سلوى اللوباني من القاهرة: أثار مسلسل quot;قضية رأي عامquot; الكثير من ردود الفعل.. فهو يتناول جريمة الاغتصاب في المجتمع المصري بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام. ويعد أحد أفضل المسلسلات التي تعرض حالياً في رمضان على عدة محطات منها تلفزيون دبي والقناة الثانية المصرية. المسلسل من تأليف محسن الجلاد وإخراج محمد عزيزية وإنتاج جمال العدل. وقد تناولته العديد من الاقلام مؤكدة على أن الاغتصاب قضية او جريمة يجب معالجتها..الا ان هناك ردود فعل غريبة نوعا ما حول مشهد الاغتصاب الذي عرض في الحلقة الثانية من المسلسل الذي تتعرض فيه د. عبلة quot;يسراquot; للاغتصاب مع زميلتيها اثناء ذهابهن لاسعاف حالة مرضية في وقت متأخر ليلاً سواء كان تصريح د. ايمان مسعود رئيس قسم طب الاطفال في مستشفى قصر العيني أو تصريح الاستاذة أحلام حنفي مقرر المجلس القومي للمرأة لجريدة المصري اليوم خلال الاسبوع الماضي. تصريحات تثير كثير من الاسئلة حول رأي المثقف بجريمة الاغتصاب وكيف ينظر لها.. وهل يختلف رأي المثقف عن رأي الجاهل في مثل هذه الحوادث في ظل مجتمع تحكمه موروثات عديدة لا تزال تنخر في عقولنا..أسئلة كثيرة تطرح حول واقع الحال لجريمة الاغتصاب ولعدد حالات الاغتصاب..وكيف يتم معالجتها؟ وهل هناك مراكز تأهيل للارشاد النفسي تعتني بالمغتصبة أم لا؟ وهل يتم معالجة المغتصب أيضاً أم لا؟ اضافة الى النظر بالمادة 17 والمادة 190 من قانون العقوبات الخاص بالاغتصاب.
مواصفات المغتصبة
صرحت د. إيمان مسعود رئيس قسم طب الاطفال بمستشفى قصر العيني بانها مستاءة من تقديم شخصية د عبلة في المسلسل على أنها تعمل في مستشفى قصر العيني.. وتقول كان يجب الاكتفاء فقط بالاشارة الى انها د. اطفال..لان المسلسل تسبب لها بحرج كبير خاصة انها متزوجة من طبيب كما يقدم المسلسل يسرا مع زوجها. تقول لا تتخيلوا كم التلفونات التي تلقيتها quot;تريقةquot; لدرجة أن البعض دعاها الى مقاضاة أسرة المسلسل... واضافت انها تبلغ من العمر 60 عاما وليس كما قدم المسلسل د. عبلة رئيسة قسم طب الاطفال 40 عاما وجميلة..حيث لا يعين أحد بهذا المنصب الا وقد تجاوز 55 سنة. وتساءلت..كيف تغتصب سيدة بهذا العمر؟ وأكملت..quot;وتعالوا شوفوا شكلي.. لا يمكن لاحد أن يغتصبنيquot;!! بناء على تصريح د. ايمان مسعود هل يجب أن يكون هناك مواصفات للمغتصبة؟ لم أسمع من قبل بان هناك مواصفات للمغتصبة!! حتى الدراسات التي تصدرها بعض المراكز المعنية بقضية التحرش الجنسي والاغتصاب لم تشر يوما بان الضحية التي تتعرض للاغتصاب لها مواصفات معينة من حيث الشكل أو السن أو الطبقة الاجتماعية أو حتى المهنة..فالدراسات التي تصدر حول الاغتصاب قليلة جداً بحكم سرية المعلومات أو بسبب عدم التبليغ عن الحادثة خوفا من الفضيحة أو لعدم ثقة المغتصبة بنيل حقها في ظل مجتمع ينصف الرجل على حساب المرأة. الا أن هناك دراسات عديدة صدرت حول موضوع التحرش الجنسي تؤكد أن مظهر الفتاة أو سنها ليس مكمن إثارة الرجال للتحرش بالفتاة أو السيدة كما يعتقد الكثيرون...فكما ذكرت دراسة صدرت عام 2006 أعدها quot;المركز المصري لحقوق المرأةquot; حول التحرش الجنسي في مصر، قالت بأن 40 % من المصريات يتعرضن للتحرش الجنسي من خلال quot;اللمس. ووضحت الدراسة التي جرت على عينة من 1082 استمارة إلى أن التحرش لا يقتصر على عمر أو طبقة اجتماعية معينة. وهذه الدراسة اجريت في عدة محافظات، منها القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية وقنا والمنيا وسوهاج والأقصر. وكانت أعلى نسبة للتحرش ضد الفتيات اللائي يذهبن للمدرسة سيراً على الأقدام أو بالمواصلات، ثم النساء أثناء توجههن من وإلى العمل أو في موقع عملهن. وأكدت الدراسة حتى النساء الأكبر سناً يواجهن أشكالاً مختلفة من التحرش بنسبة عالية. وهذه الدراسة أيضا تنفي ما جاء على لسان الاستاذة quot;أحلام حفنيquot; مقرر المجلس القومي للمرأة..فقد استنكرت أن تحدث عمليات الاغتصاب من ولاد ناس كما جاء في المسلسل وضد ولاد ناس لان هذا لا يحدث!! وتؤكد بأن جرائم الاغتصاب لا تحدث ضد الطبيبات والمتزوجات والحوامل!! واعتبرت أن ما جاء في المسلسل يعني عدم وجود آمان في مصر نهائياً.. كما انها اكدت أن هذه الحوادث تحدث في الاماكن المهجورة والعشوائيات!!
رقم يثير القلق..ومشهد يثير الرعب
استطاع المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر عام 2006 تقديم احصائية عن هذه الجريمة.. فهي تبلغ 20 ألف حالة اغتصاب سنويا في مصر، وأن معظم القائمين بعمليات الاغتصاب عاطلون عن العمل، كما اقرت أن حالات الاغتصاب ارتفعت خلال 5 سنوات الاخيرة وأن 85% من الحالات ضحايا اطفال يكون المغتصب معروفاً للطفل أو الطفلة. 20 الف حالة سنويا رقم ليس بالقليل..ورقم يحفز على معالجة المشكلة او كما يسميها البعض ظاهرة..واعتقد ان التفكير بان هناك 20 الف حالة اغتصاب يثير القلق في النفس اذا تذكرنا أن هذه الحالات لا يتم معالجتها نفسيا وجسديا واجتماعيا..واذا تذكرنا أيضاً أن المغتصب في كثير من الحالات لا تثبت التهمة عليه..مما ينعكس سلبيا على المجتمع ولكن ما يثير الدهشة هنا تعليق الاستاذة quot;أحلام حنفيquot; عن مشهد الاغتصاب فهي اعتبرت أن المشهد قد تم تطويله-15- دقيقة!! وأن المسلسل عمل رعباً للناس داخل مصر فما بالنا بمن يرغب في زيارتها من خارج مصر!! وتقول اشعر اننا مستهدفون من ذلك!! وصحيح ان جرائم الاغتصاب زادت في مصر ولكن ليس لدرجة تقديم مشهد اغتصاب مستفز للمشاهد!! وعن اعتبارها ظاهرة خطيرة قالت بالفعل هي موجودة وتحدث كثيرا ولكن هل هي موجودة لدرجة تخويف الناس خاصة النساء اللاتي ينزلن الى اعمالهن!! يا سيدتي هل يعقل أن مشهدا في مسلسل يثير الرعب داخل وخارج مصر؟؟ وينفي الامان فيها؟؟ هو مشهد درامي يوضح جريمة اغتصاب..اغتصاب بكل ما تحمل الكلمة من معنى..مشهد يقول لنا لا تكفي المؤتمرات والندوات واصدار الاحصائيات حول الجريمة..مشهد يؤكد أهمية تأسيس مراكز للعناية بالضحية وإعادة تأهيلها.
مراكز للارشاد النفسي
الاغتصاب جريمة عالمية وليست حكراً على مجتمع معين الا أن المجتمعات تتفاوت بين بعضها البعض بكيفية معالجتها... من حيث معالجة الضحية فهي بالتأكيد بحاجة الى علاج نفسي واجتماعي وجسدي. فالضحية ستعاني من الشعور بفقدان الامان وبالثقة بنفسها وبالاخرين. والشعور بالعجز وبالضعف. اضافة الى الاكتئاب الشديد الذي يؤدي الى العزلة. وفي بعض الحالات تلجأ الى الادمان أو الدعارة. فاذا كنا غير قادرين على معالجة الظاهرة من جذورها حيث أن من الاسباب التي تقود الى هذه الجريمة الفقر والبطالة و الاثارة الاعلامية التي تستغل جسد المرأة مما يؤدي الى الانحراف..فالاجدر تأسيس مراكز تأهيل للارشاد النفسي والجسدي لمساعدتها على التكيف من جديد مع نفسها ومع المجتمع من حولها. فكما وضحت ل ايلاف الاستاذة quot;عزة كاملquot; اختصاصي شؤون المرأة والجندر في مصر بأنه لا يوجد مراكز متخصصة لمعالجة واعادة تأهيل المغتصبة..فالمركز الوحيد الموجود للارشاد النفسي هو quot;مركز النديمquot; وهو منظمة غير حكومية ولكن عملهم خاص بالنساء المعنفات وليس متخصصا بضحايا الاغتصاب. اضافة الى ان هناك بعض المنظمات غير الحكومية تقوم بتنظيم جلسات استماع لضحايا العنف الجسدي وتقديم المساعدة لهم. كما يوجد الخط الساخن لتلقي البلاغات فقط عن التحرش الجنسي والاغتصاب الذي أسسه المجلس القومي للطفولة.
قانون العقوبات
المادة 190 من قانون العقوبات تقر بعقوبة الاعدام للمغتصب اذا توفرت الاركان الكاملة للجريمة.. الا أن المحكمة تستطيع خفض الجريمة الى درجتين من خلال المادة 17 من قانون العقوبات فتصل الى الاشغال الشاقة وحدها الاقصى 15 سنة، أو حدها الادنى 3 سنوات وذلك اذا رأت المحكمة في ظروف القضية ما يتوجب الرأفة. هناك تساؤلات كثيرة تطرح.. ومنها ما هي الامور التي تدعو الى الرأفة بالمغتصب؟ هل هناك مبررات للاغتصاب؟ وما إذا لم يتوفر شهود لاكتمال الاركان الكاملة للجريمة حتى تقر المحكمة بعقوبة الاعدام للمغتصب كما يقول قانون العقوبات؟ وهل يكفي حبس المغتصب مدة 15 سنة أو 3 سنوات..ألا يحتاج الى إعادة تأهيل أيضاً خلال سنوات سجنه؟ لا تزال جريمة الاغتصاب تجعل المرأة تدفع ثمن غلطة لم ترتكبها..وتعتبر فضيحة للمرأة وقد تقضي على مستقبلها..وفيها يصبح رأي المثقف مثل الجاهل.. والكبير مثل الصغير.. والمظلوم مثل الظالم!!
التعليقات