بعد أن أصبح مسرحاً لواحدة من أعنف عمليات الحراك السياسي
موقع تويتر .. الرسالة التي صدمت العالم في أزمة إيران الأخيرة

quot;إيلافquot;: برغم تخصصه أساساً في تقديم خدمات التواصل الاجتماعي الترفيهية للملايين من مستخدمي الشبكة العنكبوتية حول العالم، إلا أن موقع تويتر للتدوين المصغر تحول بشكل سريع على مدار الأيام القليلة الماضية إلى ظاهرة عالمية، بعد أن تم الارتكاز عليه كوسيلة سياسية فعالة في الأزمة الإيرانية الأخيرة. وفي هذا السياق تعد صحيفة الأوبزرفر البريطانية تقريرا ً مطولا ً حول الطريقة التي تحول بها الموقع بهذا الشكل متسارع الخطى، كي يصبح مسرحاً لواحدة من أعنف عمليات الحراك السياسي منذ تدشينه. بداية ً تقول الصحيفة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يكن منشغلا على مدار الأسبوع الماضي فقط بمناوشات الكونغرس ومضايقات الذبابة التي ظلت تطارده خلال تسجيله لقاء تليفزيوني، بل كان هناك أمرا ً آخراً يدور في ذهنه. فرغم مشهد الحريق السياسي الهائل الذي نشب في إيران قبل أيام، إلا أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية شعروا بأنهم مقيدو الحركة نتيجة لتوتر العلاقات بين بلادهم وطهران: فهم يبحثون عن طريقة للتأثير من خلالها على الأحداث الواقعة على أرض الواقع دون أن يتدخلوا فيها. وبالفعل، وجدوا ملاذهم هذا في شبكة الإنترنت.

لكن وعلى غير المتوقع، لم يكن المصدر الذي اعتمدوا عليه هو جيش إيران الضخم من المدونين السياسيين أو حتى الشركات المقدمة لخدمات الويب التي تم إيقافها من جانب حكومة البلاد الميالة للنقد القاسي. بل جاء اعتماد المسؤولين الأميركيين عوضا ً عن ذلك على موقع تويتر لخدمات التواصل الاجتماعي، الذي أصبح بسرعة البرق مصدرا ً رئيسيا ً للمعلومات من خلال التحديثات الصادمة الواحدة تلو الأخرى بشأن التظاهرات التي جاءت في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران.

وبمجرد أن سمع المسؤولون أخبارا تتحدث عن اعتزام مهندسين من إحدى الشركات في كاليفورنيا لإخضاع الموقع لبعض أعمال الصيانة، كشف مسؤول في الخارجية الأميركية عن أن واشنطن طلبت بصورة غير مسبوقة على الإطلاق من مسؤولي الموقع إرجاء تلك العملية المقررة والتي كانت ستوقف خدماته حتى نهاية الأسبوع وذلك لإفساح المجال أمام المعارضين الإيرانيين لمواصلة استخدامه. ويسمح quot;تويترquot; لمشتركيه بإرسال رسائل لا يزيد طول الواحدة منها على 140 حرفا ً، سواء عبر الهواتف المحمولة أو الكمبيوتر مباشرة، وهو ما استغله المعارضون للانتخابات الإيرانية لنقل صوتهم إلى الخارج بعد قيام السلطات الإيرانية بالتضييق على مواقع quot;فيس بوكquot; وquot;يوتيوبquot; .

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن بيز ستون، واحد من مؤسسي الشركة، قوله في اليوم التالي من طلب المسؤولين الأميركيين :quot; من المخزي أن يعتقد البعض أن شركتنا التي لم يمر على إنشائها سوى عامين من الممكن أن تلعب مثل هذا الدور العالمي المؤثر، ولهذا الدرجة التي تدفع بمسؤولي وزارة الخارجية للمضي قدما ً نحو تسليط الضوء على أهميتناquot;. لكن الصحيفة عاودت لتؤكد على أنه ومما لا شك فيه أن الموقع يلعب دورا ً محوريا ً في نشر الأخبار من داخل إيران إلى العالم الخارجي، في الوقت الذي يهوى فيه الآلاف من مستخدمي الإنترنت والهواتف المحمولة تمرير الرسائل والصور التي توثق الأحداث التي تجري على أرض الواقع.

وتقول الصحيفة أنه من السهل المبالغة في تقييم المكانة التي يتمتع بها تويتر على الصعيد الداخلي في إيران الآن، ويبدو بشكل مؤكد إلى حد كبير أن الكلام الذي يلفظه الأشخاص، وكذلك المكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، هي أمور تحظى بأهمية متزايدة في المساعدة على تنظيم المسيرات. ناهيك عن الدور الحقيقي الذي يلعبه في نقل الأخبار إلى الساحة العالمية. وقد جاءت التطورات السياسية الأخيرة في إيران لتؤكد على حقيقة الخط البياني المتنامي الذي بدأ يسلكه الموقع من الناحية الجماهيرية. رغم أن خطط القائمين على الموقع لم تكن تسير في مثل هذه الاتجاه عند طرح فكرة تأسيسه قبل ثلاث سنوات، فالحديث كان يدور وقتها عن مشروع إلكتروني مختلف، عبارة عن شركة بودكاست مشوقة وواعدة يطلق عليها Odeo. ووقتها قام المبرمج جاك دورسي باستعراض فكرة إنشاء موقع إلكتروني بسيط على زملائه، حيث قال لهم أن هذا الموقع سيكون من شأنه السماح للأشخاص بتحديث أنشطتهم والأماكن التي يتواجدون بها عن طريق الهاتف المحمول. وهي الفكرة التي أعجبتهم، ما دفعهم للقيام بعدها بتطوير نموذج أولي، ومن ثم جاء مولد موقع quot;تويترquot;.

وتطرقت الصحيفة كذلك لبدايات الموقع قبل أن يتحول لنافذة سياسية تحظي بكل هذه الأهمية، وقالت أنه كان يعتبر في البداية مجرد وسيلة يستعين بها مهووسو الشبكة العنكبوتية لإخبار بعضهم الآخر بما يقومون به من أنشطة على الإنترنت بشكل مباشر. بعدها، لجأ القائمون على شركة Odeo الناشئة إلى طرف شراكة ثالث هو إيفان ويليامز، حيث استعان بالأرباح المادية التي حققها من وراء أعماله السابقة لتمويل عمليات التطوير الأولية لتويتر. وبعدها، بدأ يُعرف بـ Twttr . وبعد أن لاقي الموقع قبولا ً كبيراً في quot;وادي السيليكونquot; الواقع على مقربة من سان فرانسيسكو وهو مستقر لشركات التكنولوجيا وصناعات التكنولوجيا المتطورة في الولايات المتحدة منذ عقود، بات أكثر ازدهارا ً وانتشارا ً، حيث تحول إلى نوع من أنواع غرف الدردشة على شبكة الإنترنت، وبدأ يستعين به الملايين في تبادل الرسائل.

ومما عزز من انتشار الموقع وتزايد جماهيريته، هو إقدام عدد كبير من المشاهير على الاشتراك به، أمثال ستيفن فراي، وبريتني سبيرز، ورابر 50 سنت، ونجم منتخب السلة الأميركي شاكيل أونيل وجوناثان روز وفيليب سكوفيلد. ونظرا ً لأن المستخدمين يختارون أي الرسائل التي يرغبون في رؤيتها على الصفحات الرئيسية الخاصة بهم على الموقع، يمكن لهؤلاء المشاهير أن يتواصلوا مع جمهورهم، وان كان ذلك بشكل محدود. كما انبهر السياسيون أيضا ً بالأسلوب المستحدث الذي يقدمه الموقع للتواصل مع الجمهور، ومن بينهم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي استعان فريق العمل الخاص به بـ quot;تويترquot; خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد العام الماضي، بالإضافة لعدد كبير من النواب، وأعضاء الكونغرس، وأعضاء مجلس الشيوخ، وغيرهم من الشخصيات البارزة.

وفي المقابل، ظهرت بعض الأصوات التي بدأت توجه انتقاداتها الحادة للموقع، من خلال التعبير عن احتقارهم لما قالوا عنه quot;لحظية الموقع الإدمانيةquot;، وكذلك الضجة التي رافقت عملية انتشاره حول العالم، أو شكواهم من هؤلاء الذين يتاجرون في التفاهات والغفلة. كما شن البعض هجوما على الموقع بسبب قضية عدم موثوقيته المتأصلة، في حين قلل البعض الآخر من تنامي نفوذه على شبكة الإنترنت. وعن رأيه في حالة الجدل المثارة حاليا ً حول تويتر، قام كلاي شيركي، الأستاذ بجامعة نيويورك والمعروف عنه تحليله للطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص عن طريق الإنترنت، بوصف هذا الاتجاه من منظور مشرق، حيث قال :quot; لا تصبح هذه الوسائل ممتعة من الناحية الاجتماعية إلا إذا أصبحت مملة من الناحية التكنولوجية. ولا يتحقق ذلك عندما تعم الوسائل الجديدة اللامعة على المجتمع، بل عندما يسلم بها الجميعquot;.

ثم عاودت الصحيفة لتؤكد مجددا ً على التأثير الكبير الذي حظي به الموقع على سير الأحداث الأخيرة في إيران، وقالتquot; يكفي أن الثورة الحالية أصبحت الأولى من نوعها التي تصل للساحة العالمية ويتم تحويلها بهذا الشكل على يد وسائل الإعلام الاجتماعيةquot;. وبواقع العيش بداخل أجواء التظاهرات المناوئة لأحمدي نجاد في شوارع طهران، قد يهزأ البعض من تفاهة النظام، لكن إيران كانت آخر المنضمين لقائمة الدول التي شهدت أحداثا ً كبرى ولاقت اهتماما إعلاميا كبيرا على الصعيد العالمي بفضل موقع تويتر. تماماً مثلما حدث عند وقوع زلزال مقاطعة سيشوان في جنوب غرب الصين يوم الثاني عشر من شهر مايو / آيار عام 2008، حيث كان الموقع أول من تحدث عن الزلزال. وفي نهاية العام ذاته، قام مستخدمو الموقع بتوثيق هجمات مومباي أمام الجمهور العالمي قبل أن تتحدث عنها الشبكات الإخبارية. كما سبق وأن ظهرت على الموقع أول صور للطائرة الأميركية التي سقطت اضطراريا ً في نهر هيدسون بنيويورك قبل عدة أشهر.

ونتيجة لذلك، تؤكد الصحيفة في الختام على أن الموقع الذي ظهر في البداية كتجربة بين حفنة من الموظفين، قد وجد نفسه الآن يصل إلى مفترق طرق غريبة تتواصل فيها الشؤون المجتمعية والتكنولوجية والسياسية ببعضها الآخر، وبتأثيرات عميقة في بعض الأحيان. وتبدو النتيجة النهائية الواضح الآن هي أن تويتر يقود موجة كبيرة من الضجيج. وبرغم كل هذه المميزات التي يحظى بها الموقع، إلا أنها لا تقارن بنجاحه حتى الآن في الصمود والاستمرار بعيدا ً عن إغراءات البيع أو أخطار الانهيار. فبعد أن سُئل جميع العاملين بشركتي غوغل وآبل عن ما يتردد حول توافر النية لديهم لشراء الشركة المسؤولة عن الموقع، رفض تويتر مطلع العام الجاري عرض استحواذ من الفيس بوك تقدر قيمته بـ 500 مليون دولار. ويكفي أن المؤسس الشريك في الموقع، إيفان ويليامز، سبق وأن صرح بأن الموقع ليس مطروحا ً للبيع ولو بمليار دولار.

ترجمة: أشرف أبوجلالة من القاهرة