جمود وغموض في المفاوضات السلمية
إسرائيل تعيش مرحلة ما بعد المخاض الإنتخابي
خلف خلف من رام الله:
تمر العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمرحلة من الجمود والضبابية، إذ ينكفئ الجانبان إلى ذاتهم، محاولين تصويب أوضاعهم الداخلية بعد جملة تطورات عايشوها سواء على المستوى المحلي أم الخارجي. فإسرائيل المتورط رئيس وزرائها إيهود أولمرت في قضايا فساد أجبرته على التنحي من منصبه، تعيش مرحلة ما بعد المخاض الانتخابي، لتشكيل إئتلاف حكومي جديد بزعامة حزب الليكود العائد إلى الحكم بعد غياب. وفي المقابل، يجري الفلسطينيون حوارًا مركزًا ترعاه القاهرة، بغرض إنهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ووضع حدًا للخلافات المستحكمة بين حركتي فتح وحماس، الفصيليين الأكبر على الساحة السياسية الفلسطينية.
إن الضبابية المخيمة على شكل العلاقة التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تستمد عوامل وجودها من عدة إعتبارات مترابطة، منها: بنية الحكومة الإسرائيلية المقبلة ذات الطابع اليميني المتطرف، الرافض للحلول السلمية الطامح لها الطرف الآخر على الأقل.
حيث إن بنيامين نتنياهو، المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يرفض حتى اللحظة الإفصاح بشكل جلي عن مواقفه السياسية، وخصوصًا المتصلة بالملفين السوري والفلسطيني. ولم يتضح بعد فيما إذا كان نتنياهو سيقبل برؤية السلام المطروحة بقوة في السنوات الأخيرة لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتدعمها الرباعية الدولية والولايات المتحدة الأميركية، ألا وهي رؤية quot;دولتين لشعبينquot;.
مع الإشارة إلى أن المعالم المتشكلة للحكومة الإسرائيلية المقبلة: تقليد زعيم حزب إسرائيل بيتنا افيغدور ليبرمان المعروف بمواقفه المعادية للعرب والفلسطينيين، حقيبة الخارجية، وكذلك من المتوقع تعيين الجنرال موشي بوغي يعلون، وزيرًا للأمن، تدلل على أن العملية السلمية مع الفلسطينيين ستتعرض لوعكة قد تدخلها في سبات عميق، وقد تشهد المنطقة بأكملها تصعيدًا عسكريًا.
لذلك لا يستبعد الكثير من المراقبين والخبراء أن تشهد العلاقات الأميركية الإسرائيلية توترًا في حال أصر نتنياهو على مواقفه المعروفة مسبقًا تجاه المباحثات السلمية، والتي يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة متحمسة لها، ولذلك عينت مبعوثًا خاصًا لهذا الغرض في منطقة الشرق الأوسط منذ الأيام الأولى لتسلمها زمام الحكم في البيت الأبيض.
كل ما سبق أيضًا، دفع الجانب الفلسطيني، وعلى لسان الرئيس محمود عباس إلى التلويح بأن عدم اعتراف الحكومة الإسرائيلية المقبلة برؤية الدولتين، ووقف الاستيطان سيقود إلى وقف العملية السلمية، حيث قال عباس في مؤتمر صحافي عقده مع وزيرة الخارجية الأميركية الجديدة هيلاري كلينتون مطلع الشهر الجاري: quot;إذا لم يلتزم الزعماء الإسرائيليون القادمون بحل الدولتين، ويوقفوا البناء الاستيطاني وهدم المنازل بالقدس، فإننا لا نستطيع أن نعتبر أنفسنا شركاء أو يعتبروا أنفسهم شركاء في عملية السلامquot;.
لكن إن كان شكل العلاقة المستقبلية بين السلطة وإسرائيل على المستوى التفاوضي، يرتبط إلى حد ما بمدى الليونة التي ستبديها حكومة نتنياهو، إلا أنه يتصل كذلك بطبيعة الاتفاق المأمول توقيعه بين الفصائل الفلسطينية المتحاورة في جمهورية مصر العربية، بخاصة أن حركة حماس بصفتها جزءًا رئيسيًا من هذا الاتفاق، وصاحبة الأغلبية في البرلمان الفلسطيني ترفض الاعتراف في إسرائيل، وهو ما ينطلي أيضًا على الاتفاقات السابقة الموقعة بين (م.ت.ف) والجانب الإسرائيلي، وتضغط الحركة في الوقت الحاضر من أجل عدم إدراج هذا الاعتراف في برنامج أي حكومة وحدة فلسطينية مستقبلية تكون طرفًا فيها.
ولعل التصريحات الصادرة عن حركة فتح ممثلة بالرئاسة الفلسطينية والتصريحات التي أطلقها قادة حركة حماس تشير بوضوح إلى مدى الاختلاف في وجهات نظر الطرفين حيال برنامج الحكومة الفلسطينية المقبلة، فقد اشترط الرئيس عباس التزام حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي يتم العمل على تشكيلها في حوار المصالحة الفلسطينية بالقاهرة، التزامها بحل الدولتين والاتفاقات التي وقعتها السلطة مع الجانب الإسرائيلي. بيد أن حماس ردت على هذه الأقوال، واصفة إياها، بالمقوضة لفرص التوصل إلى حكومة وحدة وطنية، مجددة تأكيدها بأنها لن تقبل بأي حكومة تعترف في إسرائيل.
الوضعية السابقة اضطرت الفلسطينيين إلى ابتكار آلية يجتازون من خلالها هذا المطب مؤقتًا، ولذلك قرروا أن تكون الحكومة الناتجة عن حوار القاهرة حكومة إدارية ولا تعنى بالشأن السياسي، ومهمتها الرئيسة إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، بالإضافة إلى تهيئة الأجواء الفلسطينية وتنقيتها لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة مطلع عام 2010، لكن ذلك لا يعني أن مشكلة الاعتراف أو عدم الاعتراف بإسرائيل ستزول إلى الأبد، بل أنها ستعود إلى الظهور على الساحة الفلسطينية السياسية من جديد مع اقرب فرصة تسنح بها الظروف.
جملة القول إن الحديث المقدم يشير إلى أن المرحلة المقبلة من العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية لن تشهد تحسنًا طوال العام المقبل على الأقل، هذا إذ لم يتفجر العنف المتبادل من جديد. الأمل الوحيد لإخراج السيناريوهات السابقة عن مسارها، يتمثل بتدخل الإدارة الأميركية بقوة، أما عبر فتحها لحوار مع حركة حماس يدفعها إلى تلين مواقفها المعلنة، يصاحبه أيضًا ضغط حقيقي من الإدارة الأميركية الجديدة على الجانب الإسرائيلي لتغيير مواقفها سواء المتعلقة بالمباحثات السلمية أم وقف الاستيطان.