تكمن خطورة حادث فورت هود في نقاط عدّة أهمها أنها أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل الجنود المسلمين والعرب داخل الجيش الأميركي، ومدى ولائهم للولايات المتحدة الأميركية باعتبارهم مواطنين أميركيين قبل أي شيء. كما أثار الحادث لدى الأميركيين من ذوي الأصول العربية والإسلامية في المجتمع الأميركي هواجس كثيرة من أن تقوم بعض التيارات باستغلال هذا الحادث لتأليب الرأي العام الأميركي ضدهم، خاصَّة في ظل اتجاه بعضهم إلى تكييف الحادث على أنه حادث إرهابي من ناحية أخرى.
واشنطن: أضحى الطبيب النفسي في الجيش الأميركي الميجور نضال مالك حسن الذي ينحدر من أصول عربية إسلامية ndash; والذي كان مقررًا إرساله إلى أفغانستان نهاية الشهر الجاري ndash; حديث وسائل الإعلام الأميركية، بعد قيامه الأسبوع الماضي بإطلاق النار على مجموعة من الجنود الأميركيين في قاعدة فورت هود، وهو الحادث الذي أسفر عنه مقتل اثني عشر جنديًّا، فضلاً عن إصابة حوالى أربعين آخرين.
مستقبل المسلمين والعرب في الجيش
أعدت ليز هالوران تقريرًا لإذاعة quot;NPRquot; أشارت فيه إلى أنَّ الميجور نضال التحق بالجيش الأميركي في عام 1997، وأن أصوله ترجع إلى أب فلسطيني هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية. وأشار التقرير إلى أنه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 تغيَّر المناخ داخل القوات المسلحة الأميركية بالنسبة إلى الأميركيين من أصول عربية وإسلامية، وهذا ما أكدته عائلة نضال، حيث ذكرت أنه بعد وقوع أحداث أيلول/سبتمبر بدأ كثير من الأطباء العاملين داخل الجيش الأميركي ndash; مثل الميجور نضال ndash; الشكوى من تعرضهم لكثيرٍ من المضايقات باعتبارهم مسلمين.
ولفتت هالوران الانتباه إلى أنه في مواجهة مثل هذه المضايقات، ومع انغماس القوات المسلحة الأميركية في حربين في الشرق الأوسط (العراق وأفغانستان)، بُذلت كثير من الجهود على مستوى عالٍ داخل أروقة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) من أجل الإبقاء على الجنود الأميركيين من أصول عربية وإسلامية ضمن القوات المسلحة الأميركية، واجتذاب مزيدٍ منهم للانضمام إلى الجيش الأميركي، من خلال مزيد من الحوافز المادية وغيرها من الامتيازات. كما تم اتخاذ عديد من الإجراءات التي من شأنها احترام معتقدات المسلمين الدينية. فتم افتتاح كثير من الغرف المخصصة لصلاة المسلمين داخل الأكاديميات العسكرية، كما تم انتداب كثير من أئمة المساجد لخدمة المسلمين داخل الجيش، وقامت بعض القواعد العسكرية باعتبار أعياد المسلمين محل اهتمام وتقدير من جانبهم. ففي سبتمبر الماضي أعد البنتاغون حفل إفطار رمضاني كبير حضره حوالى 140 شخصًا.
وانتقل التقرير إلى رصد أحوال بعض الأميركيين من أصول عربيّة وإسلاميّة داخل الجيش الأميركي، حيث أشارت هالوران إلى أنه على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول عددهم داخل الجيش الأميركي، فإن بعض الخبراء العسكريين يُقدر عددهم بحوالى عشرة آلاف عنصر، إلا أن المصادر الرسمية داخل الجيش تُشير إلى أن عدد هؤلاء لا يتجاوز أربعة آلاف عنصر، وكثير منهم أعلنوا تأييدهم الكبير للجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان.
وعرض التقرير لأحد النماذج داخل الجيش الأميركي ويدعى أحمد شمه، والذي انضم إلى قوات المارينز عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، حيث أكد أنه في بعض الأحيان كان يشعر بأنه يعامل كغريب لا ينتمي إلى المكان الذي يخدم فيه، نتيجة فوبيا العداء للإسلام التي انتشرت في الجيش الأميركي عقب أحداث أيلول/سبتمبر، حتى إن أحد المدربين له في أحد معسكرات التدريب نعته بـquot;إرهابيquot; ينتمي إلى تنظيم القاعدة.
كما أن شعورًا بالاغتراب بدأ يتسرب إلى الجنود الأميركيين من أصول عربية وإسلامية، نتيجة عدد من الحوادث التي وقعت بعد أحداث أيلول/سبتمبر، منها قيام بعض الجنود الأميركيين بتمزيق نسخة من القرآن في معتقل غوانتانامو. إضافة إلى التصريحات التي أطلقها الجنرال وليام بويكن والتي أكد فيها أن quot;الإسلاميين الراديكاليين يكرهون الولايات المتحدة لأن الأميركيين أمة مسيحيةquot;. هذه التصريحات جعلت شمه يُؤكد أنه لا يجد كلمات يصف بها شعوره حيال وصف المسلمين ومعتقداتهم بمثل هذه الصفات، وقيام القوات الأميركية باقتحام كثيرٍ من المساجد وتدنيسها. فضلاً عن تعرض القرآن للإهانة والتمزيق على أيدي القوات الأميركية.
وفي مقابل مثل هذه الاعتقادات السلبية تجاه الجنود من ذوي الأصول العربية والإسلامية، عرض التقرير لأحد الأمثلة الإيجابية لهؤلاء الجنود الذين ضحوا بأنفسهم من أجل زملائهم الآخرين، وهو مايكل منصور أحد أفراد القوات البحرية ، والذي توفي في العراق عام 2006 في سبيل إنقاذ ثلاثة من زملائه الجنود، ونتيجة لهذا العمل قلده الجيش الأميركي ميدالية شرف.
ثم ينتقل التقرير إلى مناقشة مستقبل وجود الجنود الأميركيين من ذوي الأصول العربية والإسلامية داخل الجيش الأميركي، فمع تعقد الأوضاع بالنسبة إليهم داخل الجيش، وفي ظل حقيقة انغماس الولايات المتحدة في حربين في منطقة الشرق الأوسط ذات الغالبية المسلمة، في هذه الحروب تحتاج الولايات المتحدة إلى جهود هؤلاء الجنود، لأنه لا يمكن أن تحارب في مثل هذه المعارك ndash; على حد قول أحد المسؤولين داخل الجيش ويدعى الكابتن إيريك رحمان من دون أشخاص يتقنون لغات دول منطقة الشرق الأوسط وعلى دراية كبيرة بثقافة شعوبها. ولذلك فإن الحادث الأخير في قاعدة فورت هود قد يؤدي إلى تراجع كثير من الأميركيين ذوي الأصول الإسلامية والعربية عن الانضمام إلى القوات المسلحة الأميركية.
صلات نضال بتنظيم القاعدة
من جانبه، أعدّ لوي دوبس حلقة خاصة في برنامجه quot;LOU DOBBS TONIGHTquot; ndash; الذي يذاع على شبكة quot;CNNquot; الإخبارية ndash; عن الصلات التي ربطت الميجور نضال بتنظيم القاعدة، حيث استهل البرنامج الحلقة بالقول إن هناك عديدًا من التقارير التي أفادت بعلم الجهات الحكومية ndash; خاصة وحدة التحقيقات الفيدرالية - المختصة منذ أشهر بصلات الميجور نضال ببعض الجماعات الإرهابية. حيث كشفت المباحث الفيدرالية مجموعة من التعليقات التي نشرها على بعض مواقع الإنترنت يمتدح فيها الأشخاص الذين يقومون بعمليات وتفجيرات انتحارية ndash; على حد وصف مقدم البرنامج ـ. كما كانت وكالات الاستخبارات الأميركية على دراية بمحاولات الميجور الاتصال ببعض العناصر الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، بما فيهم الإمام الأسبق لمركز دار الهجرة الإسلامي بولاية فيرجينيا quot; أنور العولقيquot;.
وفي هذا السياق، أشار تقرير أعده بريان تود للبرنامج إلى أن إمام المركز الشيخ العولقي كان قد خضع للعديد من التحقيقات الفيدرالية خلال حقبة التسعينيات حول علاقاته ببعض التنظيمات الإرهابية، ولكن لم يتم إثبات أيٍّ من التهم ضده، كما تم ذكر اسمه في تقرير اللجنة التي كلفت بالتحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. حيث أكد التقرير أن العلاقي كان قد حاول تطوير علاقات مقربة مع بعض المتهمين بالضلوع في هجمات سبتمبر، إلا أن تقرير اللجنة أشار إلى أنه ليس من المؤكد علاقته باثنين من الخاطفين للطائرات التي نفذت هجمات سبتمبر، ولكن الخبراء الأمنيين يصنفونه على أنه إسلامي راديكالي متطرف.
ومن ناحية أخرى، أكَّد دوبس أنه،إضافة إلى الصلات المحتملة بين الميجور نضال مالك حسن وعناصر من تنظيم القاعدة، فإن هناك عددًا من التقارير التي أفادت أنه قبيل إطلاق النار مباشرة نطق بالعربية عبارة quot;الله اكبرquot; وبعدها أطلق النار على زملائه، إضافة إلى قيامه بتوزيع نسخ من القران الكريم على جيرانه في صباح يوم إطلاق النار. كما أفادت هذه التقارير أيضًا إلى أنه في الفترة الأخيرة، عبّر في مناسبات عديدة عن غضبه من الحرب الأميركية في كل من أفغانستان والعراق. فضلاً عن تعليقاته العديدة المناهضة للولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق نقل التقرير عن أحد زملائه خلال فترة الدراسة أن الميجور نضال كان يعتبر نفسه مسلمًا في المقام الأول، وأميركيًا في المقام الثاني.
تعليقات رسمية حذرة
وعن موقف الإدارة الأميركية وخاصة الرئيس باراك أوباما، أكد البرنامج أن الرئيس أوباما كان شديد الحذر في تعليقه على الحادث، حيث وصف أوباما الحادث بأنه حادث عنف، ولم يستخدم وصف quot;الإرهابquot;، واتبع الأسلوب ذاته عددًا من القادة والمسؤولين في وسائل الإعلام، وهو ما اعتبره دوبس ربما يكون التزامًا منهم بالموقف الرسمي للإدارة الأميركية.
وعلى هذا الصعيد، قال بروك بالدوين في تقريره للبرنامج أنه منذ وقوع الأحداث في الأسبوع الماضي تم الكشف عن عديد من التفاصيل التي تؤكد وجود نية متعمدة لدى الميجور نضال للقيام بهجومه، إلا أن وزارة الدفاع لا تزال مترددة في استخدام وصف quot;الإرهابquot; لوصف الحادث، وهو ما وضح من تصريح الجنرال جورج كاسي الذي دعا فيه كل الجنود الذين لديهم أي معلومات حول الحادث بأن يدلوا بها لقسم التحقيقات داخل الجيش ووحدة التحقيقات الفيدرالية. كما لم يذكر الجنرال روبرت كون كلمة إرهاب في تعليقه على الحادث.
وفي تقريره أيضًا تساءل بالدوين حول الدوافع وراء قيام الميجور نضال بإطلاق النار على زملائه، ولذلك أشار إلى أن تعريف وزارة الدفاع لمفهوم الإرهاب يدور حول quot;استخدام متعمد للعنف بصورة غير قانونية أو التهديد باستخدام العنف غير المبرر قانونًا من أجل إشاعة الخوف في الحكومات أو المجتمعات من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية أو الدينية أو الأيديولوجيةquot;. ولتوصيف مثل هذا الحادث باعتباره حادثًا إرهابيًا أو أنه ليس كذلك، لا يزال محققو الجيش ووحدة التحقيقات الفيدرالية يبحثون عن دوافع الميجور نضال لإطلاق النار، للوصول إلى التكييف القانوني السليم.
وعرض البرنامج لوجهة نظر المحلل المحافظ جيمس كارافانو الباحث في مؤسسة التراث quot;The Heritage Foundationquot; الذي أكد أن الرفض الرسمي لوصف الحادث بالإرهابي يثير كثيرًا من علامات الاستفهام حول إغفال السلطات لمجموعة المؤشرات التي عبرت عن احتمالية قيام الميجور نضال بما أقدم عليه من إطلاق للنار في القاعدة العسكرية، ومن ثم إمكانية أن يتم تفادي وقوع هذا الحادث، لو أن السلطات قد أخذت هذه المؤشرات على محمل الجد.
ومن جانبها تناولت شبكة quot;CBSquot; في تغطيتها المفصلة لحادث إطلاق النار تأكيد السيناتور المستقل عن ولاية quot;كونيكتيكيتquot; جوزيف ليبرمان رئيس لجنة الأمن الداخلي في المجلس الشيوخ على أنه سيطالب بالتحقيق في ما تناولته بعد التقارير حول قيام الجيش بإغفال عدد من الأدلة والمؤشرات التي كانت تنبئ بتبني الميجور نضال لبعض الآراء المتطرفة للأيديولوجية الإسلامية. وأكد التقرير أن مطالبة السيناتور جاءت بعد التسريبات التي أفادت بأن نضال كان يتردد على المسجد ذاته الذي كان يذهب إليه اثنان من المتهمين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ومن جانبه، أكَّد مراسل الشبكة بوب أور أن فحص الكمبيوتر الخاص بنضال كشف عن قيامه بزيارة عدد من المواقع الإلكترونية الراديكالية التي تتبنى رؤية متطرفة للإسلام. ولكن على الرغم من ذلك فإن كل الشواهد تدل على أنه عمل بمفرده، ولفت أور الانتباه إلى أن هناك خلافًا بين المسؤولين حول التكييف القانوني للحادثة، بمعنى هل سيتم توجيه التهم له طبقًا لقوانين الإرهاب الدولي الفيدرالية، أم طبقا للقانون العسكري بتهمة القتل؟
فطبقًا لقوانين الإرهاب لا بدّ منأن تتوافر دلائل حول أن دوافعه انبثقت من تأثره بفكر الجماعات الإرهابية، أو أنه تأثر مباشرة بإيديولوجية إرهابية متطرفة. وفي هذا السياق يؤكد التقرير أن هناك كثيرًا من الأدلة التي تفيد بتأثره بالأيديولوجية الجهادية العالمية، وقد نقل التقرير عن زملائه في الجيش أنه اعتبر أن الحرب الأميركية ضد الإرهاب هي حرب ضد الإسلام، كما أنه لم يكن قادرًا على فعل أي شيء حيال إرساله إلى أفغانستان، والذي كان مقررًا له أواخر هذا الشهر.
التعليقات