واشنطن: بدأت اصابع الاتهام تشير الى مسئولية الجماعة الاسلامية في إندونيسيا عن التفجيرات التي وقعت اليوم في فندقي ماريوت وريتز كارلتون بالعاصمة جاكرتا مما أدى الى مقتل 12 شخصا وإصابة اكثر من 50 جريحا معظمهم من السياح الاجانب.ومع اعتقاد بعض المحللين السياسيين انحسار نفوذ الجماعة الاسلامية في السنوات الاربع الماضية، إلا أن انفجاري اليوم يؤكدان عكس ذلك خصوصا بعد الافراج عن اكثر من 100 عضو من اعضاء المنظمة في اندونيسيا في مقدمتهم الزعيم الروحي المزعوم للجماعة ابوبكر باعشير.


وتتبنى الجماعة الاسلامية في جنوب شرق اسيا والتي تتخذ من اندونيسيا مقرا لها افكار منظمة القاعدة على اعتبار انها الفرع الرئيسي لها في جنوب شرق اسيا لتنفيذ التفجيرات ضد اهداف ومصالح غربية خصوصا في استراليا واندونيسيا وسنغافورة وماليزيا.
وأشار عديدٌ من الدراسات والكتابات الأميركية إلى أن الشرق الأوسط هو أساس ظاهرة quot;الإرهابquot; الذي يعمل تحت ستار الإسلام، وأنه استطاع من هذه المنطقة نشر أفكاره لخارجها؛ من خلال تقديم هذه المنطقة لنماذج وجماعات إسلامية لها مصالحها السياسية التي تؤثر بالسلب على الأمن الإقليمي والدولي. ونشرت دورية الشرق الأوسط Middle East Quarterly ـ التي تصدر كل ثلاث أشهر عن منتدى الشرق الأوسط Middle East Forum والذي تتسم أغلب كتاباته بالانتماء للتيار المحافظ ـ في عددها الصادر في شتاء 2009 دراسة بعنوان quot; الجماعة الإسلامية تتبنى نموذج حزب الله محاولة تقييمية لنفوذ حزب الله Jemaah Islamiyah Adopts the Hezbollah Model, Assessing Hezbollah Influence.، تتناول إندونيسيا ـ الدولة الآسيوية ذات الأغلبية المسلمة ـ كأحد ساحات انتشار هذا التيار، واستفادة جماعاتها الإسلامية من خبرة الشرق الأوسط في مجال التطرف وتنظيمه في إطار الإسلام السياسي، حسبما جاء في الدراسة.


نشأة الجماعة الإسلامية في إندونيسيا

عن نشأة الجماعة تقول الدراسة: إنها نشأت من رحم حركة إسلامية تسمى Darul Islam نشأت أثناء كفاح إندونيسيا للحصول على استقلالها من الحكم الهولندي، إلا أنها استمرت في استخدام العنف المسلح كمنهج لما يقرب من عقد فيما بعد الاستقلال فظهرت الجماعة الإسلامية كمنظمة تجديدية تتبنى أدوات العنف والسياسة لتحقيق هدفها المتمثل في إطاحة النظام غير الديني الحاكم واستبداله بنظام حكم إسلامي وإقامة الدولة الإسلامية الدينية.

وبدءًا من عام 1998 استغلت الجماعة الإسلامية انتهاء نظام حكم سوهارتو ودخول إندونيسيا في حالة من الفوضى نتيجة الديمقراطية اللامركزية، والذي شجع الجماعة الإسلامية على إطلاق ما سمي آنذاك بـ quot;مشروع أحد uhud projectquot; الذي يهدف لتطبيق الحكم بالشريعة الإسلامية في المناطق التي يسكن فيها مسيحيون وهندوس، مما أدى لاندلاع أعمال عنف طائفي، وفي عام 2002 استطاعت الحكومة التوصل إلى هدنة.

وتشير الدراسة إلى أن أنشطتها المسلحة شملت قبل هذه الهدنة عدة هجمات وتفجيرات ضد المدنيين كان أبرزها تفجيرات بالي في 2002. وجاء رد فعل السلطات الإندونيسية باعتقال ما يزيد عن 450 عضوًا من أعضاء الجماعة الإسلامية، وحاكمت أكثر من 250 من عناصرها الفاعلين وتتبعت شبكة خلايا التنظيم الإقليمية خارج إندونيسيا. ومازالت الجماعة توصف بالإرهابية؛ فمازالت قوات الشرطة تعلن أنها تلقي القبض على مراكز للتنظيم، وتتحفظ على متفجرات ومواد مستخدمة في عمل هذه المتفجرات في 2008.

وترى الدراسة أنها بدأت باللعب على وتر الطائفية كساحة لإثبات دورها الجهادي في ظل تخاذل الحكومة عن وضع حل لهذه القضية، فيظهر تيارها الذي يدعو إلى الجهاد كحل أمني بديل يكسبها دعمًا شعبيًّا واسع النطاق.


أوجه الترابط والتشابه مع منظمات الشرق الأوسط

تحاول الدراسة بشكل عام مقارنة أسلوب عمل الجماعة الإسلامية في إندونيسيا بأسلوب عمل المنظمات في الشرق الأوسط والتي تتبنى ـ كما ترى الدراسة ـ التطرف والعنف كمنهج في تحقيق مطالبها تحت مسمى الإسلام.

وتشير إلى أن الجماعة الإسلامية في محاولتها لتخطي التراجع الذي شاب مشروعها ونشاطها تعتمد على الاستفادة من خبرة الجماعات المسلحة ذات الطابع الديني في الشرق الأوسط. فمن القاعدة تقتبس المرجعية القيمية الفلسفية، ومن حماس وحزب الله تقتبس سياسة بناء شبكة واسعة من المنظمات الاجتماعية التي تعزز الخلايا (الجهادية) الصغيرة. ومن السعودية ودول الخليج استفادت من تدفق أموالها للتبرع مما يعزز من قوة الجماعة، ويصقل من قدرتها على تحقيق أهدافها الجهادية.

وعن علاقة الجماعة بتنظيم القاعدة تقول: إنه مع نهاية عقد التسعينيات أصبحت الجماعة الإسلامية حليفة لتنظيم القاعدة من خلال تقديم الأخيرة الدعم المادي والمالي للجماعة، كما انضم عدد من عناصر الجماعة الإسلامية لمعسكرات التدريب الخاصة بالقاعدة في أفغانستان. وترى الدراسة أن جهادي جنوب شرق آسيا لا يوجد لديهم مرجعية نظرية فلسفية نمت في إطار ثقافتهم؛ لذلك اعتمدت الجماعة الإسلامية على مفكري تنظيم القاعدة كمرجعية فلسفية لها. وتطبق الجماعة الإسلامية الآن في استراتجيتها من خلال تجنيد العناصر الجديدة وزيادة عدد خلاياها وتدريبها، وتلقين خطابها الديني للعامة، والتحريض على الصراع الطائفي.

وفيما يخص نشر فكرها عن طريق الخطاب الديني نجد أن الجماعة الإسلامية في إندونيسيا دأبت على إرسال عناصر تنتمي لها إلى باكستان لتلقي تعليم وتدريب في المدارس الدينية هناك، والتي تربطها علاقات بحركة طالبان. وهذا لا ينفي وجود مدارس للجماعة الإسلامية داخل إندونيسيا، التي لها دور في نشر أفكارها بما في ذلك البعد التعليمي الفكري محاكاة لنموذج الأخوان المسلمين في مصر ونشاطهم في منتصف التسعينات، وكذلك محاكاة لبنان التي يوجد بها عدد من دور النشر ذات التوجه الإسلامي، وكذلك وجود مؤسسات تعليمية تتبع جماعات إسلامية في فلسطين.

واعتمدت المنظمة على عدد كبير من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الخيرية كغطاء تنظيمي وتمويلي للأعمال (الإرهابية) التي تخطط لها الجماعة الإسلامية من جهة، ولتقديم نفسها إلى المجتمع من جهة أخرى. ومن هنا تذهب الدراسة إلى أن الجماعة الإسلامية تبنت نموذج حزب الله وحماس والمجلس الإسلامي الأعلى في العراق، فتلك التنظيمات تعتمد في أنشطتها على الأعمال الخيرية وتقديم الخدمات الاجتماعية للتعريف بنفسها في محاولة لتجميع المؤمنين بها.

وفي هذا السياق أنشأت الجماعة الإسلامية برنامج كومباك KOMPAK في أواخر عام 1998 والذي يعمل على تقديم مساعدات إنمائية للمواطنين في مناطق النزاع خاصة تلك المناطق التي تشهد صراعات طائفية، وسرعان ما عملت بالشراكة مع منظمة الإغاثة الإسلامية الدولية السعودية والتي واجهت تراجعًا في ظل قيام وزارة الخزانة الأميركية في عام 2006 بوضع منظمة الإغاثة الإسلامية الدولية بفروعها في الفلبين وإندونيسيا على قائمة المنظمات التي تمول الإرهاب بجانب تنظيم القاعدة ذلك لأنها تمول الأنشطة الاجتماعية للجماعة الإسلامية.

وبجانب الدور الاجتماعي الخيري تظهر هذه الجماعات بشكل أوضح في وقت الأزمات عن طريق أعمال الإغاثة فقد مثل كلٌّ من إعصار تسونامي 2004 والزلزال الذي ضرب وسط جافا في عام 2006 فرصةً ذهبيةً لظهور دور الجماعة الإسلامية في إطار مجهودات الإغاثة المحلية والدولية، مما دعم أجندتها الإسلامية على المدى الداخلي، والعمل على تقديم المساعدات والعون الإنساني. ولعل أكبر الدلائل على قدرة هذه المنظمات ذات التوجه المتطرف على فرض دور لها في الأزمات هو اختيار برنامج الغذاء العالمي لمجلس مجاهدين إندونيسيا كواحد من ثماني شركاء لتوصيل ما يقرب من 95% من المساعدات المقدمة، ذلك الاختيار الذي برره المتحدث باسم البرنامج إنه جاء على أساس قدرة المنظمات المختارة على التوزيع وليس على أساس المعتقدات الفكرية والدينية.

وترى الدراسة أن الجماعة الإسلامية استطاعت أن تتخطى تضررها من المناخ السياسي السائد الذي يعمل على تفكيك البنى الإرهابية في إندونيسيا والذي أوضح الطبيعة المسلحة للجماعة؛ لذا ركز قادة الجماعة على العمل السياسي والديني والخيري كبديل لوجودهم ولإخفاء وطبيعتها المسلحة.

آليات التصدي للجماعة الإسلامية

هذه الأعمال الاجتماعية الخيرية والسياسية والإنمائية تبني جبهة من المدنيين المؤيدين للجماعة؛ نظرًا لاستفادتهم المباشرة من خدماتها المقدمة، مما يرسخ من قواعد الجماعة الإسلامية في إندونيسيا على المستوى الشعبي ويجعل التصدي لها والتضييق عليها أمرًا غير سهل. وللتصدي للجماعة ركزت الدراسة على عدد من الآليات، وهي:

أولاً: الآلية السياسية، تدعو الدراسة إلى الوقوف أمام مثل هذه الجماعات الإسلامية والتضييق عليها وعدم الانخداع بالخدمات الآنية التي تقدمها. فمن ناحية مقارنة فإن مثل هذه الأعمال الدينية والخيرية والأنشطة السياسية لم تجعل حماس أو حزب الله أقل اتجاهًا للعنف، وبالتالي ترى الدراسة أنه على السلطات الإندونيسية أن تقوم بما لم تقم به السلطات اللبنانية والإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية تجاه حماس وحزب الله وهو وضع حد للأعمال الخيرية والاجتماعية التي تتحول في النهاية الإرهاب.

وتستبعد الدراسة أن أيًّا من القوى الكبرى في العالم أو الدول الإسلامية القائدة تقوم بممارسة ضغوط متزايدة على جاكرتا لحظر أنشطة الجماعة الإسلامية ذلك لعامل داخلي يتمثل في حساسية الأوضاع داخل إندونيسيا، وآخر خارجي يتمثل في عدم استهداف الجماعة الإسلامية لمصالح غربية مباشرة على عكس الحال في الشرق الأوسط.

ثانيًا: آليـة قانونيـة، دعم القانون الإندونيسي الوطني الحاكم والمنظم لعمليات تمويل المنظمات غير الحكومية عن طريق زيادة الرقابة على مصادر التمويل ليجعل تمويل المنظمات المحظورة أو غير المسجلة تمويلاً غير شرعي وغير قانوني. فمثل هذه الآلية ستكون أكثر فاعلية في منع انتشار أفكار الجماعة أكثر من الآليات المعتمدة الآن كالمحاكمات والاعتقالات وتعيين مسئولين لمكافحة الإرهاب في الأجهزة الأمنية.

ثالثًا: الوقوف أمام احتمالات عودة الجماعة الإسلامية للعنف المسلح كأسلوب ومنهج، فترى الدراسة أن على السلطات الإندونيسية الوضع في الحسبان أن ما تقوم به الجماعة الإسلامية الآن هو تغيير في السياسات وتكتيك المعركة ولكن استراتيجيتها لم تتغير، بمعنى آخر فإن احتمالات رجوع الجماعة لأدواتها المعتمدة على العنف مازالت قائمة والنموذج الحماسيِّ حاضر في هذا الشأن حيث ترى الدراسة أن حماس لم تتخل عن توجهاتها الإرهابية وأدواتها المعتمدة على العنف بعد نجاحها في انتخابات يناير 2006 بل على العكس فيمكن الزعم بأنها أصبحت أكثر شراسة وعنفًا.

وتقول الدراسة: إن العوامل المحفزة لعودة الجماعة الإسلامية إلى درجة أكبر من العنف تتشابه والعوامل التي حفزت حماس وحزب الله على العودة له حيث إن لديهما جميعًا جدولاً زمنيًّا طويل المدى لتحقيق أهدافهم، وكذلك لديهم علاقات وشبكة مصالح تربطهم بالجماعات الإسلامية الأخرى والدول الداعمة لهم، وتستطيع الجماعة من خلال هذه الروابط أن تعيد بناء قدرتها البشرية والمادية بسرعة. وترجع الدراسة إلى الأذهان نظرية التخويف السياسي التي اعتمدتها أنظمة حكم كثيرة مع الولايات المتحدة لتبرير قمعها للجماعات الإسلامية في الداخل من ناحية وإرجاء ضغوط الديمقراطية من ناحية أخرى.

وترى الدراسة أن التهديدات التي تواجه إندونيسيا وهي الدولة المسلمة الأكبر من حيث السكان في آسيا هي تهديد للمصالح الغربية والأميركية، فأي احتمال لوصول قوى إسلامية متطرفة في الحكم سيصبح بمثابة محاكاة للنموذج السعودي الذي يمول الجماعات الإسلامية المسلحة والذي قدم نموذجًا سابقًا له في عمله لتجنيد عناصر في معسكرات اللاجئين الأفغانية وسمح بضم عناصر جديدة للانضمام لهذه الجماعات الإسلامية ناشرًا ثقافة الكراهية ضد الغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، بحيث تصبح إندونيسيا قوى بشرية كبرى ترعى التطرف وتعمل على نشره.

توصيات الدارسة، ورؤية ختامية

وجاءت التوصية النهائية للدراسة لتدعو واشنطن للضغط على إندونيسيا وماليزيا والفلبين لاقتلاع تنظيم الجماعة الإسلامية الإندونيسي وأنشطته السياسية والتمويلية والاجتماعية كأحد أهم أركان الحملة طويلة المدى لمكافحة الإرهاب. فعلى عكس الأصوات التي تدفع في اتجاه دمج واحتواء هذه الجماعات ومحاولات إصلاحها ترى الدراسة أن الحل هو مواجهة الجماعات ذات الطابع الراديكالي على المستوى الأفقي ليشمل تحجيم كافة أنشطتها وعلى المستوى الرأسي ليشمل المواجهة بدءًا من الأفكار والفلسفات المتطرفة التي تقوم عليها حتى الممارسات التطبيقية على أرض الواقع.

وبشكل عام فإن الدراسة اتسمت بتأثر كاتبها بمنطق المؤامرة على جميع المستويات سواء كانت المؤامرة ضد الشعب الإندونيسي من قبل الجماعة الإسلامية أو على مستوى الحل من خلال رسم مؤامرة من قبل الغرب تجاه الجماعة الإسلامية نفسها لحلها بشكل راديكالي وليس تدريجيًّا يسمح بنمو البدائل السياسية لها. كما أن الدراسة افترضت أن السلطات الإندونيسية قادرة على سد الفجوة التي ستظهر إذا ما غابت الخدمات الاجتماعية والخيرية والسياسية المقدمة من قبل الجماعة الإسلامية في الوقت الذي لم تضع فيه الدراسة سيناريوهات بديلة لمرحلة ما بعد القضاء على الجماعة الإسلامية.

وفي التحليل الأخير يمكن القول: إن الدراسة قارنت مقارنة سطحية وليست دقيقة بين المنظمات الإسلامية في الشرق الأوسط والجماعة الإسلامية كنموذج مقارب لها في إندونيسيا فهي أخذت من كل جماعة ما يتشابه والنموذج الإندونيسي، فلم تقم مثلاً بتتبع تطور وآليات نموذج حماس كجماعة وتطور وآليات نموذج الجماعة الإسلامية، وفي ذلك افتراض مستتر من قبل الدراسة بتطابق تجارب ومنطلقات الجماعات الإسلامية فحماس التي ظهرت في أحوال احتلال تختلف عن حزب الله رغم تشابه الأحوال من حيث الأهداف والمنطلقات. بوجه عام تحاول الدراسة الوصول إلى أسلوب تعامل ينطبق على كافة الجماعات الإسلامية لكنها أخفقت في أن تقترح البديل. وترى الدراسة أن الأسلوب الأمثل للقضاء على تهديدات الجماعة الإسلامية هو التضييق عليها حتى لا يبقى لها مصدر قوة أو تأثير.