أشرف أبوجلالة من القاهرة: يبدو أن المثل القائل quot;مصائب قوم عند قوم فوائدquot; ينطبق بحذافيره علي حالة النشوة والزهوة التي تمر بها الآن الدبلوماسية التركية نتيجة للأحداث المأساوية المتلاحقة في قطاع غزة! ورغم أن الربط بين الموضوعين قد يبدو مثيرا للبعض للوهلة الأولى، إلا أن المتابع لمجرى الأحداث والمتمعن في متغيرات الترتيبات السياسية في المنطقة سوف يلحظ ذلك. وهو ما أكدت عليه صحيفة واشنطن تايمز الأميركية في عددها الصادر اليوم من خلال تقرير تحت عنوان quot; أزمة غزة تدعم الدبلوماسية التركيةquot;، وقالت ان الهجوم الإسرائيلي على غزة ربما يحمل بين طياته فوائد لتركيا، فقد ساعد على تعزيز موقفها الدبلوماسي فيما أطلق عليه بعض المعلقين quot;العثمانية الحديثةquot; وهو نفس المعنى الذي هللت له احدى الصحف التركية واعتبرته quot;عصرا ذهبياquot; للدبلوماسية التركية.

وقالت الصحيفة ان الجولة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى المنطقة وزار خلالها كل من سوريا والأردن ومصر قبل أن يختتمها بزيارة للمملكة العربية السعودية يوم السبت الماضي، جاءت مهمة ومحورية لأنها شملت أربعة ممثلين عرب بارزين مهتمين بأزمة غزة بالإضافة لاجتماع جانبي بين احد مساعدي أردوغان الموثوق بهم والقائد الروحي المنفي لحركة حماس، خالد مشعل، في دمشق. وأشارت الصحيفة إلى أن أردوغان يوطد علاقاته بحركة حماس منذ عام 2006 ، حين قام وفد رفيع المستوى من الحركة بزيارة إسطنبول ما تسبب في إثارة غضب حلفاء تركيا في واشنطن وتل أبيب.

ومنذ بدء العمليات العسكرية في قطاع غزة يوم السابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، تحدث أردوغان عبر الهاتف مع القائد السياسي لحركة حماس في غزة، إسماعيل هنية، وظل على اتصال بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقالت الصحيفة انه في الوقت الذي أبرزت فيه أزمة غزة النطاق الواسع للاتصالات التركية، كما قال محللون، فإنها قد حدثت على الأغلب من منطلق الرأي العام الداخلي الغاضب من تزايد معدلات الوفيات في غزة. وقال سينغيز كاندر، المعلق السياسي البارز والذي يرجع إليه الفضل في إطلاق مصطلح quot;العثمانية الحديثةquot;: quot;تأتي تلك الجولة كإيماءة موجهة بشكل أكبر للاستهلاك الداخلي مع دوائره المحلية ولا تمتلك سوى فرص ضئيلة للنجاحquot;.

ويشير مصطلح quot;العثمانية الحديثة quot; إلى التطلعات التركية الرامية لفرض النفوذ في الدول العربية التي كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وأشارت الصحيفة إلى أن قدرة تركيا وحدها على الاتصال بكافة الأطراف الكبرى في المنطقة بالإضافة لعضويتها في حلف شمال الأطلسي، مكناها من لعب دور الوسيط في صراعات المنطقة المزمنة. كما أن تركيا استفادت بشكل خاص من خيبة الأمل الإقليمية في القاهرة بعد رفض مصر فتح حدودها مع غزة من أجل السماح لنزوح سكان غزة الذين يريدون الفرار من القتال. وقد تمكنت تركيا أيضا ً من فرض دبلوماسيتها على نحو كبير في الشرق الأوسط تحت مظلة حزب العدالة والتنمية الحاكم، تلك المنظمة ذات الجذور الإسلامية.

ويدلل الواقع الذي تعيشه تركيا الآن على أنها شهدت عددا كبيرا من التغييرات عما كانت عليه خلال العقود التي تلت انهيار الإمبراطورية العثمانية مطلع القرن الماضي، عندما نبذت الجمهورية العلمانية الجديدة العلاقات مع القوى الإقليمية والغرب الذي واجهها بحزم. ولا يزال يعتبر معارضو الحكومة إيران على أنها تمثل سيناريو مثل الكابوس لما قد تتحول إليه تركيا إذا سلطت الضوء على دستورها العلماني.

وعلى عكس ما كانت عليه في الماضي، بات بامكان تركيا اليوم أن تتدخل للوساطة ما بين الولايات المتحدة وإيران. وقد هللت جريدة quot;حريتquot; التركية بحكومة أردوغان لإشرافها على ما أطلقت عليه quot;العصر الذهبيquot; للدبلوماسية التركية.