إعداد عبدالاله مجيد: كتب سام بارك الذي يعمل مدير برنامج في معهد السلام الأميركي مقالا تحليليا في مجلة quot;فورين بوليسيquot; Foreign Policy تناول الشوط الذي قطعه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في مسيرته السياسية خلال السنوات الثلاث الماضية حتى زيارته الأخيرة للولايات المتحدة. وجاء في المقال:

تختلف الظروف المحيطة بزيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى واشنطن اختلافا جذريا عن المرة السابقة التي زار فيها المدينة. ففي تموز/يوليو 2006 كان المالكي شخصية مغمورة في العراق وفي الغرب على السواء ، وكان بلا قاعدة شعبية. اما اليوم فهو القوة المهيمنة في السياسة العراقية، وركز الكثير من سلطة الدولة الناشئة بيده ونال قدرا من الشرعية الديمقراطية بعد انتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني/يناير الماضي. في عام 2006 عندما كان العراق على حافة فشل الدولة ، كان تردد المالكي هو الذي يقلق واشنطن ، واليوم ، مع ظهور بلده دولة ذات سيادة فان سطوته هي التي تثير القلق. قبل ثلاثة أشهر على زيارته السابقة أُختير المالكي رئيسا للوزراء لأنه على وجه التحديد بدا ضعيفا للفرقاء الذين اختاروه.

في عام 2006 كان نظام العراق السياسي الجديد مفلسا واعمال العنف استعرت بعد تفجير مرقد الامام العسكري في سامراء في شباط/فبراير عام 2006. لم تكن هناك quot;دولةquot; يمكن للعراقيين ان يدينوا لها بالولاء بل لم يكونوا حتى واثقين من نشوء دولة كهذه بعد شهر أو عام.

المسؤولون الاميركيون ، لا سيما مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ، شكوا في مذكرة داخلية سُربت الى الصحافة في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 ، من ان المالكي ضعيف ، متردد وغير قادر على مواجهة الأطراف التي تمارس العنف ، حتى تلك التي يرتبط بها سياسيا مثل الصدريين وغيرهم من المسلحين الشيعة. ولكن هذا لم يكن إلا نصف الحكاية. فالدولة التي تسلَّم المالكي مقاليدها كانت تواجه أزمة شرعية عميقة ولم تكن بمستوى التصدي لدوامة العنف.

الذي غيَّر المعادلة كان بالاساس ارسال قوات اميركية اضافية وما صاحب ذلك من تحول في السياسة الاميركية. فالولايات المتحدة سحقت اعداء المالكي من مسلحين وافراد ميليشيات كانوا يمزقون العراق. وتعاظمت ثقة الجيش العراقي الذي تولت الولايات المتحدة تدريبه وبناءه ، وتنامت قدراته وتماسكه.

وبالتدريج أخذ نظام العراق السياسي الجديد يكتسب شرعية بمقتل مَنْ كانوا يرفضونه ويسعون الى اسقاطه أو استيعابهم أو حملهم على القبول به. كما ان quot;صحوةquot; السنة ضد القاعدة قبل ارسال قوات اميركية اضافية أتاحت انطلاق هذه العملية وكذلك الحقيقة الماثلة في ان العنف استهلك نفسه بحلول بداية 2007.

مع انهزام اعداء المالكي اكتسبت الدولة التي يقودها شرعية ، ومع بناء قوة جيشه تنامت ثقته هو. وابتداء من عام 2006 وطيلة عام 2007 أخذ المالكي ينأى بنفسه سياسيا عن الصدريين ، في البداية ساكتا عن الضربات الاميركية ضدهم ثم مشجعا. وفي نهاية المطاف ، ابتداء من عملية البصرة في آذار/مارس 2008 واستمرارا لها في مدينة الصدر وميسان والموصل وديالى وغيرها ، انتزع المالكي زمام المبادرة من الولايات المتحدة وشرع في تحديد الأولويات الأمنية بمفرده.

خلال عام 2008 أخذ المالكي يبتعد عن اطراف ائتلافه الحاكم نفسه من الكرد والمجلس الاسلامي الأعلى. لم يكتف بتحديهم خطابيا وتجيير ما تحقق من تحسن أمني لصالحه بل شرع يركز مزيدا من سلطة الحكم بيده.

مع تنامي قوة المالكي اصبحت علاقته بالولايات المتحدة علاقة متناقضة بصورة متزايدة. ومثلما أتاح الدعم الاميركي صعوده فان اعتماد حكومته على مساعدة الولايات المتحدة ـ لا سيما في المجال الأمني ـ مستمر حتى يومنا هذا. وما زال الجيش العراقي يعتمد على الولايات المتحدة في توفير الغطاء الجوي وفي الاتصالات والمشتريات واللوجيستيات ، على سبيل المثال. ولكن المالكي في الواقع لم يعترف قط بهذه الحقيقة بل اصبح أكثر وطنية واشد عداء لأميركا في خطابيته. وأجبر المالكي ادارة بوش على القبول بجدول زمني غير مشروط لانسحاب القوات الاميركية من العراق بحلول نهاية 2011 واكد استعداده للقبول بانسحابها فورا إذا لم توافق الولايات المتحدة على شروطه.

الى حد ما رحبت الولايات المتحدة بموقف المالكي المتشدد. فان من الأسباب الرئيسية في ان المتمردين والجماعات المسلحة لم يعودوا قادرين على ايجاد تأييد بين السكان العراقيين ان غالبية العراقيين يعتقدون ان الدولة عادت لتبقى.

رغم ذلك يعرب الكثير من القادة العراقيين ، بمن فيهم مستشارون لرئيس الوزراء ، في المجالس الخاصة ، عن رغبتهم في اقامة علاقة وثيقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. وهم يعتقدون ان العراق سيحتاج الى الدعم العسكري الاميركي بعد 2011 بفترة مديدة.

الفارق المهم الآخر بين زيارة المالكي الأخيرة وزيارته السابقة هو بالطبع نزيل البيت الأبيض. إذ لم يكن ثمة شك في ان بوش كان ينظر الى علاقة الولايات المتحدة مع العراق على المدى البعيد بوصفها ذات أهمية استراتيجية بالغة للمصالح الاميركية. واليوم تراجع العراق على سلم اولويات الرئيس باراك اوبام ليأتي بعد افغانستان وايران والأزمة الاقتصادية العالمية وجملة مبادرات داخلية. ورغم ان اوباما كان حصيفا بمواصلة السياسة التي ورثها من بوش تجاه العراق على المدى القريب فانه يفتقر الى حماسة بوش للحرب والى ايمانه بالأهمية الاستراتيجية للعلاقة الاميركية ـ العراقية طويلة الأمد. اما المالكي نفسه فان مستشاري اوباما أوضحوا له اعتقادهم بأن بوش كان شديد القرب من رئيس الوزراء كفرد وان دعم الولايات المتحدة يذهب للمؤسسات العراقية بدلا من قادة بعينهم.

يريد اوباما وادارته تحالفا متينا مع العراق ولكنهما يريدان تحالفا أكثر توازنا فيه مسؤوليات والتزامات على الجانبين. وبالنسبة للرئيس الجديد فان العراق مهم لمصالح الولايات المتحدة لكنه ليس مهما اهمية حاسمة ، وهو ينظر بعين الشك الى المنافع التي تجنيها الولايات المتحدة مقابل دعمها الضخم. وعلى كاهل المالكي يقع عبء اقناع اوباما بأنه والعلاقة الاميركية ـ العراقية عموما ما زالا يستحقان وقت اميركا وعناءها.