&اجلسْ في زاويةٍ ما، ثمّ راقِبْ ما يدورُ حولك، اجلسْ واسمعْ.. وابقَ في هذه الزاويةِ بعيداً عن صومعتِك وأفكارِك وآرائِك وأحكامِك.&
سترى القهرَ والتعبَ في وجوهِ النّاس، وستسمعُ بكاءً وأنيناً ومعاناة، وجثثاً كثيرةً بلا قُبور حُرِمت حتى من قُبَلِ الوداع الأخير، وجثثاً أخرى سترى الذعرَ في عُيونها المفتوحة ، وتلك التي ما زالت تحت الأنقاضِ تدمعُ بلا صوتٍ وتنتظرُ جرّافاتِ الإنقاذِ &لترميها في مكان ما.. وسترى أشلاءً مبعثرةً قد وقف عزرائيل أمامها وأجهشَ في البكاء! &&
ثم انظرْ إلى الآخرين وستقرأ صفحاتٍ من القمع،&
وسترى شفاهاً خُيّطَت..&
وأسراً دُمّرَت..&
وفتاةً قُتِلَت..&
وطفولةً سُلِبَت..&
سترى لصوصاً ومجرمين قد أصبحوا أبطالاً، يتصدّرون كلَّ المشاهدِ والولائم، وطفلاً ينتظرُ فتاتَ طعامٍ في سلّةِ ما للقمامة..
&
لا تكتفِ بما ستراه، بل استمعْ لكلّ نداءِ إغاثةٍ وصلاة!&
انظرْ والتقطْ الكلماتِ التائهةَ والممنوعةَ، واجمعْها في دفترِك حتى لا تنسى!&
وإن استطعتَ أن ترسمَ ملامحَ إنسانٍ، فافعلْ،&
وإن استطعتَ التقاطَ كلماتِهم الممنوعةِ، فاكتبْها وغنِّها وارقصْها..&
كنْ صوتَهم..&
وابتعدْ عن المنافقين والملوّثين بالجهل ومن يدّعون المحبّةَ والتسامحَ، ولكن يحكمون ويتصرفون بعكسها!&
بعد جلسةٍ طويلةٍ في زاوية ما، لا تكنْ &صوتَ أحدٍ سِواك، وكن منصفاً، وإياك أن تنسى ملامحَ طفولةٍ ضائعة،
وأحلاماً مدفونةً
وأصواتاً مخنوقةً&
وأجساداً مرعوبةً&
وأفواهاً جائعةً&
وقلوباً مفجوعة!&
ولا تنسَ أن ترويَ قصصَ القلوبِ التوّاقةِ للرجوعِ لمرافيء مشاعرِها بدونِ ذنبٍ أو قلقٍ أو عذاب، تلك القلوبُ التي سُرقت القبلاتُ والعناقات منها.
اكتبْ عن تلك الصبيّةِ الجالسةِ وحدَها والتي تعتقدُ بأنها ليستْ جميلةً كما أخبروها، ولا تستطيع أن تفكّر كما علّموها.. وقل لها بأنها جميلةٌ كالحياةِ وذكائها، واكتبْ لها رسائلَ عديدةً حتى تخرجَ من عزلتِها وتحبَّ كلَّ ما تراه في مرآتها، واتركْها تصرخ عالياً في وجهِ كلِّ من أرادَ لها الموتَ- سواءً كان ذلك الموتُ فناءً للجسد أم إفناءً للعقل والروح. &
اكتبْ وغنّ وارسمْ لذاك الشابِّ ونَبّههُ بألّا يدعَ أحلامَه في صندوقِ طفولتِهِ، وانصحهُ بألّا يتبعَ أحداً..&
قل له: أنت القائدُ، لا تكن تابعاً ولا عبداً!&
راقبْ بصمتٍ، اسمعْ بصمتٍ، وستدركُ بأنَّ الضحكاتِ التي كنتَ تراها ما كانت سوى استغاثةٍ وحزنٍ قد تمرّدا، وبأنّ السكوتَ ليس دائماً علامةَ الرضى، وقد يكون استسلاماً وأحباطاً، وبأنّ صراخَ المقهورين ليس وقاحةً ولا ثورة..&
&
ولتكنْ زاويتُك بعيدةً عن حيث يجلسُ العبيدُ السعداءُ والمصفقون المستفيدون.. وبعيداً عن المُحرّضين والمخادعين والاستغلاليين، وكلِّ لصوصِ الجيوبِ والعقول..
ربما ستدركُ حينئذٍ كم كنتَ مخطئاً أيّها القاضي..