تحليلات غربية ترصد سيناريو اللحظة الحاسمة
جمال مبارك الأقرب للرئاسة وعمر سليمان خارج حلبة السباق
محمد حميدة من القاهرة:
توقعت صحيفة quot;اميركان انترستquot; الاميركية ان تكون خلافة القادمة فى مصر مختلفة بصورة رئيسية عن الخلافتين السابقتين (من جمال عبد الناصر الى انور السادات في أوائل خريف عام 1970 ، ومن السادات لمبارك في اكتوبر 1981) وذلك لعدم وجود ولى عهد واضح او محدد . وقالت الصحيفة فى تحليل طويل لها ان الرئيس مبارك يصر خلافا مع أسلافه على رفض تعيين نائب له بسبب القلق من ولائه, ومع انحسار الاضواء عن كبار المسئولين اصحاب الاسس السياسية المستقلة واصحاب الشعبية الجماهيرية ، ولا سيما وزير الدفاع الاسبق أبو غزالة ( وافته المنيه هذا الاسبوع ) ووزير الخارجية السابق عمرو موسى علاوة على تعزيز مبارك ولاء القوات المسلحه للرئاسة , تصبح مسألة تحديد الخليفة القادم محل قلق واهتمام .
ويبدوا واضحا بعد اكثر من ثماني سنوات من المضاربات على الساحة ان جمال مبارك يقف فى انتظار اللحظة. جمال مبارك الذى ظهر في عام 2000 , شبيها بالأمير تشارلز المصرى تحول من شخص مجهول الى شخصية معروفة جيدا ؛ حظى بتأييد عدد كبير من اعضاء النخبه الليبراليه الذين ربما يشككون الان فى قدرته على تحقيق ما يرغبونه . وقد حظى جمال بنصيب من اللوم ،وربما بشكل غير عادل بسبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ترجع فى الاساس الى التضخم العالمي في أسعار الوقود والاغذيه وليست الاصلاحات التي يقودها .

ووضعت الصحيفة عدة سيناريوهات لانتقال السلطة من بعد الرئيس مبارك ومن سيحل محله. ومن المقرر ان تنتهي فترة الرئيس في عام 2011 ، وهو الوقت الذي سيكون وصل فيه الى 83 عاما , وقد عانى من بعض المشاكل الصحية في السنوات الأخيرة ولكن يبدو حتى الآن قادرا على تنفيذ واجباته دون اي قيود واضحة ، بما فى ذلك السفر الى الخارج . ويعتقد البعض انه قد يتقاعد طوعا في نهاية فترة ولايته من اجل تيسير الخلافه ، ولا سيما اذا كان مصمما على تولى ابنه . ولكن يبدو الثقلاء فى الرأى متفقون على انه سيبقى في منصبه حتى النفس الاخير له ، وهذا الرأى اعرب عنه مبارك نفسه فى تصريحات عامة.
اما بالنسبة لمن سيحل محل مبارك بعد مغادرتة فقد وضعت الصحيفة عدة احتمالات قليلة , اما جمال او واحدا من المؤسسة العسكرية او الاستخبارات . ولكن يبدو واضحا ان صعود جمال ، طبقا للعديد من المراقبين من الصعب ان يحدث فعلا. والشكوك فى فرص جمال تتمركز حول ثلاث حجج :
وهى ان خلافة الأبناء ببساطة غير مقبولة للمصريين ؛ كما انه لا يحظى بدعم قوي من الجيش ، و ليس قويا بما يكفى لهذا المنصب .
والحجه الاولى ينبغي ان تفهم على انها احتجاج على الوضع الحالي للامور . ورغم ان قوى المعارضة والمجتمع المدني الى حد ما اكثر جرأه مما كانت عليه قبل عقد من الزمن ، الا انها ليست قوية أو متماسكه بما يكفي لعرقلة خليفة يتمتع بالدعم من الركائز الاساسية للنظام.
الحجه الثانية ، ان جمال قد لا يحصل على الدعم اللازم من المؤسسة العسكرية , لانه سيكون اول رئيس مدني من بعد انتهاء الملكية.ويثور شكوك بين كبار ضباط المؤسسة العسكرية اذا كان هذا المصلح الاقتصادى الذى تلقى تعليمه فى الخارج سيعتنى بمصالحهم. كما يشككون فى قدرته على ابقاء مصر مستقرة وآمنة ضد اى غزو اومغامرة خارجية. ولكن هناك ايضا عوامل قد تشير الى قبول العسكريين لجمال. اولا , عدم تسييس مبارك للجيش. وثانيا ، قيل ان جمال جلس سرا مع مجموعات هامة في المؤسسة العسكرية ويحكى انه له انصار في المناصب الرئيسية. وثالثا ، انه لا يتحدي مصالح الجيش الاقتصادية الواسعة رغم انه يلعب دور كبير فى الخصخصة.
الحجه الثالثة ، ان جمال ليس قويا لكنه شخصية جاده . وهناك امكانيه حقيقية إذا انتخب رئيسا ان يكون الرمز ،ومن وراءه ستكون القوى الحقيقية من الجيش اوأجهزة الاستخبارات تحكم البلد. والحجة المضاده لوجهة النظر هذه هو ان جمال يتصنع الضعف بشكل ذكي من اجل تفادي ان يجرى القضاء عليه تماما.
بينما الذين يعتقدون ان جمال لن يتولى الرئاسة يتوقعون شخصيات رئيسية من الحرس القديم مثل مدير المخابرات عمر سليمان او وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي اوالامين العام للحزب الوطني صفوت الشريف وعدد قليل آخر , قد يدفعون جمال جانبا لاختيار واحدا من بينهم أو واحد موثوق به اوغير معروف من الجيش ليصبح الرئيس المقبل. وهذا يمكن ان يحدث اذا حصل شئ لا قدر الله للرئيس مبارك قبل انتهاء ولايته . وان كانت معظم الرهانات تصب لصالح عمر سليمان اقوى رجل فى الفريق.

وبدأ سليمان فى الظهور على السطح كشخصية عامة فى عام 2000 ، تقريبا فى نفس وقت ظهور جمال، وعينه الرئيس مبارك مديرا للمخابرات ,واصبح اقرب المستشارين له منذ عام 1995 ، عندما أصر على ان يركب مبارك السيارة المصفحه في رحلة اثيوبيا وهو ما انقذ حياته من محاولة الاغتيال الفاشلة . وفى الفترة من عام 2000 فصاعدا بدأ مبارك يعهد الى سليمان مهمات دبلوماسية حساسة و لا سيما جهود الوساطه بين الفصائل الفلسطينية والاتصالات مع اسرائيل والولايات المتحدة.. لم يكن سليمان معروفا تقريبا بين المصريين حتى عام 2000 . ويعتقد انه سيكون اقدر على الاصلاح السياسي من جمال. ولكن لا يوجد دليل على ان هذا الامر سيكون كذلك.
الجوانب القانونية

لكن وراء الأبواب المغلقة يبدو قرار القوى الكبيرة لابعاد جمال مقنعا بما فيه الكفايه ، وثمة مشكلة كبيرة فى هذا السيناريو : الدستور المعدل الذي يحدد بوضوح اجراءات الخلافة. ولكن عندما يترك مبارك منصبه ، يجب ان تعقد الانتخابات الرئاسيه في غضون ستين يوما. وفي تلك الانتخابات يحق لكل حزب ان يرشح مرشح واحد ،لكن يجب ان يكون المرشح عمل فى القيادة العليا للحزب لمدة سنة على الاقل. ودراسة دقيقة للقيادة المنتخبه في مؤتمر الحزب الوطنى في عام 2007 تتضح ان جمال هو الخيار المنطقي. بالاضافة الى الشخصية القوية الأخرى في الحزب في هذه المرحلة وهو الامين العام صفوت الشريف .
والنقطه الاساسية هي انه من المستحيل ان يجلب الحزب الحاكم شخصية من الخارج فجأه مثل عمر سليمان او جنرال اخر فرضا من الجيش لخوض انتخابات الرئاسة. وهذا ليس من قبيل الصدفة ؛ فجمال وأنصاره في الحزب رتبوا بعناية هذه النقطة على مدى السنوات القليلة الماضية بدعم من الرئيس مبارك. فقد حاولوا اغلاق اكبر عدد ممكن من الثغرات ومنها على سبيل المثال لا يجوز للرئيس المؤقت فى حالة عدم اهلية مبارك اقتراح تعديلات على الدستور.
كما انه سيكون من الصعب بالنسبة للمرشح العسكري تحدى الحزب الوطني من الخارج. لا يستطيع فجاه تشكيل حزب جديد ؛ فقط الاحزاب التى يزيد عمرها عن خمس سنوات ولها تمثيل في البرلمان هى التى يمكن لها فرض مرشح للرئاسية . ويبقى الاحتمال الوحيد لمرشح الجيش وهو ان يدخل مستقلا ، ولكن هذا يتطلب تأييد المئات من المسؤولين من الحزب الحاكم في كل من مجلسى الشعب والسشورى والمجالس المحلية. ويمكن ان يحدث ذلك لكن بشكل ضعيف .
غير ان هناك احتمالا آخر لمرشح الجيش او الاستخبارات هو نقض الدستور تماما والاستيلاء على السلطة. لكن المصريين سيقاومون مثل هذا السيناريو الا اذا كانت هناك اضطرابات خطيرة وواسعه النطاق تهدد النظام العام لتبرير السيطرة العسكرية. وحتى الان لا يوجد اي سبب لتوقع حدوث اضطرابات كبيرة فى حال غياب الرئيس مبارك .
وهذا يترك سيناريو الخلافة الاخير والأقل احتمالا وهو: ان تنتهز جماعة الاخوان المسلمين او غيرها من الجماعات الاسلامية فرصة غياب مبارك وتستولى على السلطة. وفي ظل الظروف الحالية ، فإنه يكاد يكون من المستحيل بالنسبة لهم القيام بذلك عن طريق صناديق الاقتراع. فالدستور المعدل يحول دون تشكيل أي حزب سياسي على اساس الدين ، ومن غير المرجح أن تحصل جماعة الإخوان المسلمين على الاصوات اللازمة لطرح مرشح مستقل. ولذلك لن يصل الاخوان الى السلطة الا عن طريق ثورة او انقلاب ، وليس ثمة ما يشير الى ان جماعة الاخوان المسلمين او اي مجموعة اخرى قادرة على ان تخطط لذلك .