محمد قاسم من بغداد: قادتني قدماي ورغبتي في الاشتغال على تحقيق صحافي لايلاف حول الملابس المستعملة (البالة) او ماتسمى بالعراقية الدارجة (لنكَات) الى اكبر سوق لها وسط العاصمة بغداد قبيل ايام قليلة من عيد الاضحى، حيث يضطر المعوزين لشراء هذه الملابس لاطفالهم ولهم لعدم قدرتهم على شراء الملابس الجديدة كما هو الامر في معظم الدول العربية وسواها من دول التفريق الطبقي.
ساحة التحرير في قلب بغداد |
لكن اياديهم كلها كانت تتجه لجهاز الموبايل لاخذه مني فتمسكت به محاولا دفعهم عني مستفسرا عن سبب هجومهم. فاجتمع عشرات المتسوقين حولنا وزادت الفوضى فاغتنمت فرصة حديثهم مع من سالهم من المتجمهرين حولنا لافهم انهم يظنون اني ارهابي وجئت لاصور السوق تمهيدا لتفجيره. فقلت لهم اني صحافي وقد تاخر المصور واردت ان التقط الصور بنفسي. فلم يصدقوني.
ثم اريتهم بطاقتي الصحافية فاعادوها الي مطالبين بجهاز الهاتف فصاح الناس (اذا كنت بريئا اعطهم الجهاز) فقلت لن اعط الجهاز لان فيه صورا عائلية. والحقيقة انهم لو شاهدوا الصور التي التقطتها قبل قليل ستؤكد الصور اتهامهم لي وربما يقتلني المتسوقين رفساً. فقد صورت المتسوقين وبسطات الملابس وصورة اخرى للسوق بشكل عام. ثم طلبت من الشباب التعريف بنفسهم فقالوا نحن حراس السوق طلبت هوياتهم فلم يستجيبوا طلبت ان التقي رئيسهم فاتصلوا به لكن لم يرد.
قلت لهم ساريكم الصور لكن بعيدا عن السوق فمشينا قليلا وتبعنا الجمهور الذي اخذ يتزايد عدده والشرر يتطاير من اعين بعضهم وقد اختفى اي صديق في هذه الدقائق التي طالت. لكن جاءهم احد باعة الملابس المستعملة الذي شاطرته ذات الزنزانة عام 1998 واخبرهم انه يعرفني واننا كنا مسجونين معا ابان حكم صدام. فلم يلتفتوا له. لمحت بعض المتجمهرين يجرون اتصالات فقلت في نفسي لعل الشرطة تأتي وتنهي الامر. لكن حضر بعد قليل شيخ وثلاث شباب معه قالوا انهم من جيش المهدي. فاستفسروا مما يجري وطلب الشيخ جهاز الموبايل فلم اعطه له (لاحتوائه على صور عائلية).
قال اذن تعال معنا الى ذلك الجامع قرب السوق فوافقت. فابعدوا الناس الذين تابعوا مسيرهم خلفنا. ودخلنا الجامع وهمس الشيخ لي (هل تعرف احدا من الجيش؟) يقصد جيش المهدي.. قلت نعم اعرف فلان وفلان في منطقتنا.. فطلب الجهاز وشاهد الصور. واحتفظ بالجهاز. وقال لماذا لم تري الحراس الصور؟
قلت خشيت ان يسرق احد المتجمهرين الجهاز وثمنه 300 دولارا. واخبرته انها صور للجريدة التي اعمل فيها وبامكانهم مشاهدة تحقيقاتي في ايلاف الان من اي مقهى انترنيت. فلم ينتبه لهذا الكلام.
قال هل تعرف فلان (احد افراد تيار الصدر في منطقتنا) فاخبرته بالايجاب. قال سنتصل به واذا انكر معرفتك ماذا سنفعل بك؟ قلت لكم الحق في كل شيء وقتها..
ترى ماذا لو لم يرد على الاتصال وماذا لو خشي من شيء ما وتنكر معرفتي؟ مرت هذه الاسئلة ببالي وهو يضغط على ارقام الهاتف. صاح الو.... فساله عني واعطاه اسمي ومكان سكني الذي دونوه لديهم فاخبره ذلك الشخص انه يعرفني وان المعومات التي اخبرتهم بها صحيحة.
اذن لقد نجوت.. كنت قبل قليل افكر بجثتي التي ربما ستكون مجهولة. لكن حدمد لله فقد نجوت.
التفت لي الشيخ واعطاني جهاز الهاتف (بل قل اعطاني حريتي) واعتذر الحراس مني على الخمسين دقيقة التي حاصروني بها.
لقد نجوت.. ولن انسى نهار الاربعاء 19 كانون الاول 2006 ماحييت.
خرجت من الجامع وقد محوا كل الصور التي التقطتها.
كانت هذه المرة الوحيدة التي لم اخذ اذنا فيها بالتصوير حيث كنا نسال صاحب المحل او الشخص الذي نريد تصويره ونريه اوراقنا. لكني قلت انها صور عامة ولن ينتبه احد. لكن اتضح ان الحراس كانوا منتبهين. لكن ليتهم يبقون منتبهين هكذا ويعيقون اي ارهابي ينسل بحزامه الناسف بين جموع الفقراء ويفجر نفسه.
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الجمعة 22 ديسمبر 2006
انقر هنا لقراءة التحقيق ببرنامج بي دي اف
التعليقات