طلال سلامة من روما: ولد البروفيسور quot;مارك لازارquot; في العاصمة الفرنسية باريس، في عام 1952. وهو اختصاصي في التاريخ والعلوم الاجتماعية وله أبحاث دولية مرموقة تتعلق بدراسة الحياة السياسية الإيطالية والتيارات اليسارية المتطرفة. في مقابلة هاتفية خاصة مع صحيفة quot;ايلافquot; يشير البروفيسور لازار الى أن اليسار الإيطالي حوٌل برلسكوني الى شيطان.

ولم يفهم اليسار بعد أن وراء برلسكوني تقفان ثقافة عصرية وشرائح اجتماعية واسعة من المجتمع الإيطالي. في الوقت الحاضر، يعطي البروفيسور لازار محاضرات في جامعتي quot;سيانس بوquot; بباريس وquot;لويسquot; بروما. في عام 1997، عندما كان الاتحاد الأوروبي مكوناً من 15 دولة، كان اليسار يهيمن على 13 دولة منها. أما اليوم، فهو يحكم 8 من أصل 25 دولة ويشترك في الحكم في سبع دول أخرى. مما لا شك فيه أن الغزو اليميني لأوروبا بدأ بعد موت رئاسة جوسبين بفرنسا وشرودر بألمانيا وبلير ببريطانيا وبرودي بإيطاليا.

إذن، لا بد من التيارات اليسارية الأوروبية العمل على مدار الساعة من أجل تأسيس عرض سياسي، بديل وموثوق به. ويتابع البروفيسور لازار أوضاع الحزب الديموقراطي اليساري الإيطالي عن كثب، منذ ولادته.

في ما يتعلق بفالتر فلتروني، فان البروفيسور لازار يتوقف للقول ان استقالة فلتروني من منصبه سكرتيراً عاماً للحزب الديموقراطي لم تحل المشكلة. فالمشكلة تتعلق بطبقة هذا الحزب الحاكمة وتتمحور حول خمس نقاط. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه معه طلال سلامة من روما:

ما هي هذه النقاط الخمس التي تتحدثون عنها؟
الرئاسة: يواجه ناخبو الحزب صعوبة في فهم الحرب الخفية الدائرة بين فلتروني وماسيمو داليما وكأن الأسلوب القديم(داليما) يعود لإسكات كل ما أسسه الجديد(فلتروني).

الاستراتيجية: لم يقرر الحزب الديموقراطي بعد ان كان يتوجب عليه القيام بمعارضة شرسة(كما يريد المدعي العام السابق أنتونيو دي بياترو) أم معارضة مسؤولة. ان هذا التردد يجعله يخسر تدريجياً أصوات الناخبين المعتدلين أم الراديكاليين. التحالفات: ما يزال هذا الحزب حائراً ما إذا كان عليه النظر الى اليسار أم الى الوسط السياسي. الهوية

السياسية: من هو هذا الحزب وهل سيكون جزء من الحزب الاشتراكي الأوروبي أم لا. وما سيكون أسلوبه مع يمين إيطالي يراهن كثيراً على مشاعر الناخبين الإيطاليين؟

الهوية الانتخابية: يصوت لصالح هذا الحزب ناخبين، صوتوا في الماضي لصالح الحزب الشيوعي وأغلبهم من وسط ايطاليا ويأتون من شرائح معينة في القطاع العام وهم متعلمون ويقيمون في المدن الكبرى وأعمارهم تتخطى 50 عاماً ولا يذهبون الى الصلاة. ان الحزب الديموقراطي فقد علاقاته مع الطبقات الشعبية والشرائح الشبابية شبه العاطلة عن العمل.

هل ثمة نقاط مشتركة بين سيئات اليسار الإيطالي وسيئات اليسار في باقي دول العالم؟
نعم إنما بصورة جزئية. لقد تأخر اليسار الإيطالي في فهم ما هو التيار الذي يقوده برلسكوني. ثمة ثقافة صلبة وطبقات اجتماعية ذكية تدعم برلسكوني بكل الوسائل.

أنا أستغرب كيف أن أناساً، درسوا عقيدة أنتونيو غرامشي الفيلسوف والمناضل الماركسي الإيطالي، فاتتهم فرصة التعرف عن برلسكوني، من قرب! ان تيار برلسكوني خليط من القيم المتناقضة والحريات السياسية والحمائية والسلوكيات البعيدة جداً عن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية والفكر العصري والتقاليد. وتعترف الكتلة الاجتماعية الإيطالية، المكونة من رجال الأعمال والتجار والحرفيين، بهذه القيم.

هنا، يتفاعل اليسار الإيطالي مع هذا التيار عن طريق تحويل برلسكوني الى شيطان. في الوقت ذاته، يشتكي اليسار من عدم قدرة الشعب على استيعاب مدى عظمة زعمائه!

إذن كيف ينبغي أن تكون ردود الفعل اليسارية إزاء تسونامي تيار برلسكوني؟
على اليسار الإيطالي التقدم الى الشعب بعرض سياسي. تشهد أوروبا اليوم زحفاً يمينياً يؤججه الشعور بعدم الأمن الاجتماعي والعنصرية. على اليسار المراهنة على مواضيع حساسة كما التضامن الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمشاركة أكثر في جميع الأنسجة النابضة لديكم.

ما الذي حوٌل اليسار من فائز سياسي الى خاسر كبير؟
في تسعينات القرن الماضي، توفرت الظروف لولادة دوامة سياسية خولت اليسار الاستيلاء على الحكم في أغلب دول الاتحاد الأوروبي، آنذاك. فالتحديث والإبداع كانا شعار اليساريين الأوروبيين. كما كانت الاشتراكية الليبرالية الورقة الرابحة لديهم كونها دمجت السياسات الاجتماعية بالأسواق وكانت تتطلع دوماً نحو بناء قلعة أوروبية قوية. ثمة عوامل عدة آلت الى شل محرك الاشتراكية الليبرالية.

هكذا، تآكل النفوذ اليساري الأوروبي ثم ظهر التشكيك بعملة اليورو من قبل الشباب والمسنين معاً. ان ولادة اليورو سببت نمواً في اللامساواة الاجتماعية وتخبط للطبقات الشبابية في بحر من عقود العمل الخالية من أي مستقبل وضمان.

ما هي الدوامة السياسية التي تطغوا الآن على سماء أوروبا؟
إنها دوامة كبيرة تعود جذورها الى سبعينات القرن الماضي. وسببت اليوم تغييرات اجتماعية كبيرة. لذلك، فان اليسار الإيطالي لا يحتاج الى قائد فحسب إنما عليه إعادة بناء قواعد قيمه التي تعاني من صراع بين الحضارات. داخل التيارات اليسارية الأوروبية، لا سيما تلك الإيطالية، نجد صراعات قوية بين الأجيال السياسية. ان لم ينجح الحزب الديموقراطي الإيطالي في الرد على رغبة طبقته الشابة في التحديث فانه سيغوص في المتاعب التي قد تؤدي الى الانتحار السياسي لطبقته الحالية الحاكمة.

لم لا تصل أوروبا الرياح التي ساعدت أوباما على الفوز في أميركا؟
ان العنصر الحيوي في فوز أوباما يدعى الجرأة! فالجرأة والشجاعة باب الدخول الى الحياة السياسية. نجح أوباما في الفوز، بعدما كان ترشيحه للبيت الأبيض ميؤوساً منه في البداية، لأنه فتح ملفات جديدة ستدفع الأميركيين الى تغيير نمط حياتهم، كما الاقتصاد الأخضر الصديق للبيئة.

هل على اليسار الإيطالي اعتناق نموذج زاباتيرو، رئيس الوزراء الإسباني؟
ان كان هذا النموذج يعتمد على وصفات من الماضي فإنني أعتقد أن اليسار لديكم سيتكبد خسارة جديدة. أما ان كان النموذج خليط بين تقاليد سياسية والرغبة في التحديث والإبداع فانهم على الدرب الصحيح. ان التيار اليميني يتقبل بسهولة، لأسباب أيديولوجية، أن يخضع لأوامر قائد واحد. أما اليسار فهو يرفض هذه الفكرة.

يبدو أن اليسار أكثر عرضة للانقسامات الداخلية؟
نعم. وهذا يشمل ايطاليا وفرنسا وألمانيا. ان هذه الانقسامات سهلة لدى مواجهة الصعوبات. أما التيارات اليمينية فهي تتوحد أكثر فأكثر لمواجهة هذه الصعوبات وهي أنجزت عملاً ممتازاً لتوحيد صفوفها وبناء قيم سياسية عصرية. على اليسار العمل على مشاريعه بنفس وتيرة اليمينيين ان أراد الفوز بمعاركه القادمة.