تكتب هالا اسفندياري، التي سجنت في ايران بتهمة التخطيط لاسقاط النظام والتآمر مع الولايات المتحدة، عن تجربتها في السجون الإيرانية ومحنتها التي تحولت الى قضية دولية.
خضعت هالا اسفندياري، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز quot;ودرو ولسنquot; الاميركية، ذات الأصل الايراني، للاستجواب على امتداد ثمانية اشهر تقريبا منها زهاء اربعة أشهر داخل سجن ايفن سيء الصيت في طهران، وفي في عام 2007 ابلغت المخابرات الايرانية كل ما تعرفه. وخلال هذه الفترة شرحت الهيكل التنظيمي لمركز ولسن، وقدمت اسماء اعضاء مجلسه واوضحت طبيعة عملها في تنظيم المؤتمرات. وترجمت مجلدات من المواد المأخوذة من موقع المركز الالكتروني الى الفارسية، الا انه كان حوارا للطرشان.
كانت اسفندياري تعرف البيروقراطي الذي كُلف بمتابعة قضيتها باسم جعفري، ومديره الخبيث صاحب الكلام المعسول بلقب حاج اغا الايراني. وتكتب اسفندياري في مذكراتها quot;سجني، بيتيquot;، ان هذان الرجلان كانا واثقين من ان ابنة العالم النباتي المرموق والأم النمساوية، ذات السبعة وستين عاما، شخصية رئيسية في مؤامرة اميركية لاسقاط النظام الايراني.
وكانا يعتقدان ان اجاباتها عن اسلئتهما مراوغات، وما كانا يريدان معرفته هو مخطط المؤامرة بتفاصيلها الدقيقة. طلبا منها ان تتحدث عن لقاءات لم تعقد واشخاص لم تلتق بهم قط، وكانا يطرحان عليها الأسئلة نفسها بترتيب مختلف، بتكرار ممل آملين ان يضبطانها متلبسة بالكذب. قالوا لها انها لا تتعاون وبالتالي فان المحققين لن يكفوا عن استجوابها، كان بمقدورها ان تنهي هذا العذاب بتلفيق قصة ترضيهم، ولكن بادانة نفسها وآخرين.
تذكر اسفندياري انها توجهت الى طهران لقضاء عطلة اعياد الميلاد مع امها الطاعنة في السن، ولم تدرك وقوعها في مصيدة صراعين بشعين إلا بعد مسرحية سطو مسلح من اخراج المخابرات الايرانية ومصادرة جوازيها الاميركي والايراني ومداهمة منزل واالدتها، وعدة اسابيع من الاستجواب في quot;مكتب جوازاتquot; مزيف.
كان الصراع الأول الحرب الباردة التي تخوضها الجمهورية الاسلامية منذ نحو 30 عاما مع الولايات المتحدة، والثاني معركة النظام مع المعارضة في الداخل، اذ اصبحت الاستخبارات الايرانية على اقتناع بأن علاقة تربط هذين العدوين. فالمعارضة الداخلية تتحدث لغة الديمقراطية والمجتمع المدني التي تتناغم بشكل مريب مع اجندات مؤسسات مثل quot;معهد المجتمع المدنيquot;، وكان المتشددون في نظام الحكم يربطون مثل هذه المؤسسات بحركات معارضة اطاحت انظمة شمولية في صربيا وجورجيا واوكرانيا.
في وقت كانت ادارة بوش لا تخفي رغبتها في اقامة علاقات مع المعارضة الايرانية، كان من المنطقي لنظام الحكم المكروه شعبيا ان يخشى انتهاءه الى مصير مماثل. وبفضل الباب الدوار بين الحكومة الاميركية وبين معاهد الابحاث في واشنطن، اصبح من السهل نسبيا على المحققين الايرانيين ان يرسموا خرائط تربط خصوما في الداخل بمغتربين معروفين في الخارج، بحكومة الولايات المتحدة. وكان رئيس مركز quot;ودرو ولسنquot;، عضو الكونغرس السابق لي هاملتون. وهذا بعرف المحققين الايرانيين دليل على ان اسفندياري تجند عناصر طابور خامس بتوجيه من الحكومة الاميركية.
حشدت اسنفدياري وزوجها جيشا من الاصدقاء الأوفياء والزملاء المخلصين عندما أخذت الأجهزة الايرانية تضيق الخناق عليها، كانا يعرفان ايرانيين عملوا في وزارات مختلفة خلال عهد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي، ولديهم علاقات داخل جهاز المخابرات، أو كلمة مسموعة لدى الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد، كما كانا يراهنان. وفي مؤشر الى خطورة الوضع الذي كانت فيه اسفندياري كف اصدقاؤها في ايران عن متابعة قضيتها، بعد تلقيهم تهديدات على ما يُفترض، وقطعوا اتصالاتهم معها، حتى ان أحدهم اغلق الهاتف بوجهها عندما اتصلت.
وخلال الفترة التي امضتها اسفندياري في السجن لم تعرف ان محنتها اصبحت قضية دولية، المحققون معها ابلغوها انها نسيت في اميركا. ولعل من يقرأ ما مرت به اسفندياري في مذكراتها يتذكر شباب ايران وسجناءها السياسيين المجهولين من صحافيين وناشطات نسوية وناشطين طلاب ليس لديهم اصدقاء متنفذون أو جوازات اميركية أو اعلام دولي يسلط الضوء على معاناتهم، وكثيرا ما يُجبرون على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
تروي اسفندياري تفاصيل احيانا تبعث القشعريرة عن رحلتها في غياهب جهاز المخابرات الايراني، ولكن لا الخوف ولا الغضب الذي لا شك في انها شعرت به، ينالان من وضوح ملاحظاتها. فان جعفري رغم خبثه، ليس شريرا نمطيا بل مخلوق مبتذل بضحالة يقاطع جلسات التحقيق باستمرار لتلقي مكالمات على الهاتف الخلوي عن مهنة التدريس التي يزاولها بعد الدوام الرسمي، وسجاناتها يناقشن امراضهن الجلدية ويغسلن ملابسهن في السجن.
وتتذكر اسفندياري بدفء حارسة على الأقل كانت امراة تقية كبيرة السن، كانت اسفندياري تمارس الرياضة باستمرار في سجن quot;ايفنquot;، وترفض الأدوية والأطعمة إلا تلك التي تستطيع الحصول عليها من الخارج، وانخفض وزنها بصورة خطيرة وكانت تتفادى ان تلامس متعلقاتها الشخصية ارض السجن القذرة. وما قد يبدو نزقا في الأحوال الاعتيادية يصبح في الحبس الانفرادي وسيلة للبقاء والصمود والاصرار العنيد على الخصوصية الشخصية، حتى إذا كان مجال حركتها نزنزانة ضيقة أو دائرة أضيق هو الجسد.
تقول لورا سيكور التي تراجع مذكرات اسفندياري في صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; ان الفصول المفككة وكثيرة العناوين الفرعية ويفقد احيانا كتاب quot;سجني، بيتيquot; تماسكه السردي. وان مقاطعه الكاشفة هي تلك التي تروي تفاصيل تجربة مؤلمة بلا شك وفيها جوانب حتى مملة احيانا: الساعات المهدورة في اختبار صلابة رأس جعفري، ولاحقا مواكبة حاج اغا الأكثر مكرا، الذي لم يُسمح قط لاسفندياري برؤية وجهه.
تكتب اسفندياري مذكراتها بلا تصنع، ولكنها في رفضها تعظيم الذات أو الاشفاق على نفسها، ثمة كرامة لا يخطئوها القارئ، بحسب لورا سيكور.
التعليقات