كامل الشيرازي من الجزائر: حث الداعية الإسلامي المصري quot;عمرو خالدquot;، الأربعاء، على ضرورة نبذ التشدد، وركّز في محاضرة ألقاها بالعاصمة الجزائرية على دعوة الأئمة والدعاة إلى الابتعاد عن التعنت في معاملاتهم مع الناس خاصة لدى توجههم إلى فئة الشبابquot;، مقارنا بين رجل الدين الذي يجعل من إقامة الحجة على الناس شغله الشاغل، وذلك الذي يجعل من محبة الناس سبيلا للوصول إلى قلوبهم وعقولهم.

ودعا خالد الجزائريين إلى الابتعاد عن الطبيعة المتجهمة التي قد تؤدي إلى فقدان العاطفة والتركيز بدل ذلك على كسب ثقة الشباب الذين يشكلون نسبة هائلة من وعاء المجتمع المحلي، لذا ألّح الداعية المصري على حساسية دفع الشباب إلى الرجوع إلى جادة الصواب والتوبة عما اقترفوه من آثام وأخطاء. وأهاب عمرو خالد بناشطي الساحة الدينية في الجزائر إلى التيسير والتدرج في الخطوات والبحث عن كيفية الخروج من دائرة الحرام تدريجيا مع التحلي بالصبر وتقدير وضع الناس، ملحا في ذلك على ضرورة عدم قطع طريق التوبة أمام من ضلت بهم السبل، وعدم إصدار أحكام نهائية ضدهم، بشكل بعيد عن المرونة وغير قابل للنقاش.

وتقود السلطات الجزائرية، منذ فترة ليست بالقصيرة حملة واسعة ضدّ ظواهر التكفير والتفجير والتطرّف، على خلفية ما شهدته البلاد من تصعيد إرهابي وعمليات إنتحارية دموية خلال السنتين المنقضيتين، وتسعى الحكومة هناك لضرب الأسس العقائدية التي يعتمد عليها الواقفون وراء التفجيرات، وإجهاض التحركات المشبوهة لمتشددين دأبوا على نشر أفكار متطرفة في سياق تعفيني كارثي تسببّ في التغرير بمئات الأطفال والمراهقين والإيقاع بالشباب الغضّ، وجرّهم إلى معاقل غلاة التمرّد من طرف ما يسمى (تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي) الذي ضاعف من تجنيده لأحداث في السن محدودي التكوين الديني، تتراوح أعمارهم بين 16 و21 سنة.

وفي حملة كبيرة أخذت طابع quot;الحرب الدينيةquot; على حد تعبير خبراء، قامت هذه الإستراتيجية المضادة التي لم توظفها الجزائر منذ اندلاع شرارة العنف الدموي في شتاء 1992، على بث برامج خاصة عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية سيما الإذاعة الرسمية والتليفزيون الحكومي، ويرتقب أن يشترك فيها عشرون وجها بارزا من كبار الدعاة والمشايخ في الجزائر والعالم الإسلامي لتقديم تبريرات وأدلة شرعية تدحض المعتقدات والفتاوى التي يستند إليها أمراء القاعدة، كما جرى توجيه جمهور الدعاة والأئمة وخطباء المساجد في الجزائر، للنسج على المنوال ذاته، من خلال تكثيف الخطب والدروس المبرهنة على عدم صحة أطروحات العنف، والحاثة على الاعتدال والنابذة للتطرّف، عبر مختلف المؤسسات والمنابر الدينية، لتحسيس الأجيال الجديدة في الجزائر بخطورة الانسياق وراء الغلّو والانعكاسات المترتبة عنه.

ويبدو أنّ دوائر القرار في الجزائر توصلت إلى قناعة راسخة بخطأ quot;التعاطي الأمني المطلقquot; مع أزمة لها أسباب فكرية واجتماعية عميقة، في بلد يبلغ معدل أعمار نصف سكانه -36 مليون نسمة-، أقل من 25 سنة، وصارت البطالة تشمل نسبة 40 في المائة تقريبا ممن هم في سن العمل، ما أدى إلى بروز فريق quot;فاقدي الأملquot;، بحكم تواجد 15 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر، رغم أنّ الجزائر تتمتع باحتياطي نقد أجنبي يربو عن 144 مليار دولار.

وعلى هذا،(انتبهت) حكومة الجزائر إلى ضرورة معالجة دوافع أعمال الإرهاب و(موضة) التفجيرات الانتحارية، من خلال البحث في دواعيها العقائدية والسوسيولوجية، وهو عمل يتطلب الكثير من الوقت والجدية، لذا أرادت السلطات أن تنجحه بالاستعانة بخدمات quot;رجال الدينquot; للتأثير على شباب أصبح من السهل إغراءهم، تبعا لما يكابدونه من مآسي ونكبات وحرمان، وشعورهم المستبد بكونهم مهمشين في مجتمعهم، بعد انغلاق الآفاق أمامهم، رغم كون كثير منهم يحملون شهادات جامعية كبيرة، ما أفرز رغبة دفينة لدى هؤلاء لمحاولة تغيير الأوضاع على طريقتهم الخاصة من خلال انتصارهم للغة السلاح، سيما أولئك المنحدرين من المدن الجزائرية الساخنة، أو ما صار يطلق عليها quot;المدن الانفجاريةquot; الموصوفة بكونها محاضن الإرهاب. كما برمجت الحكومة الجزائرية، سلسلة ندوات توعوية في غضون الفترة القليلة القادمةّ، لتحسيس الرأي العام المحلي بمخاطر الانجراف وراء دعاة الفتنة وأصحاب الخطاب التكفيري وسفك الدماء باسم الإسلام، مع الإشارة أنّ أجهزة أوقفت إماما قبل فترة، بعد ثبوت تورطه في التحريض على quot;الجهاد واستغلال المسجد لنشر التطرفquot;.

وأتى هذا الحراك بعدما أظهرت تحريات أنّ منفذي العمليات الإرهابية التي كانت الجزائر مسرحا لها بين أبريل/نيسان 2007 وأغسطس/آب 2008، جرى استغلالهم من طرف متشددين عرفوا بغلوهم وتطرفهم، وقاموا ببث أفكار عن quot;الجهاد في العراق وأفغانستانquot; في نفسيات ضحاياهم، ما دفع بهم إلى الارتماء في مستنقع الإرهاب، على غرار الانتحاري نبيل بلقاسمي المكنّى quot;أبو مصعب الزرقاوي العاصميquot; الذي نفّذ اعتداءا ضد ثكنة خفر السواحل أوائل سبتمبر/أيلول 2007، حيث تبيّن أنّه طفل لم يتجاوز عمره 15 عاما، تمّ تضليله بعد تلقيه (مواعظ جهادية) في مسجد حيه، ليفجر نفسه تماما مثل ثمانية انتحاريين آخرين، آخرهم المدعو quot;حمزة أبو عبد الرحمنquot;، مرتكبين بذلك إحدى الكبائر وهي قتل النفس، على حد ما تضمنته فتوى الداعية عبد المالك رمضانيquot;.