أحمد ولد إسلم من نواكشوط: تجاهلت جميع وسائل الإعلام الرسمية في موريتانيا مساء اليوم الإشارة إلى وقوع هجوم وصف بالإرهابي على حامية عسكرية تبعد ثمانين كيلومتر شرق مدينة ازويرات المنجمية في الشمال الموريتاني ، وأدى إلى مقتل اثنى عشر جنديا موريتانيا بينهم قائد الكتيبة النقيب أج ولد عابدين، نتيجة كمين نصبه مسلحون يعتقد أنهم على صلة بما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وجاءت نشرات الأخبار في التلفزة الموريتانية والإذاعة الوطنية مخصصة حصريا لنشاطات المجلس الأعلى للدولة،الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري، في السادس من أغسطس الماضي، وتناول التقارير الإعلامية، رصد انخفاض الأسعار في المتاجر الرمضانية التي تشرف عليها الحكومة، ودورها في التخفيف من معاناة السكان.

ولم تشر الوكالة الموريتانية للأنباء في أي من برقياتها الموزعة على المشتركين إلى الحادثة.
وفسر عبد الرحمن ولد سيدي محمد الصحفي بإذاعة موريتانيا في اتصال مع إيلاف هذا التجاهل بأن الإدارات الفرعية في المؤسسات الإعلامية لا تجرأ على أخذ مبادرة في موضوع حساس كهذا، إلا بأمر من المدير العام، وهو بدوره لا يمكنه إصدار أوامره إلا بناء على تعليمات من السلطات العليا، وهذا ما يفسر في نظره هذا التجاهل.

وكانت كتيبة من الجيش الموريتاني قد تعرضت لهجوم بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في منطقة quot;تورينquot; شرق زويرات(حوالي 1000كلم شمال العاصمة نواكشوط) ما أدى إلى مقتل عدد من الجنود رجحت مصادر عسكرية أن يكونوا اثنا عشر.
وقال مصدر رفيع في قيادة أركان الجيش الموريتاني طلب عدم الكشف عن هويته في اتصال مع إيلاف quot;إن ما يقارب 12 عنصرا يعتبرون في عداد المفقودينquot; مبديا خشيته من احتمال أسرهم من طرف المسلحين.
وأضاف أن الجيش أرسل طارئين إلى منظقة quot;تورينquot; إحداهما حربية والأخرى طارئة استطلاع، من أجل مطاردة المسلحين الذين يعتقد أنهم على صلة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وأكد سيدي أعمر أحد أفراد عائلة النقيب أج ولد عابدين أن الأخير أبلغ أسرته قبل يوم من الحادثة أنه متوجه إلى منطقة quot;تورينquot; لمطاردة سيارات مشبوهة وردت معلومات عن وجودها في المنطقة.

جدل سياسي.. على وقع المذبحة
وأثارت حادثة مقتل الجنود الموريتانيين في quot;تورينquot; جدلا بين الطبقة السياسية، فقد اعتبرت الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المناوئة للمجلس الأعلى للدولة الحاكم، أن مقتل الجنود يعتبر دليلا على إهمال قادة المؤسسسة العسكرية لدورهم المنوط بهم والمتمثل أساسا في حماية الحدود، واشتغالهم بما لا يعنيهم من الأمور السياسية من خلال استيلائهم على السلطة في انقلاب السادس من أغسطس الذي أطاح بنظام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، حسب رأي القيادي في الجبهة الخليل ولد الطيب.
فيما اعتبر البرلمانيون المساندون للانقلاب تصريحات قادة الجبهة استغلالا لظروف إنسانية، ومزايدة سياسية، مؤكدين أن الجنود قضوا جراء عمل إرهابي، وكان يجب إبعاد القضية عن الصراع السياسي.

وأعلن النائب سيدي محمد ولد محم باسم زملائه المساندين للانقلاب تعليق جميع أنشطتهم مدة ثلاثة أيام حدادا على أرواح الجنود القتلى.

الإعلامي سيد أحمد ولد باب علق لإيلاف على الجدل السياسي قائلا: إنها مأساة حقيقية أن يرى المواطن الموريتاني أبناء مؤسسته العكسرية يذبحون كالخراف كل أشهر، وفي كل مكان من لمغيطي إلى الغلاوية إلى نواكشوط ثم تورين وسط انشغال قادة الجيش في جمع المال والنفوذ وانقسام الطبقة السياسية بين لاهث وراء شرعية لا وجود لها في الواقع ومتخندق وراء قادة جيش هجروا مرابعهم واختاروا بدلها مكاتب الغير الوثيرة ..إنها فرصة لإعادة النظر في العلاقة بين الجيش والسياسة وبين السلفيين وموريتانيا.

سلسلة من المذابح.. والإخفاقات
ويأتي هجوم quot;تورينquot; لتكتمل به أضلاع مثلث الهجمات الإرهابية على الجيش الموريتاني الذي بدأ بهجوم عسكري استهدف حامية quot;لمغيطيquot; العسكرية في أقصى الشمال الموريتاني وراح ضحيته أكثر من خمسة عشر جنديا موريتانيا، وتبنته الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال، في الرابع من يونيو 2005 ولم تتمكن حينها القوات الموريتانية من القبض على الجناة الذي لاذوا بالفرار في الصحراء الكبيرة المشتركة بين مالي والجزائر وموريتانيا.
ثم جاء هجوم الغلاوية الذي لقي فيه ثلاثة جنود مصرعهم في كمين نصبه مسلحون، وتبناه لا حقا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في السابع والعشرين من ديسمبر 2007 ،بعد ثلاثة أيام من مقتل سياح فرنسيين في مدينة ألاك على يد مسلحين اتهمتهم السلطات الموريتانية بالانتماء للقاعدة.

واستطاع المهاجمون في علمية الغلاوية الرجوع إلى معسكراتهم في شمال مالي قبل أن يتحرك الجيش الموريتاني لنجدة الحامية.
ليكتمل المثلث بالهجوم على تورين الذي ما زالت تفاصيل ما وقع فيه غامضة.

ويفسر المراقبون لنشاط الجماعات المسلحة اختيار المناطق الشمالية الموريتانية، بقربها من معسكرات تنظيم القاعدة الموجودة في شمال مالي وجنوب الجزائر، وسعة الصحراء الموريتانية ما يجعها ساحة معركة توفر منافذ عدة للفرار، كما أن كثرة عصابات تهريب المخدرات، والأسلحة يجعل التزويد بالعتاد أمرا بالغ السهولة، ويوفر على المهاجمين نقل معداتهم الثقيلة إلى أرض المعركة، ينضاف إلى ذلك ضعف تكوين عناصر الجيش الموريتاني، وقلة عتاده، وصعوبة وصول الإمدادات إلى المراكز العسكرية النائية، ما يوفر للمهاجمين فرصة الفرار قبل أن يلتقط الجيش أنفاسه.