طلال سلامة من روما: ما ان بدأت أولى التحركات لمقاطعة المتاجر اليهودية بروما حتى بدأت نيران الغضب تعلو في سماء الساحة السياسية التي تتخذ من روما كذلك عاصمة وطنية ودولية لها. فبعض نقابات العمال هنا تريد دعوة سكان العاصمة، عن طريق إعلانات ورقية وراديوية، الى عدم شراء المنتجات التي يعرضها أصحاب المتاجر اليهود المميزين عن غيرهم باستئثار حصة هامة في سوق المنتجات الفاخرة، كما الألبسة الباهظة والذهب وغيرها. ويأتي ذلك ضمن حملة تعاطف مع الشعب الفلسطيني وإدانة لما يجري من هجوم إسرائيلية على قطاع غزة. هكذا، يعود شبح موسوليني الى روما، بعد أكثر من ستين عاماً على إعدامه. صحيح أن الجالية اليهودية، التي تقطن في حي معروف جداً هنا، سلمية وهي كما غيرها من الجاليات تحتضن الجيد والسيئ، إلا أن انتقام المتشددين اليمينيين والفاشيين بروما، وعددهم ليس قليلاً، قد يكون أعمى كما يحصل تماماً في العدوان الإسرائيلي الغشيم على قطاع غزة، الذي، ان قمنا بقياس امتداده جغرافياً، لرأينا أنه بمساحة حي من أحياء روما. إذن، فان الداعين الى وضع الحظر الشعبي على منتجات اليهود يرون ما يحصل على شاشات التلفزيون كأنه حرباً ضروساً جبانة بالطائرات والبوارج على حي روماني يعاني من اكتظاظ كارثي بالسكان.
بغض النظر عن التيارات المعادية للسامية، المتوغلة في العقائد اليسارية واليمينية معاً، تحافظ روما على خطها الموحد لجمع جميع الثروات الثقافية، ومنها العربية واليهودية، تحت سقف سلمي واحد. لكن الحظر المقترح على متاجر اليهود بروما يعتبر مبادرة غاضبة للتنديد بالجرائم التي تقودها الدولة العبرية ضد مواطنين أبرياء عزل(ان كانوا فلسطينيين أم إسرائيليين). وربما قد يساهم هذا الحظر الاقتصادي في منع مواصلة شراء شحنات أسلحة أخرى فتاكة لن تتأخر حكومة تل أبيب في استعمالها لدى الضرورة.
مع ذلك، فان هذا الحظر المقترح يصطدم بعدة مطبات سياسية. فحاكم إقليم quot;لاتسيوquot; أين تقع العاصمة روما، quot;بيارو ماراتسوquot; المنتمي الى الحزب الديموقراطي اليساري، يخشى أن تكون مقاطعة متاجر أهالي روما من أصل يهودي مبادرة شاذة خارج عصرها. وإلا فنحن سنشهد عودة عصر نازي جليدي وكأن ايطاليا لم تتعلم شيئاً من ماضيها الأسود. كما أن هذا الحظر الاقتصادي يدخل ضمن بصرية حربية لا أهداف لها ولا آفاق. بمعنى آخر، تعتقد الإدارة الإقليمية أن أي حظر من هذا النوع لن يؤازر مأساة الفلسطينيين بغزة إنما سيوسع شق الكره والضغينة بين الجاليات العربية واليهودية محلياً ودولياً. فأي نجاح في الحظر على دخول متاجر اليهود وشراء سلعهم سرعان ما سيمتد الى مدن أخرى بإيطاليا ثم الى أوروبا. هكذا، ستنسى أوروبا قوانينها التمدنية، لا سيما تلك المتعلقة باحترام حقوق المواطنين، لتعتنق ثقافة المواجهات والحرب الطائفية.
التعليقات