أثار منح الرئيس باراك أوباما جائزة نوبل للسلام لعام 2009 تقديرًا لجهوده الإستثنائية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب تساؤلات داخل الولايات المتحدة وخارجها حول ما إذا كان أوباما يستحق الجائزة، وتساؤلات حول المعايير التي تم اختيار أوباما لنيل الجائزة وفقًا لها.

في التقرير التالي نعرض للرؤى والاتجاهات العامة للرأي العام الأميركي تجاه الرئيس باراك أوباما في ظل تجليات فوزه بجائزة نوبل قبل أسبوع من اليوم.

إرتفاع التأييد بعد نوبل

يلاحظ أنه وفقًا لاستطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة جالوب مؤخرًا، يأتي منح جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس باراك أوباما في الوقت الذي يقل فيه تأييد الأميركيين لأدائه العام كرئيس للولايات المتحدة، حيث يصل إلى 53% فيما يخص تعامله مع الشؤون الخارجية الذي يتعادل مع، أو هو أعلى بقليل من التأييد لأدائه في المجالات الداخلية الأخرى.

ويشير تقرير لمؤسسة جالوب، بتاريخ 9 من أكتوبر2009 اعتمادًا على استطلاع للرأي قامت به إلى أن هناك دلائل تؤكد على أن الأميركيين توقعوا تحولاً في صورة الرئيس الأميركي دوليًا مع تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة. فقد وجدت استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة جالوب في فبراير 2009 أن 67% من الأميركيين يقولون: quot;قادة الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم يحترمون باراك أوباماquot;، مقارنةً بـ24% قالوا الكلام ذاته في العام الماضي بشأن الرئيس بوش. و45% من الأميركيين يقولون إن الولايات المتحدة الأميركية قوبلت بالإيجاب من جانب دول العالم، دون تغيير يذكر عن العام السابق (43% عام 2008). وأشار التقرير إلى أن استطلاع الرأي الذي قامت به مؤسسة جالوب في جميع أنحاء العالم هذا العام أظهر زيادة التأييد لـ quot;قيادة الولايات المتحدةquot; في عدد من البلدان مقارنة بالعام الماضي.

وفي أعقاب الإعلان عن الفوز أشار استطلاع لمؤسسة جالوب إلى أن هناك زيادة طفيفة في الدعم المقدم له بعد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل للسلام يوم الجمعة الماضية. فقد ارتفع معدل تأييده إلى 56%، وذلك بعد أن كان 50% في الأسبوع الماضي و53% قبل ثلاث أيام من فوزه بنوبل.

إلا أن الاستطلاع أكد صعوبة التكهن بمدى الفترة التي يمكن لأوباما من خلالها الحفاظ على هذه القوة الدافعة الإيجابية التي حصل عليها في الأيام القليلة الماضية، خاصة بعد تحول انتباه الرئيس والشعب عن دهشة الفوز إلى المناقشة التشريعية بشأن إصلاح التأمين الصحي، وقرار الإدارة حول ما يجب القيام به بعد ذلك في أفغانستان. وأشار إلى أن تحسن معدل تأييد أوباما من 50% في مطلع الأسبوع الماضي جاء من جانب المستقلين والجمهوريين. واحتمال بقائهم على الولاء للرئيس ضعيف. حيث إن معدل دعم الديمقراطيين لم يتغير بعد إعلان جائزة نوبل يوم الجمعة الماضي.

أسباب فوز أوباما بنوبل

تباينت الآراء حول أسباب فوز أوباما بجائزة نوبل، رغم الحيثيات التي أعلنتها لجنة الاختيار. فقد عرض جون فيفر تحت عنوانquot; نحو نوبل أفضل quot; في دورية وهي مشروع تابع لمعهد الدراسات السياسية أن لجنة الاختيار حرصت على التأكيد على أنهم منحوا الجائزة استنادًا إلى ما سبق أن فعله الرئيس، والذي يدور حول التزامه بالقضاء على الأسلحة النووية، والتحول الذي شهدته سياسة الولايات المتحدة بشأن التغيرات المناخية. وكانت هناك أيضًا كلمته التي ألقاها في القاهرة والتي مثلت بداية مختلفة نحو العالم الإسلامي، أكدت تفهم الحكومة الأميركية الجديدة لرؤية العرب والمسلمين للعالم، وأخذها في الاعتبار للانتقادات التي يوجهها العرب والمسلمون إلى سلوك الولايات المتحدة وسياستها.

ورأى ريتشارد كوهين تحت عنوان quot; جائزة نوبل بالنسبة لنا quot; في صحيفة واشنطن بوست ndash; أن لجنة الإعلان عن جائزة نوبل لم تذكر جورج بوش بالاسم، غير أنها امتدحت أوباما الذي لا يشبه بوش، وذلك من خلال التأكيد على مفاهيم سياسته المحورية: quot;الدبلوماسية المتعددة الأطراف استعادت موقعًا مركزيًا. الحوار والمفاوضات هي الوسيلة الفضلى. بفضل مبادرة أوباما، تلعب الولايات المتحدة الآن دورًا أكثر إيجابيةquot;. وكتب يوجين روبنسون في واشنطن بوست أيضًا بعنوان quot;السقف العالي لأوباماquot;، أن أوباما انتهج سياسة خارجية أميركية مختلفة عن جورج دبليو بوش، فهو لديه تصور مختلف للقيادة الأميركية في ظل عالم مترابط ومتعدد الأقطاب. وهو مما يعني أن الجائزة تشجع كفة الخيارات الدبلوماسية والسلمية على كافة الخيارات العسكرية.

كما رأى يوجين أن أوباما قد أخذ على عاتقه إنقاذ النظام المالي في الولايات المتحدة، وعلى المدى الطويل إعادة هيكلة الاقتصاد. كما أنه أطلق مبادرات تاريخية لإحداث ثورة في الرعاية الصحية، وسياسة الطاقة. وقد ذكر صراحة إبان حملته الانتخابية بأنه يريد أن يذكره التاريخ كرئيس التحول.

تحديات تفرضها نوبل للسلام

بدايةً، نُشير إلى أن أوباما الرئيس الأميركي الثالث الذي يفوز بجائزة نوبل أثناء الخدمة، بعد الرئيسين ثيودور روزفلت عام 1906 وذلك للدور الذي لعبه في الوساطة بين روسيا واليابان لإنهاء الحرب. ووودرو ويلسون عام 1919 لجهوده في نشر السلام والتنمية. وعادة ما تقدم الجائزة نتيجة للإنجاز الذي حققه صاحبه، غير أن هذه المرة الجائزة تمنح لرئيس في مقتبل العمر 48 عامًا، وهو ما يبدو نوعًا من التشجيع من قبل لجنة نوبل نحو بذل مزيدٍ من الجهد في المستقبل في هذا الصدد. إلا أنه سرعان ما لاح في الأفق ما تضعه الجائزة من عبء سياسي على أوباما خاصة في ظل الحملة الشرسة التي يواجهها من قبل الجمهوريين، والذين يدعون بأنه يبحث عن التأييد الدولي أكثر من الدفاع عن المصالح الأمنية للولايات المتحدة الأميركية. وأن فوزه جاء بسبب مهارته الخطابية. ونشير في هذا الصدد إلى ما قاله مايكل ستيل رئيس الحزب الجمهوري معلقًا على الإعلان عن فوز أوباما بالجائزة quot;السؤال الحقيقي الذي يسأله الأميركيون عما حققه أوباما بالفعلquot;.

وهو ما يسترعي الانتباه نحو جدول أعمال الإدارة الأميركية، فيما يخص عددًا من القضايا الشائكة، مثل إغلاق معتقل خليج جوانتنامو، وتقليص الحرب في العراق، وأيضًا إشكالية الوجود الأميركي في أفغانستان، والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وهي كلها قضايا مطروحة على طاولة المفاوضات ولم تحسم بعد.

فتأتي جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي يراجع فيه أوباما استراتيجية الحرب في أفغانستان. وتنامي بعض الاتجاهات التي تنادي بإرسال مزيد من القوات وهو ما قد يحد من خيارات الرئيس في هذا الصدد، مع الأخذ في الاعتبار رؤيته للحرب في أفغانستان على أنها quot;حرب الضرورةquot;. أيضًا في ظل محاولاته لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وهو ملف حاز قدرًا من الأهمية لدى أوباما منذ مجيئه. فالجهود التي يبذلها مبعوثه الخاص إلى المنطقة جورج ميتشل لإعادة إحياء مفاوضات السلام تصطدم بعديدٍ من العراقيل.

من ناحية أخرى، القلق من تصريح الجنرال إيريك اتش. هولدر باحتمال عدم القدرة على الوفاء بالموعد النهائي المحدد في يناير القادم لغلق معتقل خليج جوانتنامو. إضافة إلى ذلك، الوفاء بخروج القوات الأميركية من العراق.

على الجانب الآخر، رأى ريتشارد كوهين في مقاله السابق الإشارة إليه أن فوز أوباما بالجائزة هو فوز للشعب الأميركي الذي انتخبه، وجاء به ليحقق رؤيته التي حازت اهتمام وتقدير العالم. ويؤكد هذه المسؤولية التي يحملها أوباما في ما أشار إليه توماس فريدمان في نيويورك تايمز بعنوان quot; جائزة حراس السلام quot;، حيث عرض أن الرئيس تعامل بكياسة بقبوله الجائزة ليس لنفسه ولكن كتأكيد على القيادة الأميركية نيابة عن التطلعات التي تحملها الشعوب في جميع الدول.

ومن ثم فإن أوباما يفتح باب الأمل لحقبة يسودها السلام فجر آمالها منذ اللحظة الأولى لانتخابه وشعاره الذي رفعه بالتغيير الذي تلهث وراءه شعوب العالم للخلاص من ويلات المشكلات التي يواجهها في اللحظة الراهنة.