل بريستول وحوار مجتمعى مفتوح

اهتم برنامج الذى يذاع على شبكة ABC بتلك الأمور الشخصية المتعلقة بحياة سارة بالين، وعقدت الشبكة مائدة مستديرة لمناقشة إعلان بالين عن حمل ابنتها ذات السبعة عشر ربيعا، ومدى تأثير مثل هذا الإعلان على فرصها وفرص الحزب الجمهورى للفوز بمقعد الرئاسة فى انتخابات نوفمبر الرئاسية.

وفى تقرير ndash; أعدته كايت سنو _ أكدت أن مثل هذا الإعلان يفتح الباب أمام ضرورة معرفة كيفية تعليم وتعريف المراهقين فى المجتمع الأميركى بالأمور المتعلقة بالحياة الجنسية، وأن يتحدث الوالدين إلى أبنائهم المراهقين عن العلاقات الجنسية والامتناع عن الملذات والقيم العائلية التى يجب أن تسود داخل الأسرة الأميركية، والبحث عن ما هو مقبول وما هو غير مقبول بين هذه القيم.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن هذا الحوار المجتمعى والحوار بين الوالدين وأطفالهم يجب ألا يتأخر إلى نهاية سنوات المراهقة ، ولكن يجب أن يبدأ مبكرا ولا تنتظر الأسرة حتى يبلغ الطفل سبعة عشر عاما ndash; فى إشارة إلى عمر بريستول بالين.

اتهامات كثيرة وعلامات استفهام أكثر

ومن جانبه اهتم جورج إستفانوبولس فى برنامجه ABC News بان موضوع سارة بالين قد فرض نفسه على المؤتمر العام للحزب الجمهورى، وأكد إستفانوبولس أن هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة بالمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس يجب أن تسأل ، أهمها متعلق بـ هل هناك أشياء أخرى لا يعرفها الجمهوريون والناخب الأميركى عن سارة بالين ؟ خصوصا بعد الإعلان عن حمل ابنتها بريستول ، أيضا الأنباء التى تواترت عن أن بالين عضو فى حزب الاستقلال فى ولاية ألاسكا ، بالإضافة إلى الإعلان عن اعتقال زوجها فى الثمانينات، أيضا التقارير التى أشارت إلى أنها قد استأجرت شركة لوبى فى أثناء شغلها منصب بلدة ويسلا فى ولاية ألاسكا من اجل الحصول على بعض المزايا والإصلاحات لهذه البلدة.

سوء استغلال المنصب

وعلى شبكة CBS اعد وايت أندرو تقريرا رصد فيه مجموعة الاتهامات التى تواجهها بالين فى الوقت الحالى، فإلى جانب الاتهامات الخاصة بالعلامات المميزة ، تواجه تحقيقا على مستوى الولاية بشان سوء استغلال نفوذها كحاكمة لولاية ألاسكا واستخدام سلطتها فى فصل احد الموظفين الحكوميين، والذى كان يعمل فى لجنة السلامة العامة وترتكز الاتهامات حول أنها فصلت هذا الموظف ndash; الذى يدعى والت مونيجان ndash; حيث رفض أن يفصل احد الجنود العاملين تحت إمرته ، هذا الجندى كان زوج شقيقة بالين ، وقد كان هناك بينه وبين أخت بالين معركة قضائية حول أحقية كل منهم بحضانة أطفالهم. ولكن بالين ردت بنفى أن يكون فصل مونيجان من منصبه راجع إلى أسباب شخصية وإنما إلى أسباب مهنية بحتة متعلقة بالميزانية.

كيف تعامل الإعلام مع بالين

وفى صحيفة الواشنطن تايمز أكدت جنيفير هاربر على أن شهر العسل بين سارة بالين ووسائل الإعلام لم يدم طويلا، فما هى إلا فترة قصيرة جدا حتى بدأت وسائل الإعلام فى التنقيب ليس فقط عن ملامح الحياة السياسية لبالين، وإنما أيضا عن تفاصيل حياتها الشخصية والعائلية.

ولفتت هاربر الانتباه إلى أن وسائل الإعلام قد تعاملت مع بالين فى البداية بفضول كبير وبإعجاب أكثر، على اعتبار أنها تلك الشخصية المحافظة والبطل القادم الذى سيضيف الكثير إلى حملة المرشح الجمهورى جون ماكين، والشخص القادر على الوقوف فى وجه حملة الديمقراطيين الانتخابية. ولكن كل ذلك ما لبس أن بدأ فى التلاشى بالأخبار المتواترة عن شئونها العائلية وحمل ابنتها المراهقة الطالبة فى المدرسة الثانوية - وطريقتها فى الحياة ، وفوق كل ذلك الاتهامات بالفساد واستغلال نفوذها، الأمر الذى يهدد بقائها أصلا فى منصب حاكم ولاية ألاسكا.

وأكد التقرير أن بالين ما دامت قد سمحت لنفسها بالظهور فى المشهد السياسى القومى فى الولايات المتحدة فان عليها أن تعلم أن حياتها بكل تفاصيلها يجب أن تكون معروفة للجميع ، فالحال فى المشهد السياسى القومى مختلف تماما، فهى لا تتقدم لشغل منصب صغير على المستوى المحلى، فبصورة ضمنية هى قد قبلت أن تكون عائلتها وحمل ابنتها المراهقة جزء من التغطية الإعلامية لها عندما وافقت على ترشحيها لمنصب نائب الرئيس مع جون ماكين.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن ماكين باختياره لها يعتقد أنها ستكون سيدة الجمهوريين فى عام التى يمكن أن تجتذب أصوات المؤيدين للمرشحة الديمقراطية السابقة لانتخابات الرئاسة هيلارى كلينتون. وبالتالى هنا لابد أن يبدأ دور وسائل الإعلام فى توعية الناخبين، واختبار مدى مسئولية هذا الترشيح ومدى جاهزية بالين لشغل منصب نائب الرئيس، وان تكون القائد الأعلى للقوات المسلحة فى حالة غياب الرئيس. واستطردت هاربر مؤكدة انه من المشروع تماما أن تبرز إلى السطح أسئلة حول مدى خبرة بالين ، وان يكون سجلها السياسى واضح المعالم أمام الناخب الأميركى.

اختيار بالين! هل يحسن تمثيل النساء سياسيا

كانت لحظة إعلان ماكين ترشيح بالين بمثابة نقطة هامة في التاريخ الأميركي. فهي أول امرأة ترشح لمنصب نائب رئيس في الحزب الجمهوري. وأثار ماكين ذهول العديدين في حزبه بالإعلان عن هذا اختياره هذا، وتبلغ بالين 44 عاما وتعتبر سياسية إصلاحية ولم تمض أكثر من عامين في منصبها كحاكمة. ويعتبر اختيار ماكين لبالين بمثابة مفاجأة، وبخاصة أنها تصغر المرشح الديمقراطي باراك أوباما بثلاثة أعوام وهي اصغر سنا بعقود جون ماكين، وأم لخمسة أطفال تتراوح أعمارهم من 5 أشهر إلى 19 سنة.

تقرير واشنطن يلقي الضوء على وضعية النساء في المناصب القيادية في الولايات المتحدة، ومكانتها في المجتمع كأحد المؤشرات التي يُستدل من خلالها علي مستوى التطور المجتمعي والتنمية البشرية بدولة ما، لاسيما في ضوء ارتباط مستوي مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ببعض القيم المجتمعية الديمقراطية مثل المساواة وتكافؤ الفرص.

ولقد أثارت هذه القضية جدلاً واسع النطاق داخل الولايات المتحدة؛ لعدة اختلالات هيكلية تتعلق بمشاركة المرأة في العمل العام، ففي الوقت الذي زاد فيه عدد النساء بشكل ملحوظ بين المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة الأميركية، مازالت نسبة تمثيل المرأة متدنية علي المستويين التشريعي والانتخابي رغم تأكيد العديد من الدراسات بأن أداء المرأة مساوي لأداء الرجل فيما يتعلق بالترشيح.

فهناك ثمة توافق في الآراء بين العديد من الباحثين علي أن نوع المرشح لا يُؤثر في فرص الفوز في الانتخابات. وفي ضوء أهمية وجود المرأة في المجال السياسي تثار عدة تساؤلات منها: لماذا لازال هناك عدد صغير من النساء تُرشح نفسها للمناصب العامة في الولايات المتحدة ؟، وهل للمرأة نفس اهتمامات الرجل فيما يتعلق بعملية الترشيح؟، وما هي تصورات الرجل والمرأة للعمل السياسي؟.

كانت تلك التساؤلات محور دراسة معنونة بـ quot; لماذا مازالت المرأة لا ترشح نفسها للمنصب العام؟ quot; أعدها كلاً من جنيفر لي لوويس. وهي أستاذ مساعد للعلوم السياسية والسياسة العامة بجامعة براون. وريشارد لي فوكس الذي يعمل أستاذاً مساعداً للعلوم السياسية في جامعة لويولا ماريمنوت. وهي عبارة عن مشروع بحثي تم علي مدار سبع سنوات أي من عام 2001 إلي 2008 وتم تجميع البيانات عن طريق البريد الالكتروني والدراسات الاستقصائية والمقابلات مع عدد من الرجال والنساء، مع التركيز علي أكثر المهن التي يُمكن أن تُقدم مرشحين لرئاسة الدولة والكونجرس، وهي مهنة القانون، والأعمال الحرة، والتعليم، والسياسة. وقد صدرت تلك الدراسة عن معهد بروكينغز.

وقد تم تنفيذ عملية المسح الأولي للبيانات في عام 2001، ولكن نتيجة للتطورات التي وقعت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحرب العراق عام 2003، بالإضافة إلي تصاعد العداء تجاه إدارة بوش، وسيطرة الديمقراطيون علي الكونغرس من خلال الحصول علي الأغلبية خلال انتخابات التجديد النصفي له في نوفمبر 2006، فضلا عن ظهور بعض الوجوه النسائية البارزة علي الساحة السياسية الأمريكية كل ذلك تتطلب إجراء عملية مسح آخر في أوائل عام 2008.

تمثيل المرأة داخل الولايات المتحدة الأميركية

إن ظهور المرأة في وسائل الإعلام كشخصية عامة قد أضحي أمراً غير مألوف في الولايات المتحدة، حيث أن مشاهدة التليفزيون وقراءة الصحف والاستماع إلي الراديو بالإضافة إلي تصفح الانترنت من النادر أن يُسفر عن رصد سوى عدد قليل جداً من الوجوه الشهيرة مثل quot;نانسي بلوسيquot; رئيسة مجلس النواب الأمريكي، وهيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخ، إضافة إلي quot;كوندوليزا رايسquot; وزيرة الخارجية الأميركية، ومؤخرا سارة بالين. فهذه الوجوه تؤشر إلى ضآلة تمثيل المرأة في المناصب التي يتم شغلها بالانتخاب في الولايات المتحدة، وفي الكونجرس الذي يُسيطر عليه حوالي 84% من الرجال، وهو ما يعني أن تمثيل المرأة لا يزال منخفضاً سواء علي المستوي الاتحادي الفيدرالي أو علي مستوي الولايات. والجدل التالي يوضح نسبة مشاركة المرأة في المناصب القيادة.