ليس هناك حوار مع حماس إلا في حال تخليها عن لاءاتها الثلاث
تعيين ميتشيل ومعضلة التعامل مع قضايا الشرق الاوسط

إيلاف تنشر خطة أوباما للشرق الأوسط

كيف استقبل الشارع العربي تنصيب أوباما

جورج ميتشيل العربي الأميركي يحاول توطين السلام بالشرق الأوسط

جولة ميتشيل للمنطقة هدفها دعم أبو مازن

واشنطن: في كلمتها بعد تنصيبها وزيرة للخارجية الأميركية أعلنت هيلاري كلينتون أمام جمع من موظفي وزارة الخارجية عن رغبتها في تدشين عهد جديد للدبلوماسية الأميركية، بعد فترة من تراجع دور وزارة الخارجية الأميركية في مقابل الدور المتزايد لوزارة الدفاع، والذي كان جليًّا في الإدارة الأولى للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، مركزة على إعادة الاعتبار للمؤسسة الدبلوماسية، وهو ما يؤكد عليه الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، ونائبه جوزيف بايدن. وفي هذا الصدد أُعلن عن تعيين مبعوثين خاصين إلى منطقتين مشتعلتين ومهمتين للأمن والمصلحة القومية الأميركية، هما: رتشارد هولبروك الذي عين مبعوثًا خاصًّا إلى أفغانستان وباكستان، والسيناتور الأسبق جورج ميتشيل مبعوثًا خاصًّا إلى منطقة الشرق الأوسط.

يأتي تعيين جورج ميتشيل مبعوثًا أميركيًّا لمنطقة الشرق الأوسط، اتساقًا مع الدرس الذي تعلمه الرئيس الأميركي الجديد،باراك أوباما، من إدارتي بوش وكلينتون، وهو إخفاقهما في الدفع بعملية السلام بين طرفي الصراع في السنة الأخيرة لهما في البيت الأبيض، ولهذا بدأ أوباما الاهتمام بالصراع في أولى أيامه باختيار مبعوث يتميز بالنزاهة والخبرة في العمل التفاوضي والصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي.


دلالات تعيين ميتشل

يحمل تعيين باراك أوباما لميتشيل مبعوثًا خاصًّا للشرق الأوسط في اليوم الثاني له في البيت الأبيض ndash; الخميس الموافق الثاني والعشرون من يناير الجاري - وفي كلمته بوزارة الخارجية الأميركية رسالتان هامتان. تتمثل الرسالة الأولى في مدى اهتمام باراك أوباما بمنطقة الشرق الأوسط لاسيما الصراع العربي ndash; الإسرائيلي الذي يُنظر إليه على أنه محور كل الصراع والأزمات بمنطقة الشرق الأوسط، وأن حله يكون بداية حل كثير من صراعات المنطقة.

فعن تعيين ميتشيل مبعوثًا خاصًّا للسلام في المنطقة قال آلون ديفيد ميللر في وكالة الأشيدودبرس الأميركية في الثاني والعشرين من يناير الجاري: إن هذا التعيين يعكس رغبة الإدارة الأميركية الجديدة في حل الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، قائلاً :إنه لديه خبرة بالتفاوض في أيرلندا الشمالية ومنطقة الشرق الأوسط، ويعرف ويفهم احتياجات طرفي الصراع.

والرسالة الثانية لتعيين ميتشيل تتمثل في الرغبة لأن يكون الدور الأميركي في الصراع العربي ndash; الإسرائيلي دورًا نزيهًا يبعد عن الانحياز اللامتناهي للممارسات والسياسات الإسرائيلية وإلى جماعات الضغط اليهودية (اللوبي اليهودي) الساعية للتأثير على السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بما يصب في مصلحة إسرائيل باختياره شخصية لا تخضع لتأثير جماعات الضغط، وشخصية حيادية في حل الصراعات لا تميل إلى صف طرف على حساب طرف آخر، وهو ما يؤكده الدور النزيه والمحوري لميتشل في أزمة أيرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت ذات العداوة وسوء الفهم التاريخي. والذي أكد عليه مارتن إنديك، السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب ورئيس مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينجز، الذي قال في صحيفة نيويورك تايمز في الثاني والعشرين من يناير الجاري: quot;إن ميتشل ليس مواليًا لا لإسرائيل ولا لفلسطين، لكنه شخصية محايدةquot;.

اتسم تقرير اللجنة التي ترأسها ميتشيل والصادر في عام 2001 بالاستقلالية والعدالة. فدعا ميتشل في تقريره إلى وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية وإلى وقوف الهجمات الفلسطينية المسلحة على إسرائيل. وفي هذا التقرير انتقد ممارسات حكومة إرييل شارون العدوانية والمتوحشة على المتظاهرين الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية في عام 2000. وما ميز هذا التقرير عدم ترديده لما كانت تنادي به الأوساط الإسرائيلية والجماعات اليهودية الموالية لإسرائيل في واشنطن من أن رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، أراد إشعال الانتفاضة الثانية للتغطية على فشله في مفاوضات السلام. ورأى ميتشل في تقريره أن أولى خطوات عودة مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي وقف إسرائيل بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية .


مهمة ميشيل في المنطقة

تعول كثير من الأوساط داخل واشنطن والمنطقة العربية على ميتشل لإحداث انفراجة في الصراع العربي ndash; الإسرائيلي نظرًا لاهتمامه السابق بتلك القضية، فبعد إخفاق قمة كامب ديفيد في نهاية فترة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود بارك طُلب من ميتشل صياغة مشروع إعادة عملية السلام الفلسطينية ndash; الإسرائيلية. ويرى البعض في ميتشل أنه سيحدث تحولاً في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بما يقلل من الدعم الأميركي اللامتناهي لإسرائيل، وهو ما يثير حفيظة عدد من يهود أميركا والمسئولين في تل أبيب.

وخبرة ميتشيل في التوصل إلى اتفاق سلام في أيرلندا الشمالية تمكنه من تحقيق ذلك في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما دفع أليكس ماسي في مقالة له تحت عنوان Irish Twins في New Republic في الثامن والعشرين من يناير الحالي إلى الربط بين نجاح ميتشل في مفاوضات السلام في أيرلندا الشمالية، وإمكانية نجاح ميتشل في مهمته في منطقة الشرق الأوسط والتوصل إلى صيغة تحل القضايا النزاعية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويعول أليكس في مقالته على قدرة ميتشل في التوفيق بين أراء طرفي الصراع لنجاحه في التوفيق بين طرفي النزاع في أيرلندا الشمالية. فهو ndash; ميتشل - القائل: quot;إن لكل النزاعات حلولاquot;، ومعتبرًا أن هذه النزاعات يصنعها ويواصلها البشر، وهم أيضًا القادرون على وضع حد لهاquot;. ولكن نجاحه في المنطقة قد يحتاج إلى وقت طويل نظرًا لتعقد وتشابك الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي وتتداخل قوى إقليمية فيه، وهذا التشابك والتعقد لم تكن عليه أزمة أيرلندا الشمالية وهو ما مكن ميتشل من النجاح في مهمته هناك.

فتهدف زيارة ميتشيل للمنطقة التي بدأها يوم الأربعاء الماضي لعدد من الدول العربية ذات اتصال مباشر بالصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي (مصر، الأراضي الفلسطينية، إسرائيل، الأردن والمملكة العربية السعودية) للاستماع إلى آراء قادتها لبلورة صورة واضحة عن الصراع ونقلها إلى المسئولين داخل واشنطن لصياغة سياسة أميركية جديدة تجاه الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي خلال الأربع سنوات القادمة.

وتتمثل مهمته بالمنطقة في: تثبيت وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر شهر ديسمبر المنصرم والذي استمر حتى منتصف هذا الشهر، ووقف تهريب الأسلحة إلى حركة حماس، ووقف العمليات المسلحة من جانب طرفي الصراع وفتح المعابر في القطاع استنادًا إلى اتفاق عام 2005، وإعادة ترميم القطاع والعلاقات بين القطاع والضفة وتجميد الاستيطان في موازاة العمل على التوصل إلى اتفاق سلام.

وما سيساعد ميتشيل في مهمته قدرته على التحاور مع أطراف الصراع والتوصل إلى حلول وسط في القضايا محل الصراع، فهو القائل في حوار مع جورزاليم بوست في ديسمبر الماضي (2008): quot;إنه لا يمكن أن يحقق أي من طرفي الصراع مصالحه بتجاهل مصالح الآخر. فالإسرائيليون لن يتمتعوا بالسلام في غياب دولة فلسطينية. والفلسطينيون لن تكون لهم دولتهم إلا في حال تمتع الإسرائيليين بالسلامquot;.


هل من حوار مع حماس ؟

ويرى من يدعون إلى تحاور الولايات المتحدة الأميركية مع حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; وانخراطها في عملية السلام ضالتهم في جورج ميتشل الذي كتب في الهيرالد تربيون عن تجربته كراعٍ لعملية السلام في أيرلندا الشمالية quot;إن انخراط الجماعات المسلحة في عملية السلام يُعد من أحد العوامل الرئيسة للوصول إلى اتفاق سلام، حيث إنه في بعض الوقت يصعب إيقاف الحرب إذا لم نتحدث مع أطرافهاquot;.

ولكن هناك صعوبة بالنسبة للحوار الأميركي مع حركة حماس حيث يُؤكد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، أنه ليس هناك حوار مع حماس إلا في حال تخليها عن لاءاتها الثلاث (لا الاعتراف بإسرائيل، لا الاعتراف بالاتفاقيات السابقة ولا التخلي عن السلاح). وهو ما ردده الأول في كلمته بوزارة الخارجية الأميركية من ضرورة تخلي حماس عن لاءاتها الثلاثة، وتأكيده على الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل والاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد quot;أي تهديد شرعيquot;، والذي يحمل في طياته حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد صواريخ المقاومة الفلسطينية لاسيما حركة حماس التي تصنفها وزارة الخارجية الأميركية على أنها جماعة إرهابية، وهو ما اعترفت به هيلاري قبل جولة ميتشل الشرق أوسطية.

وتتبخر آمال الحوار مع حماس بتعيين هيلاري المبعوث الأسبق للشرق الأوسط في عهد الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون، دينس روس Dennis Ross ضمن فريق وزارة الخارجية، الذي يتبنى موقفًا متشددًا من الحركة وأهدافها ورجالاتها، والرافض لانخراط حماس في أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهو الأمر الذي يعني أن أي تغيير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة وقضاياها لا يرتبط بالمسئولين عن تلك المنطقة فقط ولكن في صورته الكلية يرتبط بباقي أعضاء الإدارة الأميركية داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية والذي لا ينفصل أيضًا عن الكونجرس بمجلسيه وباقي الوكالات الأميركية الأخرى.

مهمة في وقت صعب

تأتي مهمة ميتشل في وقت عصيب، حيث يتصاعد نفوذ قوى الممانعة في مقابل ضعف وترهل دور القوى المعتدلة لاسيما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والحرب الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني في يوليو وأغسطس عام 2006. بالإضافة لقرب موعد الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل (فبراير) بعد العدوان الإسرائيلي على غزة والتي تنذر بحكومة إسرائيلية متشددة، لاسيما في وقت يكثر فيه الحديث داخل إسرائيل عن الإخفاق في تحقيق الأمن للمواطن الإسرائيلي، وما يزيد من صعوبة الوقت حالة الانقسام الفلسطيني ndash; الفلسطيني وبالتحديد بين حركة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية وحركة حماس التي تسيطر بالقوة على قطاع غزة منذ منتصف العام قبل الماضي، ناهيك عن الانقسام العربي ndash; العربي.

تلك البيئة التي سيعمل فيها ميتشل ستفرض عليه كثيرًا من التحديات، وربما ستؤدي إلى إخفاق المهمة المرسومة والمتوقعة لميتشل في المنطقة، وبالتحديد في الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، مبددًا حُلم اتفاق يوم quot;الجمعة العظيمةquot; في منطقة الشرق الأوسط برعاية جورج ميتشل.

سياسي ومفاوض مخضرم

ولد ميتشل في عام 1933 بواترفيل بولاية مين، وهو من أصول عربية فأمه quot;ماري سعدquot; من المهاجرين اللبنانيين هاجرت إلى الولايات المتحدة وعمرها 18 عامًا، أما أبوه فذو أصول أيرلندية، وكان يعمل حارسًا لكلية كولبي.

وقد تخرج ميتشل في جامعة بوودين، حيث كان يلعب في فريقها لكرة السلة، في عام 1954، وحصل على درجة القانون في جامعة جورج تاون العريقة في عام 1960. وما بين عامي 1954 و1960 تطوع ميتشل في الجيش الأميركي.

ولميتشل خبرة بالعمل السياسي بجانب القضائي، فقد عينه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مدعيًّا عامًّا لولاية quot;مينquot; من عام 1977 إلى 1979، ثم شغل ميتشل بعد ذلك منصب قاضٍ فيدرالي إلى أن عيَّنَه حاكم مين جوزيف برينان في مجلس الشيوخ الأميركي عام 1980 بعد استقالة أدموند موسكي Edmund Muskie، الذي كان من كبير أعضاء حملته الانتخابية ومساعديه، ليشغل منصب وزير الخارجية. وقد فاز ميتشل في انتخابات عام 1982، وأصبح زعيم الأغلبية بمجلس النواب بنسبة عالية تقدر بـ 81% إلى عام 1995، وتجدر الإشارة إلى أنه أعيد انتخابه في عام 1988، غير أنه فضل عدم الترشح لولاية ثالثة عام 1994.

وبعد تركه المنصب التشريعي في عام 1994 عرض عليه الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، تعينه في المحكمة الدستورية العليا، التي تنظر في المسائل الدستورية والتي تعد من أقوى المؤسسات القضائية بل أعلاها داخل الولايات المتحدة، لكن ميتشل رفض مفضلاً العمل في برامج الرعاية الصحية التي كانت محل اهتمامه وهو في الكونجرس.

وقد لمع اسم ميتشل على الساحة السياسية الأميركية والعالمية بعد دوره المحوري في التوصل إلى اتفاق سلام في عام 1998 الذي أنهى أزمة أيرلندا الشمالية، تلك الأزمة التي اتسمت بالتعقد والتشابك لتداخل أبعادها. فبعد عام من تركه منصبه التشريعي ورفضه منصبًا بالمحكمة الدستورية العليا عينه الرئيس الأميركي الأسبق، كلينتون، مبعوثًا خاصًّا إلى أيرلندا الشمالية في عام 1995.

وقد نجح ميتشل في مهمته بعد ثلاث سنوات من جهود مضنية وشاقة وزيارات واتصالات شخصية ورسمية مع طرفي الصراع بالتوصل إلى اتفاق سلام يسمى quot;يوم الجمعة العظيمةquot; في عام 1998. ولجهوده في التوصل إلى اتفاق سلام في أيرلندا الشمالية حصل ميتشل على الميدالية الرئاسية للحرية، وهي أعلى وسام أميركي يُمنح للمدنيين، في عام 1999.

وفي منطقة الشرق الأوسط لمع هذا الاسم بعد رئاسته لجنة رئاسية للبحث في القضية الفلسطينية ndash; الإسرائيلية والتي أصدرت تقريرًا يحمل اسمه في عام 2001، والذي نادى فيه تل أبيب - مع الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها - بوقف بناء المستوطنات، ومطالبًا الفلسطينيين بوقف الأنشطة المسلحة أيضًا.