واشنطن: مضت حوالي ثماني سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلا أن الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة ما تزال بعيدة عن تحقيق النصر وأهدافها. فما يزال تنظيم القاعدة المتهم بارتكاب الاعتداء على الرموز السياسية والاقتصادية والأمنية الأميركية، وكثيرٍ من الأحداث الإرهابية في مناطق أخرى داخل القارة الأوروبية وأفريقيا وآسيا، التي تستهدف القوات العسكرية الأميركية المدنيين، بحيث تزايدت قوته إلى أن أضحى quot;علامة تجارية لامتياز عالميquot;، فضلاً عن تحوله إلى مجموعة من المجموعات الإرهابية تتسم باللامركزية.

تتراوح التقديرات حول ما تم إنفاقه على الحملة الأميركية على الجماعات الإرهابية أو ما أطلقت عليه إدارة بوش الابن quot;الحرب على الإرهابquot; ما بين 700 بليون دولار وفقًا لخدمات أبحاث الكونغرس، و4 تريليون دولار وفقًا لبعض المحللين. تشمل المخصصات المالية للحربين في العراق (2003) وأفغانستان (2001) وعمليات عسكرية أخرى قررتها إدارة بوش كرد فعل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. ونحن نتحدث عن حجم أموال أكبر أنفق في الحرب الأمريكية على الإرهاب بقطع النظر عن حجم تلك الأموال تحديدًا. وهو الأمر الذي يُثير التساؤل حول مدى الكفاءة في استخدام تلك الأموال وأي نتائج حققتها.

القاعدة بين التراجع والعودة

من المحتمل أن تكون القاعدة الآن أضعف مما كانت عليه في عام 2001؛ نظرًا لأن قادتها في حالة فرار دائم من استهدافهم، وبسبب خسارتها لعديدٍ من كوادرها، وفقًا لبول بيلار في حوار عبر البريد الإلكتروني لـ quot;واشنطن بريزمquot; وبيلار رجل مخابرات سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، ومسئول في الاستخبارات القومية ، بالإضافة إلى كونه أستاذًا زائرًا في جامعة جورج تاون حيث يقوم بتدريس الدراسات الأمنية.

ركزت العمليات الأميركية المناهضة للإرهاب على الهيكل العسكري للقاعدة، وعلى قياداتها. والدليل على ذلك هو القائمة الطويلة لكبار مسئولي القاعدة المستهدف اغتيالهم مثل أبي مصعب الزرقاوي، المسؤول الأول للقاعدة في العراق والذي اغتيل في العام 2006.

و يقول بول ويلكنسون في حوار منفصل: إن القضاء على عدد من كبار المسلحين في القاعدة قد أضر بتلك الشبكة، ولكن يبدو أن هذا الضرر يتم إصلاحه سريعًا، فلا توجد هناك أدلة على أن القاعدة تعجز عن إيجاد قيادات بديلة، أو عملاء ذوي خبرة. أما عن ويلكنسون فهو أستاذ سابق في العلاقات الدولية، ومدير سابق في مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي في جامعة سات أندروز باسكتلندا، وهو أحد كبار الخبراء الأوروبيين فيما يخص القاعدة والشبكات الإرهابية.

والحقيقة أنه بالرغم من الانتكاسة المؤلمة التي يسببها القضاء على أحد كبار القاعدة لهذا التنظيم، فإن القاعدة قد أظهرت نشاطًا قويًّا في ملء الفراغات على المستويات المتوسطة والعليا. بالإضافة إلى أن القاعدة أظهرت قدرتها بشكل متكرر على إعادة تنظيم صفوفها بعد الضربات الكبرى. فقد عانوا من انتكاسة كبرى في العراق، ولكنهم قاموا بتعزيز مواقفهم في باكستان ومدوا نفوذهم وضغوطهم في أفريقيا، ليس فقط في القرن الأفريقي، ولكن أيضًا في غرب أفريقيا، وفقًا لويلكنسون.

ونتيجة لذلك فإنه يصعب معرفة التأثير الحقيقي الذي تحققه الاغتيالات المستهدفة. فعلى سبيل المثال، ما التأثير الحقيقي للعملية التي نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي أدت إلى مقتل أبي بكر الليبي، أحد كبار المسؤولين في القاعدة في منطقة حدودية في باكستان نهاية العام الماضي؟. إن فقدان خبرات ذات قيمة من المحتمل أن تمثل خسارة كبيرة لجماعة ما، بالرغم من الميزة التعويضية التي يحققها الترقي، ووجود دماء جديدة، كما يقول بول بيلار.

تحول القاعدة إلى قواعد أصغر

ففي الوقت الذي تستهدف فيه الولايات المتحدة الهيكل المركزي للقاعدة، الذي يعوق أنشطة الخلية quot;الأمquot;، فإنها في الوقت ذاته تدفع إلى نمو أجيال جديدة أصغر وفي أصقاع بعيدة. فيقول جاري لافري خلال حوار تليفوني:quot;لقد لاحظنا أنه ابتداءً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن بعدها هجمات لندن ومدريد ومومباي، فإننا أصبحنا نشهد ظاهرة ما يسميها مارك ساغمان quot;مجموعة الرجال quot;، ولافري هو مدير الجمعية الوطنية لدراسة الإرهاب والردود على الإرهاب ، وهو مركز ترعاه وزارة الأمن الداخلية الأمريكية ومقره في جامعة ماريلاند.

ونتيجة هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تركز على quot;القاعدة المركزيةquot;، إلى تحول القاعدة إلى تنظيم لا مركزي، ولكن هذه اللامركزية المتزايدة تقود إلى تغيير تعريف الإرهاب، حيث تنشأ مشكلة لدى الخبراء والأكاديميين الذين يحاولون تصنيف أنشطة الجماعات الإرهابية. ففي هذا الصدد يقول لافري:quot;إن تعريف ماهية القاعدة وما يمكن أن يعد أنشطة للقاعدة هي عملية معقدة في العراق خاصةً. في هذا البلد ينتشر العنف بشكل كبير لدرجة أنك تجد صعوبة في التفرقة بين ما يمكن اعتباره أنشطة عسكرية، أو تمرد، أو جرائم عادية، أو إرهابquot;.

ويوجز لافري التحديات التي يواجهها في تسجيل الهجمات في العراق خلال ما سجله في قاعدة بيانات قام بعملها ،حيث تحتوي على أكثر من 80000 من حوادث الإرهاب التي وقعت في جميع أنحاء العالم منذ عام 1970. وبينما تتبنى مزيدٌ من الجماعات الإرهابية التقليدية المسئولية عن أعمالها، مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي، وعادة ما تعلن مسئوليتها عن أعمالهم، فإنه في المقابل نادرًا ما تقوم القاعدة بالشيء ذاته بالنسبة لتبني مسئولية هجماتها. فبعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، أعلنت الخلايا الإرهابية مسئوليتها عن 9 ٪ فقط من جميع أحداث العنف. هذا يعقد إلى حد كبير مهمة المكلفين بتقييم قوة القاعدة المتأرجحة والتطورات في هيكل قوتها الداخلية.

اتفاق استهداف القوات الأميركية

يقول لافري LaFree: إن القضاء على قيادة الخصم كانت دائمًا استراتيجية بالغة الأهمية في الحرب التقليدية، ولكن هذا الأمر لم يعد صحيحًا. quot;فضرب قيادة الخصم لا يحمل المعنى ذاته عندما يكون هناك قدر ضئيل من الدعم والتعاطف لنوعية الأفكار التي يتم طرحهاquot;. ولهذا قام مركز لافري ldquo; بالاشتراك مع موقع worldpublicopinion. بإجراء عديد من استطلاعات الرأي في الشرق الأوسط. ويدار موقع Worldpublicopinion.Org من جانب برنامج اتجاهات السياسات الدولية في جامعة ماريلاند، ويحتوي على مجموعة مراكز أبحاث تقوم بدراسة الرأي العام العالمي حول التطورات الدولية.

وتشير آخر نتائج الاستطلاع التي نشرت في الرابع والعشرين من فبراير، إلى أن الغالبية العظمى من العالم الإسلامي تتفق مع هدف القاعدة في إزالة القوات الأمريكية من الدول الإسلامية. هذه النتيجة كانت صحيحة بالنسبة لـ87% من المصريين، و64% من الإندونيسيين، و60% من الباكستانيين. كذلك يشير استطلاعٌ إلى رفض الرأي العام لدى المسلمين استهداف المدنيين في سبيل تحقيق تلك الأهداف. ومع ذلك، فإن هذا الاستطلاع يوضح أن بعض ادعاءات القاعدة تجد صدى يتجاوز عملاءها المسلحين إلى بعض المسلمين العاديين. وعدد كبير منهم، بل أغلبية في بعض الحالات تم إجراء حوار معهم بواسطة START و worldpublicopinion.Orgيوافقون على تنفيذ هجمات ضد القوات الأميركية في البلاد الإسلامية.

اختلاف حول آليات المواجهة

حول آليات مواجهة هذا التنظيم المتنامي اختلف المحللون والباحثون، فمنهم من قال: إن عدم وجود نهج أكثر شمولاً من جانب الولايات المتحدة، نهج من شأنه أن يعالج الآثار الاجتماعية المترتبة على القاعدة بدلاً من استخدام الولايات المتحدة لتفوقها العسكري وحده، لن يحقق نتائج أو نصرًا حاسمًا، فالقوة العسكرية أخفقت في تحقيق النصر أو القضاء على القاعدة. وفي هذا السياق يقول بول بيلار :quot;على الأقل فإن المنظمة ليست عاجزة، بل إن الحركات الإسلامية الراديكالية في عمومها والتي تمتد إلى ما وراء تنظيم القاعدة تعد أقل عجزًاquot;. ويكرر ويلكنسون الكلام ذاته قائلا : quot;أشك في أن التنبؤ بوجود انقسام قاتل داخل الشبكة هو أمر سابق لأوانه.quot;

ويتحفظ لافري على اتباع النهج العسكري الخالص في محاربة الإرهاب العالمي قائلاً: quot;إن مطاردة فقط ما يطلق عليه العسكريون quot;الرجال الأشرارquot; له تأثير سيء سواء على الناس الذين يعيشون في مكان بعيدٍ في باكستان أو العراق أو أفغانستانquot;. ودعا في المقابل الولايات المتحدة إلى الاهتمام أكثر بكسب قلوب وعقول الناس، ويقول لافري: quot;يجب علينا أن نتذكر أن خصومنا يقومون بتقديم الخدمات الاجتماعية وأن لديهم تواجد حقيقي في مجتمعاتهم، وإذا تم خسارة هذه المعركة، فإن الخسارة ستشمل الحرب برمتهاquot;.

ومن ضمن سياسات محددة لإدارة بوش، يمتدح بول بيلار السياسة التي ركزت بشكل متزايد على الترتيبات الأمنية المضادة على الأراضي الأميركية التي يعتبرها بيلار الخطوة الأكثر تأثيرًا والتي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة . ولكنه يضيف quot;ولكن الأمر الذي لم يكن جيدًا هو وضع كل الإرهاب في سلة واحدة، واستخدام نهج من ليس معنا فهو مع الإرهابquot;. ويرى بيلار أن إدارة أوباما الجديدة سوف تنبذ استخدام المصطلح المضلل والضار quot;الحرب على الإرهابquot;. ففي رأيه أن ذلك الخطاب قد قام بترجيح وجهة نظر المتطرفين في أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية هي حرب على الإسلام.

ووفقًا للافري، فإن الحكومة الجديدة بالولايات المتحدة يجب أن تبحث عن شركاء دوليين، فيقول: quot;إن فكرة قيام دولة واحدة بهذه المهمة دون تعاون دولي هي فكرة خطرة.quot; و يخلص لافري بملاحظة شبه متفائلة، بإعادة الدعوة لحدوث دعم مماثل للولايات المتحدة من العالم كما حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولكن ذلك الدعم تبعثر بعد ذلك، فيقول بيلار: quot;إن المجتمع الدولي لا يسعده العنف العشوائي وقتل وتعذيب البشر، بقطع النظر عمن يقف وراء ذلكquot;.