فدوى مساط: كان المغرب أول بلد في العالم يعترف باستقلال الولايات المتحدة قبل أكثر من قرنين، كما أن أول مهاجر عربي وطئت أقدامه أرض العالم الجديد كان مغربيا من منطقة زمور، غير أن ذلك لم يساهم في جلب عدد كبير من المهاجرين المغاربة إلى الولايات المتحدة رغم أن ذلك الأمر بدأ يتغير في الفترة الأخيرة.

قصة الزموري مع العالم الجديد
في الطابق الثاني من المتحف العربي الذي يقع في مدينة ديربورن بولاية ميتشغان الأميركية، يفاجأ الزوار أثناء تجولهم بين معروضات جناح quot;المجيء إلى أمريكاquot;، بسماع أصوات أمريكيين عرب يصفون الأحداث الدراماتيكية التي صادفتهم لدى مغادرتهم أوطانهم ووصولهم إلى الولايات المتحدة. وتنساب الأصوات والقصص. ففي حين يقول رجل، quot;قبّلت الأرض الأمريكية،quot; يقول آخر، quot; تمثال الحرية بدا جميلا عندما رأيته أول مرةquot;، لكن أكثر ما يعرضه الجناح إثارة هو قصة أول مهاجر عربي قدم إلى الولايات المتحدة وكان ذلك سنة 1528 ويدعى الزموري. والزموري مواطن مغربي من منطقة آزمور المعروفة بأوليائها الثلاثة (مولاي بوشعيب الرداد ولالة عيشة البحرية ثم لالا يطو). تقول بعض المصادر إن الزموري وقع في الأسر وبيع كعبد سنة 1511. وبعد 16 عاماً أمضاها في الأسر، نُقل إلى أمريكا في العام 1528 ضمن بعثة استكشاف إسبانية، وتشير إليه بعض المراجع الأمريكية بوصفه مستكشفاً عظيماً في جنوب غرب الولايات المتحدة، ومعالج شهير للأمراض ومترجم ذائع الصيت. ويعتقد أن الزموري كان أول شخص يتحدث اللغة العربية في العالم الجديد على الإطلاق.

أرقام عن الجالية المغربية
حسب موقع الوزارة المغربية المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج فإن عدد المهاجرين المغاربة المقيمين داخل الولايات المتحدة يفوق بقليل مئة وخمسة وخمسين ألف شخص، غير أن بعض مواقع المنظمات المغربية الناشطة داخل الولايات المتحدة تؤكد أن عددهم لا يقل عن مئتين وخمسين ألف شخص. ولا تتوفر إحصائيات دقيقة عن العدد الحقيقي للمهاجرين المغاربة لسببين رئيسيين، أولهما أن المهاجرين المغاربة لا يسجلون أسماءهم لدى القنصليات المغربية إلا في حالة احتياجهم وثيقة رسمية تلزمهم التعامل مع سفارة بلادهم وبالتالي وضع أسمائهم في سجلاتها. ثانيا، هناك العديد من المهاجرين المغاربة الذين يقيمون بصفة غير شرعية على أراضي الولايات المتحدة وبالتالي لم تقم سلطات الهجرة الأمريكية بإحصائهم ولا يؤخذون بعين الاعتبار عند محاولة حصر عدد المهاجرين المغاربة.
أسباب عزوف المغاربة في الماضي عن الهجرة إلى بلاد العم سام
تقول مصادر رسمية مغربية إن عدد المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج يفوق ثلاثة ملايين شخص أي ما يقارب عشرة بالمئة من سكان المغرب البالغ عددهم أكثر من ثلاثين مليون نسمة. وقد بدأت موجة هجرة المغاربة إلى الولايات المتحدة بشكل متأخر جدا مقارنة مع دول الشرق الأوسط وترجع أسباب ذلك إلى ثلاث عوامل رئيسية.
أولا: عامل اللغة، فالمغاربة بشكل عام يتقنون الفرنسية التي تعتبر اللغة الأولى لدى بعضهم ولذلك كانت أوروبا هي القبلة المفضلة للمهاجرين المغاربة الذين يبدأون تعلم اللغة الفرنسية (بالإضافة إلى العربية طبعا) في المرحلة الابتدائية ويخيرون بين الإنجليزية والإسبانية في المرحلة الثانوية.
ثانيا: القرب الجغرافي. وهذا عامل لعب دائما لصالح القارة العجوز التي لا تفصلها عن المغرب سوى أربعة عشر كيلومتر (الممر البحري بين طنجة وإسبانيا)، حتى أن بعض الشباب المغاربة بالإضافة إلى مهاجرين أفارقة يحاولون الوصول بطريقة غير شرعية إلى الضفة الأوروبية عبر قوارب صغيرة يتخلصون منها في عرض البحر ويقطعون باقي المسافة إلى إسبانيا سباحة في مغامرة محفوفة بالمخاطر سمتها وسائل الإعلام المغربية بقوارب الموت أو رحلة الموت.
ثالثا: عامل البعد الجغرافي عن أمريكا. يبلغ معدل رحلة بالطائرة من مدينة نيويورك إلى مدينة الدار البيضاء ثمان ساعات، وهي رحلة طويلة مقارنة بساعتين تفصل بين الدار البيضاء وباريس مثلا. لهذا كانت الكثير من العائلات المغربية تمنع أولادها من الهجرة إلى الولايات المتحدة بسبب المسافة البعيدة التي تفصل المغرب عن الولايات المتحدة.

رغبة مغربية جامحة في تحقيق الحلم الأمريكي

شهدت السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا من لدن المغاربة على المشاركة في قرعة اللوتري الأمريكية للحصول على بطاقة الإقامة داخل الولايات المتحدة. ويقول موقع اللوتري الرسمي التابع للحكومة الأمريكية إن واشنطن تحجب نظام اللوتري عن البلدان التي وصل عدد المستفيدين منها خمسين ألف مهاجر، ويبدو أن عدد المهاجرين المغاربة الراغبين في تحقيق الحلم الأمريكي عن طريق اللوتري مازال بعيدا عن ذلك الرقم بكثير، حيث تشير إحصائيات إدارة الهجرة الأمريكية إلى أن عدد المهاجرين المغاربة الذين حصلوا سنة ألفين وخمسة على بطاقة الإقامة بشكل قانوني لم يتجاوز الأربعة آلاف ومئتي شخص. لكن ذلك لا يعكس الرغبة الجامحة لدى المغاربة في تحقيق الحلم الأمريكي، والذين يلجأون أحيانا إلى دفع آلاف الدولارات لزوجات أمريكيات مزيفات يوافقن على مساعدتهم للحصول على الإقامة والجنسية إما مقابل مبالغ مادية صغيرة وإما تعاطفا من الأمريكيات مع وضعيتهم الصعبة.

بصمات مغربية على وجه العاصمة واشنطن
نجح الكثير من المغاربة الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة في مطلع التسعينات في إنشاء مشاريع تجارية صغيرة بالمقاييس الأمريكية لكنها قدمت التراث المغربي الأصيل للمواطنين الأمريكيين العاديين. ولعل أكثر المشاريع نجاحا كانت المطاعم التي تقدم الأكل المغربي الباذخ بطريقة عملية تتماشى والثقافة الأميركية. ويعد مطعم quot;مذاق المغربquot; Taste of Morocco أحد أكبر وأهم المطاعم التي تقدم الأطباق المغربية في منطقة واشنطن الكبرى وقال صاحب المطعم السيد عبد الحق عبد المؤمن لتقرير واشنطن إنهم بصدد التنسيق مع مسئولين في البيت الأبيض لإدخال الأطباق المغربية على لائحة الأكل التي تقدم لكبار زوار الولايات المتحدة في المناسبات الرسمية بالبيت الأبيض. وهناك سلسلة أخرى من المطاعم التي اختارت أسماء مدن مغربية معروفة مثل مراكش والدار البيضاء تنتشر في مختلف الولايات الأمريكية. كما نجح مغاربة آخرون في جلب تفاصيل المعمار المغربي التقليدي إلى الولايات المتحدة عبر إنشاء شركات متخصصة في بناء القصور الفخمة على الطراز الأندلسي وتنشط خصوصا في ولايتي تكساس وكاليفورنيا، بينما تشتهر ولاية فلوريدا باستضافتها شركات متخصصة في بيع الأثاث المغربي الذي تحول إلى موضة داخل الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة مثل شركة Berber Trading و Just Morocco وشركة أرابيسك الواقعة في ولاية فرجينيا. ونجحت تلك الشركات في جعل الصالون المغربي التقليدي قطعة ثمينة يسعى الأغنياء من الأمريكيين إلى اقتنائها وإضافة لمساتهم الخاصة إليها. فيما تعد تجارة الأزياء النسائية المغربية التقليدية واحدة من المجالات التي تركت بصماتها بشكل جلي داخل الولايات المتحدة وتحولت الإكسسوارات التقليدية المغربية إلى موضة تتهافت عليها الأمريكيات وحتى النساء العربيات فيما تحولت quot;الجلابةquot; وحتى القفطان إلى ملابس المناسبات الخاصة التي تسعى الكثير من النساء العربيات للحصول عليها بالولايات المتحدة بسبب حشمة تلك القطع من الملابس وسترها لسائر الجسد وهو ما ترغب فيه النساء المحجبات عموما فيما عوضت quot;التكشيطةquot; المغربية المكونة من قطعتين فساتين السهرة السوداء نظرا للأناقة الملتفتة التي تضفيها على طلّة المرأة وتميزها الشديد عن سائر الأزياء العربية الأخرى. وقد احتلت صورة الممثلة المخضرمة سوزان سوراندان بينما كانت تلبس القفطان المغربي التقليدي المذهب خلال مشاركتها في مهرجان مراكش للسينما السنة الماضية أغلفة عدد من المجلات الأمريكية بل إن سلسة محلات Banana Republic للألبسة أطلقت على تشكيلة أزيائها الربيع الماضي اسم quot;المغربيةquot; واعتمدت على ألوان وتقاطيع مستوحاة من التراث المغربي الأصيل.

أمير أحمر على رأس قائمة الوجوه المغربية المعروفة
يعد الأمير مولاي هشام، ابن عم العاهل المغربي الملك محمد السادس، أحد أشهر الوجوه المغربية داخل الولايات المتحدة بفضل نشاطاته الأكاديمية ومشاركته في أنشطة إنسانية في مختلف دول العالم ومواقفه اليسارية التقدمية والإصلاحية من مسألة الديموقراطية، حتى أن بعض وسائل الإعلام الدولية لقبته بالأمير الأحمر. وأسّس مولاي هشام مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ووسط آسيا في جامعة برينستون حيث درس ويقيم حاليا مع زوجته لالاّ مليكة وأسرته الصغيرة.
وشكّلت الولايات المتحدة ملاذا لعدد كبير من الفنانين المغاربة مثل المغنية الملتزمة سعيدة فكري التي كتبت ولحنت أغان مغربية من صميم الواقع السياسي والاجتماعي قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة وتستقر منذ سنوات في ولاية كاليفورنيا. المغنية لبنى عفيف التي كانت دلوعة الساحة الفنية في المغرب في بداية انطلاقتها اختارت الهجرة إلى أمريكا أيضا وهي تقيم حاليا في ولاية فرجينيا. وتحول عدد كبير من المغاربة إلى نجوم إعلاميين عبر عملهم في وسائل الإعلام سواء العربية مثل مكتب قناة الجزيرة في واشنطن أو الأمريكية مثل راديو سوا أو قناة الحرة وموقع مغاربية وعدد من المواقع الإخبارية الأخرى. وتعد الكاتبة ليلى العلمي واحدة من أشهر المؤلفين المغاربة الذين يعيشون داخل الولايات المتحدة ونال كتابها quot;Hope and Other Dangerous Pursuitsrdquo; حول المهاجرين غير الشرعيين اهتماما كبيرا من الصحف الأمريكية وترجم إلى أكثر من أربع لغات. وتألق عدد كبير من المهاجرين المغاربة في حقل الدراسات الأكاديمية في مختلف الجامعات ومراكز البحث داخل الولايات المتحدة نذكر منهم على سبيل المثال الدكتور عبد الله حمودي الأستاذ بجامعة برينستون وصاحب كتاب quot;الشيخ والمريدquot; الذي يعد أحد أهم المراجع المهمة في مجال الانتروبولوجيا.

أهم الجمعيات المغربية
تعاني الجالية المغربية داخل الولايات المتحدة من التشرذم مقارنة مع الجاليات الأخرى، لهذا يتعذر تسمية منظمة واحدة كبيرة ينضوي تحت لوائها عدد مهم من المغاربة إلا أن المواقع الإلكترونية التي تحاول جمع شمل المغاربة بدأت تتكاثر في الفترة الأخيرة. ويعد موقع quot;وافينquot; أحد أكثر المواقع شعبية خصوصا بين الشباب الراغب في التعارف أو حتى في اقتناء أغراض مغربية. فالموقع يمنح فرصة للطلبة لعرض طلباتهم وآرائهم وحتى المشكلات التي تعترضهم داخل الولايات المتحدة. موقع الكونغرس المغربي يعد احد المواقع الجادة التي تتابع التطورات السياسية في المغرب بالإضافة إلى الدفاع عن وجهة نظر الحكومة المغربية بخصوص قضية الصحراء الغربية. موقع أصدقاء المغرب، يهتم بالعلاقة الثنائية بين واشنطن والرباط بالإضافة إلى موقع موروكن بورد الذي يهتم بتوثيق أنشطة الجالية المغربية الاجتماعية بالصور ونشرها على الموقع. وتزخر شبكة الانترنت بمئات المواقع والصفحات الشخصية لمهاجرين مغاربة اختاروا الكلمات لاقتناص تفاصيل الحياة داخل الولايات المتحدة وتحويلها إلى قصص شيّقة يُقبـِل على قراءتها الآلاف من المغاربة المتشوقين لركوب مغامرة الهجرة والعيش بين أحضان العم سام.