لندن: ربما يختصر الرسم الكاريكاتيري الساخر الذي نطالعه في صحيفة الإندبندنت البريطانية الصادرة اليوم جزءا كبيرا من الحكاية: ثمة نظام عالمي جديد وقد بدأت معالمه تتشكل وتتضح.

في الرسم يظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما شامخا مبتسما وقد راح يمسك باقتدار، وبكلتي يديه، بمجرفة استقرت فيها وثيقة كُتب عليها عبارة quot;اتفاقية قمة العشرينquot;، ومن حوله يقف زعماء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين والسعودية والبرازيل.

لعل الرئيس الأميركي يحاول أن يصب ركام الوثيقة المتهالكة على الأرض أمامه لتشكِّل اللبنة الأولى في بناء جدار النظام العالمي الجديد الذي لا يبدو أن للآخرين من حوله كبير دور في تشييده وتشكيله، اللهم إذا استثنينا دور المشجع ورافع راية النصر: رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون.

فبينما راح الرئيس الفرنسي قصير القامة، نيكولا ساركوزي، يقف فوق صندوق خشبي صغير، علََّه يرتفع قليلا لكي يتمكن من الوصول إلى مستوى كتف أوباما والآخرين، بينما راحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترمق مجرفة أوباما بتأمل وإعجاب واضحين، وبدا كل من الرئيس الصيني ونظيره البرازيلي والملك السعودي وكأن كل ما يعنيهم هو الوقوف إلى جانب سيد البيت الأبيض متفرجين على ما يقوم به وإن بدرجات متفاوتة من عدم الاهتمام واللامبالاة.

أما في عناوين التحقيقات والافتتاحيات والمقالات النقدية والتحليلية، فإننا نقرأ الكثير عن هذا النظام العالمي الجديد، وإن اختلفت الآراء حوله وتعددت القراءات والتفسيرات بشأن بُناته الحقيقيين وهوية اللاعبين الأساسيين في فضائه المستقبلي.

quot;صفقة تاريخيةquot;

فتحت عنوان quot;أوباما يشيد بالنظام العالمي الجديدquot;، نقرأ في الإندبندنت أيضا تحقيقا مشتركا لأندرو جرايس ونايجل موريس وشون أوجريدي جاء فيه أن الأسواق العالمية انتعشت وقفذت أسعار الأسهم في البورصات بُعيد لحظات فقط من نجاح quot;السمسارquot; الأميركي (أوباما) بالتوصل إلى quot;صفقة تاريخيةquot; بين زعماء قمة العشرين من شأنها ربما أن تضع حدا لفترة الانكماش التي يرزح تحتها الاقتصاد العالمي منذ العام الماضي.

يقول التقرير، والذي ترفقه الصحيفة بصورة لأوباما يبدو فيها وهو يسير مبتسما أمام أعلام الدول المشاركة في طريقه إلى المنصة التي يخاطب من عليها إعلاميي العالم ويحدثهم عن إنجازات القمة quot;التاريخيةquot;، إن الرئيس الأميركي أشاد بالمؤتمر الذي اعتبره quot;نقطة تحول كُبرى في سعينا الدؤوب للتعافي الاقتصادي العالمي.quot;

صحيفة الغارديان هي الأخرى تعزف على وتر عالمية الصفقة وتاريخيتها، وإن كانت تختلف رؤيتها عن رؤية زميلتها الإندبندنت في تحديد هوية السمسار هذه المرة، إذ تعزو الفضل في التوصل إلى الاتفاق إلى رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون وليس إلى أوباما، وإن كان الاثنان حليفين مقربين إلى درجة quot;التطابقquot; في وجهات النظر.

quot;أسوأ انكماشquot;

فتحت عنوان quot;قمة العشرين: غوردن براون يتوسط لإنجاز صفقة عملاقة من المساعدات المالية للاقتصاد العالميquot;، تنشر الغارديان تحقيقا لباتريك وينتور ولاري إليوت يقول إن رئيس الوزراء البريطاني يزعم بأن الصفقة الكبيرة التي نجح بالتوصل إليها مع قادة مجموعة العشرين quot;تمثل نقطة يلتقي العالم من حولها وسوف تؤدي في نهاية المطاف إلى تسريع عملية التعافي من أسوأ انكماش اقتصادي يشهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.quot;

ويضيف التحقيق، الذي ترفقه الصحيفة بصورة كبيرة لبراون وهو يتجه بثقة ونشوة واضحتين إلى المنصة في القاعة التي عقد فيها مؤتمره الصحفي بعد انفضاض أعمال القمة، قائلا إن البيان الختامي للمؤتمر تضمن من القرارات والإجراءات الصارمة ما يكفي لتنظيم أداء المؤسسات المالية العالمية، بما في ذلك محاربة الملاذات الضريبية الآمنة.

وفي تقرير آخر في الغارديان بعنوان quot;قمة العشرين: محادثات السلام التي أنقذت الصفقة في الفندق آخر الليلquot;، يكشف لنا مراسلو الصحيفة، لباتريك وينتور ونيكولاس وات وجوليان بورجر، كيف أن براون وأوباما نجحا بجمع الزعيمين الفرنسي والصيني في أحد فنادق لندن في وقت متأخر من الليلة التي سبقت انعقاد القمة، حيث جرى التوفيق خلال quot;اللقاء الحاسمquot; بين وجهات نظر الطرفين حول قضايا quot;حساسةquot; عالقة بينهما ومنها قضية التيبت والملاذات الضريبة الآمنة.

صحيفة الإندبندنت خصصت إحدى افتتاحياتها لا للحديث عن quot;السمسارينquot; أوباما وبراون، بل عن quot;العملاق الاقتصادي الذي اعتلى المنصة يوم أمس الخميس في لندن مع انتهاء قمة العشرين ليعلن للعالم أجمع أنه هو اللاعب الأبرز في ميدان النظام العالمي الجديد: الصين.

قمة العشرين = الصين

فوفقا لافتتاحية الإندبندنت، فإن ثمة معادلة جديدة وُلدت يوم الخميس في عاصمة الضباب وتتلخص بالآتي: قمة العشرين = الصين.

تقول الافتتاحية: quot;ستدخل قمة لندن التاريخ كونها هي اللحظة التي أطلت من خلالها أخيرا الصين وقد خرجت من قمقمها لتؤكد على مصالحها في عالم الاقتصاد العالمي الذي باتت تحتل فيه الجزء المركزي.quot;

وتعتبر الصحيفة أن النجاح الأكبر للصين خلال القمة تمثل في الإعلان بأن رؤساء صندوق النقد الدولي سوف يتم اختيارهم، من الآن فصاعدا، بناء على ما يملكون من مؤهلات وخصال وقدرات، ولن يكون قرار اختيارهم بعد اليوم حكرا على الولايات المتحدة وأوروبا.

اما افتتاحية الغارديان، والتي جاءت تحت quot;قمة العشرين: لندن تناديquot;، فترى أن براون يبدو أكثر سعادة وانشراحا وهو يلعب دور quot;وزير خزانة العالمquot; من كونه رئيسا لوزراء بريطانيا.

وتضيف الصحيفة قائلة إن براون قد نجح بالفعل بانتزاع تعهدات قوية وواضحة من قادة أقوى اقتصاديات دول العالم من خلال العمل معا كفريق واحد على خطة مشتركة لمعالجة الأزمة الاقتصادية العالمية التي تبلغ كلفتها الأولية أكثر من تريليون دولار أميركي.

صفقة quot;تاريخيةquot;

ولم تذهب الديلي تلغراف بعيدا في رصدها لنتائج المؤتمر عن هذا الخط، إذ تنشر تقريرها الرئيسي تحت عنوان quot;قمة العشرين: غوردن براون يتوصل إلى صفقة تاريخية بتريليون دولار.quot;

يقول التقرير المشترك، الذي أعده أندرو بورتر وروبرت وينيت وتوبي هارندين، وأُرفق بصورة تذكارية للقادة والزعماء المشاركين في القمة: quot;لقد أعلن رئيس الوزراء (البريطاني) عن ولادة نظام عالمي جديد بعد جو الارتباك الذي طغى على قادة العالم المشاركين في قمة العشرين.quot;

ويقتطف التقرير من كلمات براون في مؤتمره الصحفي بعيد انتهاء القمة حيث قال: quot;هذا هو اليوم الذي اجتمع فيه العالم معا ليحارب الكساد العالمي، ليس بالكلمات فحسب، بل من خلال خطة للإنعاش والإصلاح العالمي.quot;

تربيت وإثارة

وفي التايمز، نطالع تعليقا نقديا لأناتولي كالاتسكي جاء بعنوان quot;التربيت على الظهور واللأكتاف ونتائج مثيرة للإعجاب في قمة العشرينquot;، يقول فيه: quot;بعد كل الخلافات والتوقعات التي جرى تضخيمها وبعد التهديد بالمقاطعة، فقد انتهت قمة العشرين بنصر-بالنسبة للاقتصاد العالمي ولأسواق المال ولغوردن براون.quot;

يرى الكاتب أن المفاجأة الأكبر التي أسفرت عنها القمة كانت القرار بتقديم الدعم للدول النامية التي تواجه مصاعب اقتصادية جمَّة، وذلك من خلال رزمة جديدة من الإئتمانات ومبالغ نقدية تُقدم إلى صندوق النقد الدولي وتصل قيمتها إلى حوالي 750 مليار دولار.

هذا ولم يكن براون وأوباما وغيرهما من قادة وزعماء دول مجموعة العشرين هم وحدهم أسياد لعبة اختطاف الأضواء في عاصمة الضباب خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بل كان لزوجات هؤلاء نصيبهن الوافر من اهتمامات وسائل الإعلام.

فساتين ولمسات ميشال

إلا أن ميشال أوباما، سيدة أميركا الأولى، فازت دون سواها بحصة وافرة من ذلك الاهتمام فخطفت الأضواء حتى من زوجها باراك أوباما، إذ أفردت لها صحف اليوم مساحات واسعة عكست أنشطتها المتنوعة من لقائها لملكة بريطانيا التي تجاوزت بشكل نادر بروتوكول القصر الملكي واستقبلت ضيفتها بحرارة واضحة حيث نُشرت لهما صور وهما تتبادلان التربيت على الظهر والكتف كنوع من التعبير عن حميمية اللقاء بينهما.

وكان أيضا لفساتين ميشال أوباما وعقد اللؤلؤ الأبيض الذي تألقت به نصيب وافر من تغطية صحف اليوم فتحدث معظمها عن ذوق سيدة أميركا الأولى الرفيع في انتقاء الألوان والموديلات التي ربما تتماشى مع أجواء قمة العشرين المتفائلة.

ونظرا لاهتمام صحف اليوم وانشغالها الكبير بقمة العشرين، فقد اقتصرت تغطيتها لقضايا الشرق الأوسط الأخرى على بعض التقارير والأخبار المتفرقة من قبيل مقتل طفل إسرائيلي على يد مسلح فلسطيني في الضفة الغربية وأنباء التحقيق مع وزير خارجية إسرائيل اليميني الجديد أفيغدور ليبرمان بتهم الفساد.

وكان اللافت أيضا تقرير تنشره التايمز بعنوان quot;وحده أوباما يستطيع إنقاذ إيران من القنابل الإسرائيليةquot;، ويتحدث عن quot;الكوكتيل القاتل المكون من تنامي قدرة طهران النووية والنزعة العسكرية لحكومة رئيس وزراء إسرائيل الجديد بنيامين نتانياهو.quot;