بدأت تلوح عشية الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في أفغانستان المزمع إجراؤها في السابع من نوفمبر القادم بوادر فقدان السيطرة على الوضع في البلد. فإن الهجومين على مبنى ممثلية الأمم المتحدة وفندق كابول الذي يعتبر نزلاؤه بصورة أساسية من الأجانب، يرغمان على تذكر احلك فترات العراق.

كابول: في أغسطس عام 2003 جرى تفجير مقر مفوضية المنظمة الدولية في بغداد. وأسفر هذا العمل الإرهابي عن مصرع السفير رئيس المفوضية و10 أشخاص آخرين. وكشف هذا الاعتداء عجز سلطات الاحتلال الأميركية عن مواجهة العنف، وشكل نقطة انطلاق الحرب الإرهابية التي عمت البلاد على مدى السنوات الثلاث التالية. وبدأ الوضع يستقر في عام 2006 بعد قرار زيادة عدد أفراد القوات الأميركية. ومنذ عام 2007 تسنى للقوات الأمريكية والعراقية على العموم السيطرة على الوضع، وبالرغم من أنه ليس مثاليا على الإطلاق، إلا أن العنف انخفض.

وفي أفغانستان تواجه الولايات المتحدة الآن نفس المعضلة. وأبح قائد القوات الجنرال ستينلي ماكريستال طرفا في خلاف سياسي، بعد تشكيكه علنا بعدم صواب استراتيجية البيت الأبيض بشأن أفغانستان، ودعوته إلى إرسال تعزيزات ملموسة إلى الجبهة. إلا أنه يشغل بال الكثيرين سؤال رئيسي: هل تثبت الاستراتيجية بشأن العراق جدواها في أفغانستان؟

ويقول ماكريستال عمليا، إنه من المستحيل ربح الحرب بالاقتصار على الوسائل العسكرية. ويعترف بأنه لدى quot;طالبانquot; احتياطي لا ينفد لإمداد صفوفها. ويرى الجنرال أن التعزيزات ضرورية كما في العراق، للارتقاء بمستوى الأمن والاستقرار بشكل عام. ومع ذلك من الضروري فيما بعد الرهان على إعداد القوات المحلية، ونقل مهمات صيانة النظام إليها تدريجيا.

وأجل البيت الأبيض البت في القضية، متذرعا بعدم وجود quot;شريك مسؤولquot; في كابول. وهذا شكليا، موقف لا شائبة فيه، ولكنه يربط عمليا مشكلة صعبة للغاية بأخرى، لا حل لها تقريبا. وتحولت انتخابات الرئاسة إلى فخ لمنظميها، وأما الجولة الثانية التي أعلنت، فتهدد بتفجير الوضع. أولا ـ لأنه لا يوجد من يستطيع الوعد بأن الاقتراع في نوفمبر سيكون نزيها. وثانيا ـ لا مفر من استقطاب المجتمع الأفغاني. فتحصل حركة quot;طالبانquot; في شخص عبد الله عبد الله ممثل الشمال اللابشتوني على حجة دعائية، بأن المحتلين يحاولون فرض رجل عميل على الشعب الأفغاني.

والأسوأ يتلخص في أنه لن يتسنى في كافة الأحوال، تكرار quot;السيناريو العراقيquot; في أفغانستان. فالعراق دولة منظمة أكثر بكثير، وحتى في فترة تصاعد العنف الإرهابي هناك، كان مفهوما على أي quot;أزرارquot; يمكن الضغط، ومع من يمكن التفاوض.

بينما في أفغانستان لا يوجد هذا، وتدريب قوى الأمن المحلية، يعني إعداد كوادر مؤهلة quot;لطالبانquot;. وإن الوسط الأفغاني الباكستاني quot;الوحلquot; (المتخلف)، لا يتيح بلورة وتنفيذ أي استراتيجية. وبدونها تواجه واشنطن مصاعب متنامية، بما في ذلك في علاقاتها مع الحلفاء الأوروبيين. ومن الممكن تشبيه الحربين الأميركيتين بحرب فيتنام ـ ففي حالة العراق لا تزال النتيجة النهائية غامضة رغم إفلاح الولايات المتحدة في تغيير الوضع. وفي أفغانستان لم تظهر ملامح هذا التغيير حتى الوقت الحاضر.