واشنطن: أسفرت الحرب الأميركية على العراق عام 2003 عن عدة تداعيات كارثية على المستوى الإنساني، كان من أهمها تشريد ملايين العراقيين ولجوئهم للدول المجاورة فرارًا من المواجهات العسكرية بين الميليشيات المسلحة من جانب والقوات الأميركية والعراقية الرسمية من جانب آخر، ناهيك عن تصاعد وتيرة العنف الطائفي والتفجيرات الانتحارية والتي كانت جميعها انعكاسًا للأوضاع الأمنية المتردية والانقسامات الأولية السائدة بالعراق. ولقد اتجه الآلاف من اللاجئين العراقيين للولايات المتحدة من خلال برنامج إعادة التوطين الأميركي.
وفي هذا الصدد عقد معهد سياسات الهجرة الأميركي Migration Policy Institute وهو مركز مستقل للفكر والرأي وغير هادف للربح حلقة نقاشية حول أوضاع اللاجئين العراقيين بالولايات المتحدة والتحديات التي تواجههم بالتنسيق مع لجنة الإنقاذ الدولية International Rescue Committee بمناسبة اليوم العالمي للاجئين في 20 من يونيو 2009 .

وتمثل الاستنتاج الرئيسُ الذي تم التوصل إليه أن برنامج إعادة التوطين يجب أن تشمله سياسات التغيير التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالنظر إلى استمرار الأوضاع المتردية للاجئين العراقيين في الولايات المتحدة وارتفاع معدل البطالة بينهم إلى حوالي 9.4 % وفشلهم في العثور على مأوى ملائم أو مصدر للدخل لإعالة أسرهم.
قبول اللاجئين كأداة للسياسة الخارجية الأميركية

أسست الولايات المتحدة في عام 1980 برنامج قبول اللاجئينUnited States Refugee Admissions Program كأحد آليات تنفيذ قانون اللاجئين لتنظيم دخول اللاجئين الأجانب للولايات المتحدة، بحيث يحدد الرئيس الأميركي بالتشاور مع الكونجرس عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة في العام الواحد. واستهدف تدشين ذلك البرنامج أن يكون أحد آليات السياسة الخارجية الأميركية لحماية اللاجئين ومراعاة الأبعاد الإنسانية على المستوى الدولي.
ويمثل إعادة التوطين بالنسبة للاجئ منحه فرصة ثانية للحياة بحرية والتمتع بالأمن والاستقرار الذي لا يجده في دولته الأصلية، ومن ثم يتمتع بكافة الحقوق القانونية في الحياة والعمل بالولايات المتحدة ويمكنه التقدم للحصول على الجنسية الأميركية بمرور خمس سنوات من الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة.

ونتيجة للمزايا سالفة الذكر أصبحت الولايات المتحدة رائدة على المستوى الدولي في إعادة توطين اللاجئين. حيث قامت الولايات المتحدة بإعادة توطين حوالي 2.6 مليون لاجئ منذ عام 1975. وشهد عام 2008 قيام الولايات المتحدة بإعادة توطين حوالي 60 ألف لاجئ أجنبي، ومن المرجح أن يتصاعد هذا العدد خلال العام الحالي (2009) ليصل إلى حوالي 75 ألف لاجئ.
وفي السياق ذاته كان تردي الأوضاع الإنسانية في العراق منذ عام 2003 أحد دوافع تصاعد إعادة توطين اللاجئين العراقيين في الولايات المتحدة بحيث تصاعد عددهم من 202 لاجئ في عام 2006 إلى ما يقارب حوالي 17 ألفًا في عام 2009. ففي فبراير 2009 قامت بعثة تابعة للجنة الإنقاذ الدولية بتفقد أوضاع اللاجئين العراقيين في الأردن وسوريا كشفت عن الأحوال المحبطة التي يعيش فيها اللاجئون دون تنظيم وضعهم القانوني أو منحهم حق العمل، ناهيك عن استغلالهم سياسيًّا وانتهاك حقوقهم بصورة متكررة وهو ما حدا بجورج روب George Rupp المدير التنفيذي للجنة لتأكيد أن إعادة توطين اللاجئين في الولايات المتحدة يُعد أحد الآليات الأساسية لتحسين أوضاع اللاجئين العراقيين.

اللاجئون العراقيون في أميركا وأزمة البطالة
تتضمن عملية إعادة توطين اللاجئين قيام برنامج اللاجئين الأميركي بتقديم المساعدة للاجئين العراقيين في الحصول على سكن مؤقت لفترة محدودة وتعلم اللغة الإنجليزية وتسجيل أطفالهم للدراسة بإحدي المدارس، فضلاً عن توفير فرص العمل. و لكن في ظل الأزمة المالية التي ألمت بالاقتصاد الأميركي لم تعد فرص العمل متوافرة للاجئين العراقيين على حد قول روبين دن ماركوس Robin Dunn-Marcos المدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية International Rescue Committee في أريزونا وبات على اللاجئين العراقيين أن يتحملوا المعاناة في البحث عن فرص العمل والتعرض لمخاطر التشرد وافتقاد المأوى في أول سنوات إقامتهم بالولايات المتحدة.

ونقلت روبين عن أحد اللاجئين العراقيين قوله لماذا لا يتم تخطيط أوضاع اللاجئين قبل السماح لهم بالانتقال للولايات المتحدة. وأشارت إلى أن برامج إعادة توطين اللاجئين أضحت تواجه تحديات متعددة من أهمها انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي في الموارد المالية من حوالي 80% عام 2007 إلى 50% عام 2008، في حين بلغت هذه النسبة حوالي 10% في العام الحالي، وبررت روبين استمرار البرنامج في جلب اللاجئين العراقيين للولايات المتحدة بأنه يُسهم في إنقاذ حياة هؤلاء اللاجئين.
تحديات دمج اللاجئين العراقيين في المجتمع الأميركي

وعلى الرغم من وجود نماذج إيجابية لنجاح برامج إعادة التوطين في إيجاد فرص عمل للاجئين ودفعهم للتأقلم مع الحياة في المجتمع الأميركي فإن غالبية اللاجئين العراقيين بالولايات المتحدة يشعرون بالإحباط نتيجة اقتصار الدعم المالي الحكومي على ثمانية أشهر والصعوبات التي تواجههم في إيجاد وظيفة حتى الحاصلين على مؤهلات علمية عالية مثل البكالوريوس والماجستير بما يجعلهم يواجهون احتمالات الطرد من منازلهم وعدم القدرة على إعالة أسرهم اعتمادًا على ذلك الدعم المالي المحدود. كما يفتقد اللاجئ العراقي للدعم على المدى البعيد بما جعل أزمة اللاجئين العراقيين أحد معالم الركود في السياسة الخارجية الأميركية وفق ما أشارت إليه كاثلين نيولاند Kathleen Newland العضو المؤسس بمعهد سياسات الهجرة الأميركي Migration Policy Institute وأحد أعضاء مجلس مديري لجنة الإنقاذ الدولية والتي نوهت إلى أن عديدًا من اللاجئين لا يمتلكون وثائق هوية ومنذ وصولهم للولايات المتحدة تتدهور أوضاعهم لدرجة أن بعض الأطباء العراقيين يعملون في مطاعم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز أو لا يجدون فرص عمل على الإطلاق وهو ما يمكن اعتباره إهدارًا لرأس المال البشري.


وإذا كان الهدف هو دمج اللاجئين العراقيين بصورة سريعة وآمنة في المجتمع الأميركي، فإنه يجب إعادة النظر في هيكل عملية إعادة التوطين. وتحدث روبرت كيري نائب رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ عن الحاجة الماسة لتغيير جذري بعيد المدى يتجاوز التعديلات المؤقتة التي لا تراعي توفير شبكة أمان للاجئين قبل استقدامهم للولايات المتحدة. ولكن تظل برامج إعادة التوطين الخيار الوحيد لآلاف العراقيين لحمايتهم من مواجهة العنف والاضطهاد في بلدهم الأصلية أو في المنفى في دول أخرى بمنطقة الشرق الأوسط.

نحو توطين آمن للعراقيين في أميركا

تعترض عملية إعادة توطين اللاجئين العراقيين بالمجتمع الأميركي عدة تحديات لاسيما ضعف التمويل والاختلاف في أحوال اللاجئين من مجتمع محلي لآخر ومن ولاية لآخرى، ومن ثم صدرت عدة توصيات عن الحلقة النقاشية التي نظمها معهد سياسات الهجرة الأميركي لمعالجة أوجه القصور في برامج إعادة التوطين وكان من أهمها ضرورة زيادة الدعم المالي الفيدرالي المخصص لمساعدة اللاجئين العراقيين بحيث يمثل استثمارًا طويل الأجل من جانب الإدارة الأميركية بما يتطلب عقد عدة جلسات من جانب الكونجرس لزيادة تمويل إعادة التوطين وتوسيع النطاق الزمني لتمتع اللاجئين بالخدمات.
وعلى مستوى آخر يجب أن يتم تجنب نظام الاختيار العشوائي للتوطين (resettlement lottery) لأن اللاجئين يجب أن يحصلوا على خدمات رسمية بشكل متساوٍ بقطع النظر عن الولاية التي تستضيفهم، وبحيث لا يكون وضع قاطني كاليفورنيا أو فلوريدا على سبيل المثال أفضل ممن يقطنون ولايات أخرى.

وفي السياق ذاته فإن المرونة في تطبيق التوطين سوف تؤدي لنتائج أفضل ومن ثم قد لا يكون السعي لإيجاد وظائف للاجئين بشكل فوري ملائمًا وإنما يجب أن يسبق ذلك التحقق من مستواهم التعليمي والمهني والتأكد من ملائمة قدراتهم لسوق العمل في الولايات المتحدة، كما لا يمكن توقع حصول بعض الفئات من اللاجئين على وظائف بصورة سريعة مثل الأطفال والأرامل ومن يعانون من الاكتئاب والصدمات النفسية الناتجة عن العنف والاضطهاد. ويوصي الخبراء أيضًا بالإعداد الجيد لإعادة التوطين واطلاع اللاجئين الراغبين في النزوح للولايات المتحدة بالتحديات التي ستواجههم بما يعطيهم قدرة أكبر على تقييم أوضاعهم وإعداد أنفسهم لتغيير مسار حياتهم، فضلاً عن الحاجة لدراسة برامج إعادة التوطين ومساعدة اللاجئين بالولايات المتحدة منذ عام 1980 للوقوف على التحديات التي تعترض تطبيقها ومدى ملائمة آليات تنفيذها، بالإضافة إلى تلبيتها لاحتياجات اللاجئين المختلفة باختلاف موطنهم الأصلي وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
وختامًا يمكن القول إن الأوضاع المتردية التي يعاني منها اللاجئون فيUnited States الولايات المتحدة الأميركيةare not just confined to Iraqis because, unfortunately, this crisis has become the norm for most other refugees resettled in the country. لا تقتصر على العراقيين فقط، بل امتدت لتشمل اللاجئين معظهم الذين أعيد توطينهم في الولايات المتحدة، لاسيما في ظل تقلص تمويل تلك الأنشطة على أثر الأزمة المالية العالمية بحيث أضحى برنامج إعادة التوطين هو بمثابة إضفاء الطابع المؤسسي على التشرد والفقر على حد وصف خبراء الهجرة الأميركيين.US ولذا يتعين على الإدارة الأميركية أن توفر مقومات البقاء للاجئين العراقيين لأنهم يعتبرون من الأصول الاقتصادية والثقافية للمجتمع الأميركي القائم على التضامن بين مجموعات متباينة من المهاجرين.

ولم تتلقى اللجنة إلى الآن أي رد فعل على مطالبها من إدارة الرئيس أوباما لأن ترشيح إريك شوارتز بمثابة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشئون السكان واللاجئين والهجرة لم يتم التصديق عليه بعد من قبل الكونجرس.However, it must be noted that many inside the government are already aware of the problems and the IRC hopes that once key people, such as Mr. Schwartz, are in position, the issue will then be rectified. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن عددًا كبيرًا من مسئولي الإدارة الأميركية على علم بإشكاليات برامج توطين ومساعدة اللاجئين إلا أن مسئولية بقاء قضية اللاجئين العراقيين في دائرة الاهتمام هي مسئولية تقع على عاتق الجميع.