&

&
&
&
&
تغريد هاشم وعمار داود
&
&
ان المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكاناً لا مبالياً ذا ابعاد هندسية فقط ، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط بل بكل ما في الخيال من تحيز.. والمكان الذي نحبه يرفض ان يبقى منغلقاً بشكل دائم.. انه يتوزع ويبدو وكأنه يتجه
الى مختلف الامكنة دون صعوبة ويتحرك نحو أزمنة اخرى وعلى مستويات الحلم والذاكرة.
غاستون باشلار
&
تغريد هاشم : حينما شاهدت عددا لاباس به من اعمال الفنان العاني ضمن معارضه الشخصية في اكثر من فضاء في السويد, شدتني متاهاته الزرقاء اللامتناهية المتمثلة في فضاءات اعماله
&
عمار داود: لقد سنحت لي ذات الفرصة تغريد في مشاهدة اعمال العاني , لااختلف معك في وصفك لهذا الفضاء, الا انني ومن وجهة نظري الوجدانية, اجد ان هذا الفضاء محدد داخل مسرح عمله الفني , وتم اختياره بقصدية ، لتناول موضوع المعاناة المتعلقة بروح المكان ومعناه داخل الذات الانسانية التي تعاني من هاجس الهجرة والغربة. فأني اجده مكانا لاعبا لدور يضمن للمتلقي التركيز العالي بخصوص اشكالية الاغتراب والهجرة والسفر.
&
تغريد: في حين تجد ياعمار هذا الفضاء يلعب دورا اخرا في مسرح اعماله ، وهو الدور الذي شد المتلقي باتجاه التلوث البيئي وازمة الانسان المحلي وهو العراقي في بيئة اصبحت غير ممكنة للعيش وكونيا ايضا في بيئة تعج بالسموم
.
عمار: جميل اننا نتحدث عن هذا الفضاء وهو يتقمص هويات مختلفة, لنعرج الان على ماذكرتيه مرة حول شخوصه الساكنة, التي تدعونا الى التأمل والمعاناة والحيرة والترحال الذي قلت انها تسكن ذاكرته وذاكرة الفنان بيورهامن ، ألا تجدين ان هناك استيعابا وبثا مختلفين بينهما حول الفضاء وروح المكان؟
&
تغريد: اتفق معك بوجود اختلاف بمعالجة هذين الامرين ، لكن الا تجد ان بيورهامن يعالج الفضاء بحس تفاؤلي مطمئن, انه فضاء الحياة السويدية الاسكندنافية حيث تقطنه الطبيعة بكل مفرادتها التي تظهر بصيغة الاشاره لديه وليس البوح السافر. انه فضاء نقي صافي شاعري هادئ بسيط ومختزل يتميز بخفة واضحة تحيلنا الى متعة النظر والاحساس بالتجانس والتوافق . الا ترى ياعمار اننا ازاء نوعين من الطرح لما يخص هذه المفردات, نوع يضعنا في قلب الحيرة والقلق والخوف والمعاناة, ونوع ثاني يحيلنا الى فضاء السكينة والاحساس بالتوازن والتوافق
.
عمار: نعم تغريد, هكذا هو الحال ، واعتقد ان هاتين السمتين الواضحتين داخل هذا المعرض المشترك ستضفيان عليه قيمة ثقافية عالية المستوى, فنحن ازاء ثقافتين وروحين مبدعتين تتميزان بهويتين مختلفتين. سأحيل انتباهك الى سمتين جديدتين فيما بينهما, العاني ينشأ مفرداته باسلوب يتميز بالصرامة فخطوطه الخارجية التي تحيط باشكاله محكومة بأن تكون مدروسة جيدا وخاضعة بشكل كلي للمفردة التي تقوم هي باحاطتها وعزلها عن الفضاء الذي يحيطها
.
تغريد: نعم عمار في حين ستجد ان بيورهامن يطلق العنان لخطوطه ويمنحها حرية ان تعيش ذاتها عن طريق وضعها بتلقائية وارتجالية عالية جدا في اعماله. الا تتفق معي اننا ازاء حالتين من التعامل مع الخطوط الخارجية: الصرامة مقابل التلقائية؟
&
عمار: بالتاكيد يا تغريد نحن ازاء هاتين السمتين واضيف لذلك سمتين اضافيتين, الا تتفقين معي ان العاني ابدع اشكالا تتميز بالثقل والعالم عنده بفضاءه وشخوصه عالم محدد ينفر من المناخ الضبابي الذي يتميز بالخفة, فالضباب يجعل الاشياء اشبه ماتكون بالقطن المندوف.
&
تغريد: نعم بيورهامن تتميز اعماله بالخفة والرقة والضبابية والشاعرية ومالايصدق على اعمال العاني سيجد له مكانا في اعمال بيورهامن.
&
عمار: تعالي ياتغريد لنتناول جوانب اخرى في المنتجات الابداعية لهذين الفنانين, قلت لي سابقا انهما يختزلان سرد حكاياتهم الطويلة عن طريق تأثيث فضاءات اعمالهم برموز اطلقت عليها اسم طلسم, لقد اعجبتني هذه المفردة كثيرا, فقد ذكرتني اعمال بيورهامن بلوحة اسمها الطلسم للفنان الفرنسي (سيروزيه) هناك بالفعل علاقة اسلوبية واضحة مابين السويدي بيورهامن والفرنسي (سيروزيه) فكلاهما يتميز بالحديث همسا عن البيئة بكل بمفرداتها, وبتقنية تتميز بالخفة وطزاجة المادة المتسخدمة في عملهما الفني. فبيورهامن يتعامل مع سطح الصورة بحذر وتحرز من الا يتسبب في انهاكه الا تجدين ان الحالة عكسية عند العاني, فهو يتعمد وضع طبقات عديدة من الالوان على سطوح اعماله فنجدها ممتلئة ومشبعة تماما باللون والمفردات.
&
تغريد: عمار لاغرابة في هذا الامر وبدون شك تتحكم السمات النفسية والوجدانية لدي الفنانين الخارجين من رحم ثقافتين مختلفتين. ثقافة بلد مثل العراق عاش سنوات طويله من المعاناة والعذاب والحروب وثقافة بلد اخر لم يعاني من الحروب الا ماندر ولم يدخل في حرب في التاريخ الحديث . الا تتفق معي ان هذه الخلفية الثقافية والتاريخية لعبت دورا كبيرا في تشكيل شخصية الفنانين وتعاملهما مع ترجمة المعنى في العمل الفني.
&
عمار: نعم تغريد, سأقترح عليك توصيفين للهوية المضمونية لهذين المنتوجين الابداعيين, فالعاني يصدق ان ننعت محمول عمله الفني بما يشبه قصيدة الرثاء , اما بيورهامن, فهي قصيدة غنائية تتميز بسمات الشعر الرعوي, قصيدة الاحساس بالهواء والفضاء الرحب.
&
تغريد: في حين سيحيلنا العاني ياعمار , الى قصيدة الرثاء كما ذكرت, وهي محملة بالقلق والخوف والاحساس بعدم الاستقرار والشعور بحالة الترحال الدائم. قصيدته تتحدث عن الحرب والتلوث البيئي, الهجرة ,اللجوء والعجز والموت. لكن بالرغم من وجود هاتين الشخصيتين المختلفتين في المزاج الابداعي سنجد ان هناك تضامن موقفيا وفكريا مابين الفنانين: بيورهامن اشتراكي, مناصر لقضايا حقوق الانسان والطبقات العاملة, مما يجعلنا نجد ان هميهما مشتركان ومتجانسان رغم الاختلافات الواضحة في اسلوب البث لديهما.
&
عمار: نبهتيني ياتغريد الى مسألة جدا هامة تخص فكرة الترحال والسفر, فانا وانت كمتلقيين نرى ان السفر والترحال عند العاني هو نتيج الهروب من ازمة وجودية خانقة لايعيشها هو وحده بمفرده وانما هي ازمة الشعب العراقي كله. لكننا في عين الوقت نرى ان معالجة الفنان السويدي لحالة الترحال والسفر متضمنة لمعنى اخر فهو سفر الروح في آن وسفر المغامر الباحث عن الكنز بالمعنى المادي وربما ايضا الكنز بالمعنى الروحي, فالفنان السويدي بيورهامن كما انت وصفتيه يقول عن نفسه انه كالخيميائي سنتياكو الراعي الاسباني الذي رحل الى مصر باحثا عن الذهب, او البحث عن الكنز المفقود كما في رواية بورخيس.
&
تغريد: لاشك في اننا ازاء مقامين لحالة الترحال والسفر, اما فيما يخص التعبير عن الذاكرة في اعمالهما سنرى العاني محملا بذكريات تحيلنا الى الفترات التي عاشاها في بلده الاول حيث المعاناة ضمن بيئة قاسية, اما بيورهامن فهو يتمتع بذاكرة تحيلنا الى بيئة نقية بريئة ومسالمة, بيئة مرحبة ومترفة بالجمال, في حين نجد ان بيئة العاني طاردة تشح على قاطنيها وتبخل عليهم.
&
عمار: تغريد دعينا ان لاننسى ايضا اننا نتحدث عن فنانين من جيلين مختلفين , الاول شاب والثاني مخضرم وهذا ايضا يضفي بالتاكيد طابعا سيميز اعمالهما. العاني باعتباره شابا ستتميز اعماله بطابع تعبيري عاطفي واضح المعالم, والقوة, في حين ستتميز اعمال السويدي ايضا بالتعبيرية لكنها تعبيرة غنائية شاعرية خفيفة الروح والمعنى. اعتقد ان من المهم جدا ان نعرف بحياة الفنانين بسرد مقتضب للمشاهد العربي.
&
تغريد: انا سعيدة جدا بهذا الحوار الذي تم فيما بيننا واعتقد اننا بأمس الحاجة لتاسيس نص نقدي لاينبثق بشكل احادي من داخل ناقد واحد وكما تري فقد تعمدنا انا وانت, ان يكون هذا النص مشتركا ونتيجا لشخصيتين مختلفتين الامر الذي يضفي طابعا موضوعيا لاسلوب التعامل النقدي مع كلا الفنانين.
&
عمار: شكرا تغريد اسعدني جدا هذا الحوار الذي تم بيننا وانا اجد ان ماقلتيه بصدد انجاز اعمال نقدية عن طريق الحوار هو اسلوب موضوعي وعادل ويخرج عن الطابع الاناني في الكتابة, شكرا لك.
-الفنان العراقي فلاح العاني ولد في العراق ودرس الرسم في اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد, غادر العراق متوجها الى المنفى, عام 2007 ليستقر في السويدفي مدينة (نورشوبنك). يمتهن الفن ويقضي معظم اوقاته في مرسمه, اقام عدة معارض في مدن السويد المختلفة. هناك اربع مراحل في فنه عالجت: الحرب ,التلوث البيئي ,الهجرة واللجوء
الفنان السويدي اوكا بيورهامن &الاشتراكي الذي تجاوز السبعين من عمره. مناصر للقضايا حقوق الانسان وحقوق الطبقات العاملة, وهوايضا احد كتاب القصص البوليسيه المعروفة , ولد في مدينة لينشوبنك, عشق الفن والموسيقى ، درس الفن في السويد في مدينة غوتبورك، اولى معارضه كانت عام 1967 في صالون اوستايوتا نقابة الفنانين انذاك. اصدر ثلاث كتب مع الشاعرة ايفون اندرشون, تضمنت لوحاته وقصائد من شعرها.
&
نص حول المعرض المشترك الذي سيقام للفنانين السويدي والعراقي&