تناولت اليوم مجلة quot;التايمquot; الأميركية عبر تقرير تحليلي مطوّل تلك القضية التي رأت أنها باتت تشكل فصلاً جديدًا في السجال الأمني والسياسي بين بغداد ودمشق خلال الآونة الأخيرة، وهي القضية المتعلقة بالبعثيّين العراقيين السابقين المقيمين حاليًا في سوريا، حيث قالت المجلة إنهم باتوا جزءًا من الخلاف المتصاعد بين الحكومتين العراقية والسورية، الذي نشب عقب تفجيرات الأربعاء الدامي التي هزت العاصمة العراقية، بغداد، في أغسطس / آب الماضي وراح ضحيتها نحو 95 شخصًا.

في البداية، تستهل المجلة حديثها بالإشارة إلى تدفّق أعداد غفيرة من اللاجئين العراقيين إلى سوريا عبر الحدود مع اشتعال وتيرة الحرب المدنية بين مختلف الطوائف الدينية في البلاد عقب غزو القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003. وتمضي الصحيفة لتقول إن هذا المجتمع العراقي تحوّل مع مرور الوقت إلى جزء من نسيج الحياة في سوريا، حيث بات للكثيرين منهم منازل أو مشاريع تجارية، وبات يتحدث أطفالهم العربية باللهجة السورية. لكن قطاعًا من هؤلاء المهاجرين ما زالوا يعيشون أجواء من عدم الارتياح، وهذا القطاع هم هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم ما يقارب من 400 ألف عراقي تربطهم علاقات بنظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين.

وتنوّه المجلة في هذا السياق إلى الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى بعض البعثيين السابقين المقيمين في سوريا، وحمّلهم فيها مسؤولية تلك التفجيرات الدموية، واتهامه كذلك لدمشق بإيوائها وتدعيمها للجماعات التي تخطط لشنّ هجمات في العراق. وهي الاتهامات التي نفتها سوريا جملةً وتفصيلاً، وأعلنت عن استعدادها لتسليم من يتم الاشتباه في تورطه بتلك التفجيرات إذا قدمت السلطات العراقية أدلة إدانة بحقه. وهنا تولدت مواجهة بين البلدين، آلت إلى إصابة العلاقات الدافئة بين البلدين بالضعف والوهن، وكذلك إلى تعليق التعاون بينهما حول عدد من القضايا.

ووسط هذا الجدال الدائر بين البلدين، ارتأت المجلة أن هناك بعض الحقائق التي تم فقدانها، منها أن سوريا تغير على نحو بطيء موقفها من الدور الذي يتعين عليها أن تقوم به لتأمين حدودها مع العراق، وأن عددًا كبيرًا من البعثيين السابقين يسعون الآن للعودة إلى بلادهم، معبرين عن رغبتهم في المشاركة سلميًا بديمقراطية العراق الوليدة. وعلى الرغم من أن هذا الشعور لا يتواجد على نطاق واسع بين كثير من البعثيين المقيمين في سوريا، يرى مراقبون أن سوريا لن توقف جميع العمليات التي ينفذها المتمردون على حدودها إلى أن يتم التوصل لتسوية حول سلام إقليمي مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وذلك في الوقت الذي لم تبد فيه حكومة المالكي اهتمامًا يذكر بمجرد فتح باب التحاور مع سوريا أو البعثيين السابقين بشأن مسألة النهائية عودتهم إلى العراق.

وتنتقل الصحيفة في سياق متصل لتشير إلى أن العراق يمتلك الآن ما يكفيه من أسباب تجعله لا يثق بشكل كبير في الجانب السوري، وتتحدث المجلة هنا عن التسهيلات والتنازلات التي قدمتها سوريا عقب الغزو الأميركي للعراق، حيث سمحت للبعثيين المناهضين لأميركا بتنظيم وعقد اتفاقات سياسية على أراضيها، وسمحت للمسلحين الجهاديين من باقي الدول بالعبور من خلال أراضيها لشن هجمات في العراق. ومع هذا، فقد أكدت المجلة على تلك الجهود التي أضحت تبذلها سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، متمثلة ً في تضييقها الخناق على المسلحين الذين يحاولون التسلل إلى العراق، وتنوه كذلك لتلك الزيارة التي قام بها وفد عسكري أميركي إلى دمشق في أغسطس / آب الماضي لمناقشة زيادة سبل التعاون بشأن الأمن الحدودي.

فيما رأت المجلة أن ما أضاف بُعدًا جديدًا يبعث على تحسن الأمور، هو تغيير كثير من البعثيين السابقين بسوريا للموقف الذي كانوا ينتهجونه. علمًا بأن هؤلاء البعثيين ينقسمون إلى جماعتين، أحدهما متشددة ويتزعمها نائب الرئيس السابق في حكومة صدام quot;عزة إبراهيم الدوريquot; وجماعة أخرى أكثر اعتدالًا لكنها أقل تأثيرًا ويتزعمها محمد يونس، المستشار السابق لمجلس صدام التنفيذي. حيث أشارت المجلة إلى أن جماعة يونس بدأت تتبع سياسة للتقارب مع الحكومة العراقية في عام 2007، بعد أن بدؤوا في نبذ أيديولوجيتهم البعثية القديمة، وتطبيق المزيد من السياسات الديمقراطية.

وتشير المجلة أيضًا إلى أن جماعة الدوري بدأت تظهر هي الأخرى مؤشرات إيجابية تعكس حقيقة بدء تحولها لإستراتيجية الاعتدال، عقب تفجيرات الأربعاء الدامي الأخيرة. وتلفت المجلة هنا إلى تلك التصريحات التي سبق وأن نقلتها عن المتحدث غير الرسمي باسم الجماعة quot; نزار سمرائيquot; والتي أكد من خلالها على احتياج الولايات المتحدة الآن لمساعدة قادة العراق السياسيين السابقين وكذلك قادة الجيش المقيمين حاليًا بسوريا، إذا كانت ترغب في إعادة العراق لمكانتها القوية ونشر الاستقرار بالمنطقة.

وفي الوقت الذي تمارس فيه واشنطن ضغوطًا على حكومة بغداد لبدء عملية مصالحة وطنية لتخفيض مخاطر العنف الطائفي أثناء سحبها لقواتها، أتي قرار المالكي بتحميل جماعة يونس مسؤولية تفجيرات أغسطس/ آب الماضي ومطالبته دمشق بترحيله من البلاد، كمؤشر على عدم توافر النية لديه بالتفاوض مع البعثيين السابقين، حسبما أكد فاضل الرباعي، المحلل السياسي العراقي المقيم في سوريا. وفي الوقت الذي يُستبعد فيه قيام سوريا بتسليم البعثيين السابقين كي يمثلون للمحاكمة، يشير مسؤولون سوريون إلى أن بلادهم وفرت الحماية لكثيرين من أعضاء الحكومة العراقية الحالية عندما قام صدام بنفيهم، ومن بينهم المالكي نفسه، حيث سبق له وأن قضى 20 عامًا في دمشق. وفي حديث له مع المجلة، قال فيصل مقداد، نائب وزير الخارجية السوري :quot; يوجد الآن 1.5 مليون لاجئ عراقي في سوريا. عندما أتوا إلى هنا، لم نسألهم عن الحزب الذي ينتمون إليه. فقط قمنا بفتح أبوابنا أمامهمquot;.