صراع نفوذ روسيّ أميركيّ يطلّ برأسه عبر الجماهيرية
ليبيا تتسلح من روسيا والغاية... فرض إحترام الجيران

إيلاف تفتح ملفّ التسلح في منطقة المغرب العربيّ

quot;إيلاف

العلاقات الأميركيَّة ndash; الليبيَّة بين مساعي التطوير ومفهوم التطبيع

إسماعيل دبارة من تونس: ما إن رُفعت العقوبات الدولية عن الجماهيرية الليبية في العام 2004، حتى وضع النظام هناك استراتيجية متكاملة لإعادة تسليح البلد وتحديث مؤسسته العسكرية. فرنسا وروسيا كانتا قبلة العقيد القذافي لإرضاء رغبته في استيراد السلاح الثقيل من طائرات ودبابات ومدافع. وعلى الرغم من أنّ الجيش الليبي حاليا وقوامه 76 ألف رجل لا يتناغم مع عدد سكان الجماهيرية البالغ عددهم 6 ملايين نسمة، إلا أنّ تاريخ الصراعات العسكرية التي خاضتها ليبيا في السابق (مصر في العام77، و الحرب مع تشاد) جعل التسلح من أولويات النظام الحالي خصوصا في فترة ما بعد العقوبات الدوليّة وإمكانية الاستفادة من عائدات الثروة النفطية.

زار العقيد معمر القذافي العاصمة الروسية موسكو في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني ) من العام 2008، وتوصّل حينها إلى صفقة عسكرية وصفت بالتاريخية تمّ بموجبها شراء 12 مقاتلة متطورة من طراز ميغ 29 MiG-29SMT و12 أخرى من طراز سوخوي 30 أم كيو Su-30MK2 ودبابات من طراز تي 90، وغواصتين من طراز 636 تعمل بالنظام المزدوج الكهربائي وquot;ديزلquot;.

كما اشترت ليبيا من روسيا أنظمة دفاع جوية طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى في صفقة ضخمة بلغت الـ 2.2 مليار دولار. وأبرمت ليبيا مع فرنسا صفقة عسكرية هامة خلال زيارة للرئيس ساركوزي لطرابلس، تمّ بموجبها تحديث الأسطولين الجويين العسكري والمدني، بالإضافة إلى شراء خافرات سواحل وأجهزة رادار متطورة. وشملت الصفقة تحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج إف1 كانت اشترتها ليبيا قبل فرض حظر على تصدير الأسلحة إليها. وبلغت قيمة الصفقة التي تُؤمنها كل من شركتي quot;أستراكquot; وquot;داسو للطيرانquot;، قرابة العشرين مليون يورو لكل طائرة. وتتميز الطائرات الفرنسية بكونها مجهزة بصواريخ جَو-جَو من طراز quot;ماجيكquot;. وتعمل مجموعة quot;إيدسquot; ( EADS) الفرنسية للتصنيع الحربي أيضا على تجهيز ليبيا بنظام رادار لمراقبة الحدود والمواقع النفطية.

يقول عسكريّ ليبي تقاعد منذ 6 سنوات و يقيم حاليا في احد الدول الأوروبية لإيلاف: quot;بعد صفقات السلاح الضخمة التي اشرف العقيد القذافي عليها شخصيا، يمكن القول أنّ الجيش الليبي أضحى جيشا قتاليا قادرا على الهجوم كما الدفاع، فهو يضمّ قرابة الألفين وخمسمائة دبابة والآلاف من العربات المصفحة وناقلات الجند سريعة الحركة والتي تتوائم و تضاريس الجماهيرية، والمئات من القطع المدفعية من مختلف الأعيرة.quot;

ويتابع العسكريّ الذي رفض الكشف عن اسمه:quot;تتوفر ليبيا اليوم على راجمات صواريخ عملاقة وغواصات وفرقاطات مقاتلة، أما سلاحها الجويّ فيتجاوز الخمسة وعشرين ألف عنصر و يوجد أكثر من خمسمئة مقاتلة في الوقت الحالي بعضها غير صالح للعمليات القتالية، ناهيك عن صواريخ جو ndash; جو ومضادات الطائرات المتقدمة. ويرى المصدر ذاته أنّ الجيش الليبي حاليا يعاني من انخفاض مستوى التأهيل والتدريب العسكري في تنافر كبير مع تكديس السلاح المتطور و اللهفة على شراء كل ما تجود به فرنسا و روسيا من سلاح فقد عمليا جدواه كون الدول المصدرة للسلاح أثبتت أنها تحتفظ بالسلاح الحديث و الفتاك لنفسها و تبيع القديم لغيرها من الدولquot;.

كما أشار إلى quot;غلبة معايير الزبونية والولاء للقذافي على معايير القدرة والكفاءة في قيادة الجيش الحاليquot;. منذ أسابيع قليلة عبرت الولايات المتحدة ndash; بطريقتها الخاصة - عن رفضها لتفرد روسيا ببيع السلاح للجماهيرية، إذ اعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة ستقوم بدراسة عقد صفقات سلاح مع ليبيا يحتمل أن تتضمن طائرات نقل وأنظمة للأمن الساحلي والحدودي.

وقال عسكريون أميركيون إنهم سيدرسون طلبات ليبية بالحصول على معدات دفاعية تمكنها من بناء قدرات في مجالات quot;تخدم مصالحنا المشتركة، ومن أمثلة ذلك أنظمة تستخدم للأمن الحدودي والساحلي بالإضافة إلى الجسور الجوية لمسرح الأحداث بإشراك طائرات مثل هيركيليز سي-130 التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن والتي يمكن أن تنقل قوات ومعداتquot;. وقد لا يجد الأميركيون فرصة أفضل من الوقت الحالي لبيع سلاحهم لليبيين خصوصا مع عودة العلاقات و التمثيل الدبلوماسي بين البلدين و طيّ صفحة القطيعة التي سادت لعقود بينهما.

ولمزيد تسليط الضوء على قضية التسلح في المغرب العربيّ و أبعادها المحليّة و الدولية، اتصلت quot;إيلافquot; بالخبير في الشأن المغاربيّ و المحلّل رشيد خشانة مُعدّ دراسة quot;سباق التسلّح في المغرب العربيّquot;. ويشير خشانة في البداية إلى أنّه علينا quot;فهم حقيقة ّأنّ صفقات السلاح بالنسبة للدول لا يمكن أن تُقرر وتُبرم في وقت سريع وبناء على تطورات من هنا آو هناك، كما أنها لا يمكن أن تأتي ردا على صفقة تعقدها دولة قريبة جغرافيا أو معادية تاريخيا، كذا الحال بالنسبة لكلّ من ليبيا والجزائر والمغرب على اعتبار أن تونس لم تنتهج سياسة التسلح، وإنما تندرج الصفقات تلك في إطار الإستراتيجية العامة للدولة. وحينها يتمّ ضبط المنظومة الشاملة للأمن القومي في ضوء تحديد مصدر التهديد ومن أين يمكن أن يأتي الخطر (بحرا أم برا أم جوا؟) ومدى دائرة النفوذ التي ترسمها تلك الدولة لنفسها وهي مرتبطة عادة بالمصالح الاقتصادية. كما تتحدد الإستراتيجيات في ضوء الموارد الوطنية للبلاد ومصادر الدعم الخارجي الثابتة.

ويعتبر رشيد خشانة سباق التسلح في المنطقة المغاربيّة مدخلا للعبة النفوذ التي تلعبها القوى الكبرى التي تبيع السلاح في المنطقة وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا،مستثمرة في ذلك الصراع المغربي ndash; الجزائري على الصحراء الغربية الحدود، و تطلعات العقيد معمر القذافي إلى لعب دور إقليمي في القارة الأفريقية و تضخيم الأميركان لخطر القاعدة في المغرب الإسلامي و سعيهم المحموم لعسكرة منطقة شمال إفريقيا خدمة لمصالحهم القومية التي تقتضي أيضا التصدّي للنفوذ الصيني المتعاظم في القارة السمراء و الزاحف نحو المخزونات الكبيرة من النفط و الغاز الطبيعيّ التي تزخر بها المنطقة.

وبالتالي سيجد المغرب العربيّ نفسه تلقائيا أحد الأسواق الرئيسية لما جادت به مصانع تلك الدول الكبرى من أسلحة. الأسلحة التي اقتنتها ليبيا مؤخرا ndash; استنادا إلى رشيد خشانة ndash; تعبر عن رغبة صريحة من القذافي لتحقيق نوع من التّـوازن مع القِـوى الدولية الكبرى المؤثرة في القارة الإفريقية، خصوصا مع تنامي دور الجماهيرية في احتضان الوساطات وخلافات دول الاتحاد الافريقيّ.

ومع سعيها لتنويع مصادِر السلاح، ظلّـت ليبيا مضطرّة للمحافظة على مصدر التزويد التقليدي وهو روسيا الاتحادية كون ذلك يوفر الكثير من النَّـفقات لأن المنظومات الروسية معروفة لديها، إذ تدرّبت عليها القوات الليبية سابقا وتتوافَر عندها قِـطع غيِارها التي حصلت عليها في صفقات سابقة، وهو ما يُحقِّـق المبدأ الذي يُـسميه الخبراء quot;تجانس المنظوماتquot;. أموال طائلة تصرف على السلاح في المغرب في مساع عدة لفرض احترام الجيران وكسب الحلفاء باعة السلاح و الاضطلاع بدور رياديّ و إقليميّ، لكلن تلك المساعي تضلّ موجهة إلى الخارج وقد لا تعني كثيرا مواطني دول المغرب في صراعهم مع الفقر و البطالة و الأمية.

يقول خشانة: quot; المغرب العربي لا يحتاج إلى طائرات ودبابات لأنها لا تُطعم الجياع ولا تكافح هجرة سرية أو إجراما و لا توفر مستشفيات أو مدارس أو كليات لهم. أما العسكريّ الليبي المقيم بأوروبا فيقول:quot; تبرم البلدان المغاربية بما فيها ليبيا خلال سنتين الصفقات العسكرية التي تتجاوز في مجملها ما أبرم من صفقات طوال عقد من الزمان ورغم أن الإتحاد المغاربي يعتبر كيانًا مشلولاً في الوقت الحاليّ، فإن تكديس السلاح في المستودعات المغاربية سيكون حتمًا على حساب المشاريع التنموية الضخمة التي يمكن أن تساعد ndash; لو أنجزت ndash; في رأب الصدع بين الدول المغاربية الخمسquot;.