السجناء في اليمن فرحة مكتومة وجراح يعمقها فراق الأهل والأحبة
أنور البحري من صنعاء: يختلف تقييم حياة السجون من نزيل لآخر فيرى البعض أن السجن تغييب لحياة السجين كون السجن تقييدا للحرية وعزلا للقاء الأهل والأحبة كما كان النزيل يعتاد قبل وقوفه خلف القضبان.. فيما يرى البعض الآخر أن السجن إصلاح وتهذيب لشخصية الفرد باعتبار أن كل من يدخل السجن نتيجة ابتلاء يسعىإلى إصلاح نفسه ومراجعتها والعودة إلى جادة الصواب قبل العودة إلى الأهل كشخص آخر.. فهل يمثل السجن بالنسبة إلى هؤلاء نقطة تحول فعلا في مسار الحياة؟
مدير عام الإصلاحية المركزية العقيد مطهر علي ناجي الشعيبي قال بدوره:quot; إن برنامج الإصلاحية في العيد يتمثل في التركيز على تمديد فترة الزيارة إلى جانب توزيع هدية العيد على النزلاء.. مشيراً إلى أن جمعية الصالح ستتبنى توزيع هدية العيد وكذا جعالة العيد فيما تسعى إدارة السجن إلى الترفيه على السجناء سواء كان في اللحم أو الأكل، فضلاً عن تذليل الزيارة بحيث تكون مفيدة للسجناء مع ضرورة التشديد والحزم في التفتيش على الأغراض التي لا يسمح بدخولها.
وأشار الشعيبي إلى أنه تم الإعداد لبرنامج رمضاني للسجناء يشمل تنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والتي من ضمنها حفظ القرآن الكريم وتكريم المشاركين بالشهادات التقديرية والهدايا الرمزية بهدف خلق منافسة مستقبلية بين النزلاء، مؤكداً انه سيتم تطوير هذه البرامج مستقبلاً والاستفادة من السلبيات التي رافقت الفترة الماضية.
وفي ما يتعلق بزيارة أهالي السجناء خلال فترة العيد يوضح مدير الإصلاح والتأهيل في إصلاحية صنعاء المركزية يحيى الحيدري أن الزيارة ستكون مفتوحة من بعد أداء صلاة العيد حتى نهاية اليوم طوال أيام إجازة عيد الفطر المبارك وسيكون هناك تسهيل لدخولهم وتسهيل أماكن تواجدهم مع أقربائهم من نزلاء الإصلاحية مع مراعاة عملية التفتيش للزوار.
وأشار الحيدري إلى أن فعاليات سيشهدها يوم العيد تتمثل في قيام بعض الجمعيات الخيرية بعمل زيارات للنزلاء وتقديم الهدايا العيدية لهم حيث تم التنسيق بين الإصلاحية وجمعية الهلال الأحمر اليمني للقيام ببعض الأعمال الخيرية قبل عيد الفطر المبارك تتضمن قص الشعر والأظافر وبعض شعر الجسم في ما يخص الإخوة في المصحة للظهور للأهل بشكل جيد، كما تم التنسيق مع جمعية الصالح الاجتماعية الخيرية وبعض الجمعيات الخيرية مثل جمعية الإصلاح والجمعيات الخيرية الأخرى وأهل الخير الذين سيحضرون إن شاء الله ومعهم كعك العيد لنزلاء الإصلاحية.
النزيل عبد الله يحيى الصايدي محكوم إعدام في قضية قتل خطأ قضى في السجن خمس سنوات ونصف حفظ خلالها المصحف كاملاً ويعمل مدرسا لتحفيظ القرآن الكريم في الإصلاحية، يقول:quot; إن أجواء رمضان في السجن هي أجواء روحانية إيمانية حيث تحيا ليالي رمضان في تلاوة القرآن وقيام الليل وتنظيم المحاضرات التوعوية لنزلاء الإصلاحية وتعليمهم حب الخير والعفو والاتعاظ من نوائب الأيامquot;.
وبالنسبة إلى استقباله عيد الفطر المبارك وهو يقبع في السجن قال:quot; إن استقبال عيد الفطر المبارك هذا العام يأتي ككل عام استقبل فيه العيد وهو سجيننا رغم أن قضاء العيد في السجن هو ضجر لا يوصف كون السجين بعيدا عن الأهل والأصحاب وليس أمامه سوى تفويض الأمر لله سبحانه وتعالىquot;.
ورغم صدور حكم إعدام ضده إلا انه يقول ان هناك تحكيما قبليا لحل القضية قبلياً مع أولياء الدم وفيما إذا فشل التحكيم القبلي يقول الصايدي:quot; إن الإنسان إذا فوض أمره لله فليس عليه إلا أن يرضى بكل ما قضى الحق تبارك وتعالى.. مشيراً إلى أن الخالق يضع الإنسان في موقف مثل هذا لامتحان إيمانه وقوة صبره على الابتلاء..
واعتبر السجن رسالة ابتلاء من الله فيقول quot; إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب العبد ابتلاه وقد تكون الرسالة رحمة وقد تكون غضبا فتكون رحمة عندما يكون إقبال السجين على الله سبحانه وتعالى وتغيير مسار الشخص بمعنى أن المشكلة التي تصادف الإنسان هي مجرد سبب لاستقامة الشخص لبعده عن الله ورسالة غضب عندما لا يتجه السجين الى الله ويكون حال النزيل ضجرا وعدم رضى وارتياح بوضعه.. وأضاف quot; قد رأينا هناك أناسا في السجن قاتلين قتلة عمد لم يفكروا في التوبة ولم يرجعوا إلى الله الرجعة الصحيحة وخرجوا إلى الميدان وأعدموا وهم على حالهم المذنبquot;.
ويضيف الصايدي quot;على العبد أن يفهم الرسالة التي يبتليه الله بها ويصحح مسار حياته هذا ما أحب أن أقوله لكل سجينquot;.
ويقول النزيل عبدالله حسين غبًان الذي صدر في حقه حكم بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة تزوير عمله قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر:quot; أملي كبير في أن يتم الإفراج عنا قبل عيد الفطر المبارك وأتشوق للاحتفال هذا العام بعيد الفطر المبارك بين الأهل والأحباب بعد أكثر من ثلاث سنوات سجنquot;.
وأكد غبًان أن الاحتفال بأي عيد في السجن مؤلم وغربة حينما يعيشه المرء وهو بعيد عن أهله وأصحابه إلا أن السجن يعتبر استقامة في حال اتجه الواحد الطريق الصحيح ويكون صادقا مع نفسه أولاً وبذلك يكون السجن منحه لتقويم السلوك والعودة إلى الله بدلاً من سلك السبيل الذي لا يأتي من ورائه سوى المتاعب والآثام ولعل الحرمان من الاتصال بالأهل وتقييد حريتنا يعتبر أهم قضية تجعل المرء يتوقف كثيراً قبل الإقدام على أي شيء.
ويشير إلى أنه استغل فترة تواجده في السجن بالالتحاق بالجامعة ومواصلة الدراسة الجامعية تخصص دراسات إسلامية مستوى ثالث وينوي إكمال
السنة الرابعة وهو بين الأهل بعد قضاء فترة الحكم الصادر في حقه، مبيناً أن فترة تواجده في السجن سمحت له بإعطاء دراسته أكبر وقت ممكن إلى جانب تدارس القرآن مع رفقائه من النزلاء الذين يحاولون تكفير مساوئهم بالرجوع إلى الله والمحافظة على الصلوات الخمس وتلاوة القرآن وحفظه، الأمر الذي جعله ينجح في دراسته الجامعية بتفوق.
* السجن حياة جديدة:
النزيل عبد الله قشمر المتهم بقضية قتل وصدر في حقه حكم بالدية والسجن ثلاث سنوات قضى منها سنة وثلاثة أشهر حفظ خلالها كتاب الله كاملاً اعتبر أن الحبس بالنسبة إليه حياة جديدة كونه كان في غفلة وعاد إلى الله سبحانه وتعالى في السجن الذي قال انه يعتبر مدرسة فالحياة بالنسبة إليه هي لحياة داخل السجن أو خارج السجن إلا أن حياة السجن تؤجر عليها إذا صبرت وشكرت وحياة تحاسب عليها إذا كنت خارج السجن.
وفي ما يتعلق بالاحتفال بالعيد داخل السجن يؤكد قشمر أن المقياس للاحتفال بهذه المناسبة يتمثل في رضى الإنسان بقضاء الله وقدره فإذا كان الإنسان مقتنعا بقضاء الله يعيش مرتاحا سواء في العيد أو رمضان بل بالعكس فقضاء شهر رمضان يكون في السجن بشكل أفضل لأننا نعيشه بروحانية أفضل ونشارك في جلسات ذكر تجعل الإنسان يعيش راضيا ومقتنعا كل القناعة بالحال التي هو عليها..
وقال قشمر quot;أتمنى كل رمضان حتى لو خرجت أن أصوم في السجن ولكن حكمة الله هي التي تمشينا والعيد رائع في السجن ولله الحمد إلا أن المعضلة الوحيدة من وجهة نظري تتمثل في الزيارات فحبذا لو توسع شبك الزيارة لأن لا أحد يستطيع أن يتكلم مع أهله في العيد نظراً إلى كثرة الزوار لأهاليهم في السجنquot;، مشيراً إلى أن زيارة الأهل إلى السجن تقطع وحشة السجن فلم يعد سجنا بتلك الصورة المخيفة خاصة وأن السجين يلتقي بأهله كل يوم أو ثاني يوم بحسب ظروفهم للزيارة.
* السجن عودة إلى الله:
النزيل أحمد علي أبو هميله المسجون منذ العام 2003 بتهمة قتل وصدر في حقه حكم بالإعدام يقول هو الآخر quot;الحمد لله الذي شاء أن أدخل السجن المركزي لأني رجعت في السجن إلى الله وحفظت القرآن الكريم وتمكنت من إكمال دراستي الجامعية في كلية التجارة تخصص علوم سياسية فقد تخرجت هذا العام وحصلت على المستوى الأول في قسم العلوم السياسيةquot;.
وتابع quot;حقيقة إن هذا السجن لم يعد سجنا كما كان معهودا في عهد الحكم الإمامي الكهنوتي فقد أصبح السجن في عهد فخامة الرئيس علي عبد الله صالح حفظه الله قطعة من أوروبا إذ أصبح متاحا فيه التعليم الأساسي والثانوي والتعليم الجامعي بشتى أنواعه وتواجدت فيه الخلوة الشرعية والمكتبة وقسم المعامل وقسم الإصلاح والتأهيل وأصبح السجن فعلاً مكانا للإصلاح والتأهيل وأنا كواحد من النزلاء استفدت كثيراً ولله الحمدquot;.
وأكد أبو هميله أن تحول السجن من تأديب وتعذيب إلى إصلاح وتأهيل وتهذيب يرجع الى الدور الايجابي الذي تبذله قيادة وزارة الداخلية ممثلة باللواء الركن مطهر رشاد المصري وقيادة السجن المركزي ممثلة في العقيد مطهر علي ناجي فقد أصبحت الحياة في السجن المركزي حياة راقية بكل ما تعني الكلمة لتوفر كافة الخدمات التعليمية والثقافية وغيرها من الاحتياجات التي تتطلبها الحياة.
وأضاف quot; أنا أتكلم الآن بهذا المنطق وأنا محكوم إعدام وحكمي الابتدائي والحكم الاستئنافي كان ظالما بالنسبة إلي ولكني أتمنى أن أحظى بمحام من قبل قيادة وزارة الداخلية باعتباري احد الضباط المنتسبين إليها وهو ما أرجو حدوثه في ظل قيادة وزارة الداخلية الجديدة إن شاء اللهquot;.
وناشد أبو هميله فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية النظر في حكم الإعدام الصادر بحقه سواء بتوقيفه أو التدخل قبلياً لحل المشكلة، ويقول انه ينتظر حكم الله في أمره فهو كما يقول:quot; لا أخاف الموت فالإعدام بالنسبة إلي كشربة الشاي إذا كان قضاء الله في أن أعدمquot;.
وفي ما يتعلق بحياة السجن يقول انه يتمنى أن يبقي حياته في السجن كونه يقضي وقته في قراءة القرآن والتواصل مع الله، وبالنسبة إلى الأهل الزوجة والأولاد فهم يأتون للزيارة بشكل يومي لزيارتي فلا أريد سوى رضى الله ولا أريد الخروج من السجن وإنما توقيف حكم الإعدام من خلال إيصال صوتي إلى قيادة وزارة الداخلية وفخامة رئيس الجمهورية علني أحظى بإعادة نظر في حكم الإعدام إذا أراد الله تبارك وتعالى.
من جانبه يقول النزيل شايف أحمد الخباني المحكوم بالإعدام بتهمة القتل والذي حفظ المصحف كاملاً خلال فترة تواجده في السجن التي تجاوزت الثلاثة أعوام أن حياة السجن بالنسبة إليه انتقال من الظلام إلى النور فقد دخل السجن كما يقول وهو لا يحفظ من المصحف شيئا وخلال سنة حفظ كتاب الله كاملاً بفضل الظروف المتاحة لهم في السجن والدوافع التي يلقونها من قبل المدرسين وقيادة السجن إلى جانب دراسة بعض الدراسات الإرشادية والقانونية من خلال الكتب المتواجدة في مكتبة الإصلاحية المركزية ويعمل حالياً حسب قوله مشرف قسم السياسة والقانون في الإصلاحية حيث أقوم بإلقاء محاضرات على النزلاء في مجال الإجراءات الجزائية والجرائم والعقوبات وقانون المحاكمة.
وفي ما يتعلق باستقبال عيد الفطر المبارك قال انه ونظراً إلى الظروف سيستقبل العيد بروح رياضية، مشيراً إلى أن الإنسان عندما يتقرب إلى الله يأتي وقلبه مطمئن لا يخالطه أي شك أو خوف أو ريب ولله الحمد فالطمأنينة موجودة وإن كان العيد سيحتفي به بعيداً من الأهل والأصدقاء ولكننا هنا نعيش بين أهل أختارهم الله لنا نظراً إلى الأجواء الإيمانية التي نعيشها في الإصلاحية.
وأثناء تبادلنا الحديث مع نزلاء الإصلاحية إذ بالنزيل فؤاد الحرازي يأتينا حاملاً بيديه أوراقا تؤكد صدقية ما يريد أن يقوله لي وبدأ الحديث مباشرة انه مسجون بتهمة القتل وقد صدر حكم بدفع دية لأهل الدم والسجن خمس سنوات إلا أن الظروف المادية حالت دون خروجه بعد أن قضى مدة الحبس المحددة في الحكم فقد تجاوز على سجنه 11 سنة كونه غير قادر على دفع الدية ويقول:quot; إن لديه حكم إعسار وتمنى أن يفرج عنه في أقرب وقت ليشارك أهله الحياة وأفراح العيد بعد غياب هذه السنوات الطويلة كون أولاده لايزورونهquot; كما يقول quot; إلا مرة في السنة كونهم في حراز وللوضع المأسوي الذي خلفته هذه المحنة خلال سنوات السجن العجاف.
ويقول الحرازي quot;رغم الرفاهية والإمكانات الجيدة في الإصلاحية إلا أن العيد في السجن بالنسبة لي مأساة وأنا بعيد من أولادي وأسرتي فقد طالت الأعياد التي قضيتها في السجن ولم أذق طعم حلاوة الأيام العادية التي كنت أعيشها بين أهلي وأصدقائيquot;.
ويشير إلى أن زيارة أولاده التي لا تتحقق إلا في السنة مرة لظروفهم تأتي لتدمره نظراً إلى ضيق وقت لقائه بهم فلم تكفه كما يقول الساعة أو اليوم أو الشهر للبقاء معهم وتعويض ما فات من أيام العمرquot;.
ولم ينته الحرازي من حديثه معنا ليدخل في الخط النزيل عبده علي راشد سبيع المتهم هو الآخر بالقتل والذي قال انه مضى على سجنه أكثر من ثماني سنوات دون صدور حكم في القضية منذ العام 2001 وحتى اليوم.. وطالب الجهات المعنية إصدار أي حكم في حقه حتى لا يبقى سجين بتهمة لم تثبت عليه حتى اليوم حسب قوله.
وفي ما يتعلق بحياته التي يقضيها في السجن قال انه يقضيها في الصلاة وقراءة القرآن والمشاركة مع الاخوان الطيبين بالاصلاحية في حلقات الذكر والتردد بكشل مستمر على المكتبة لمطالعة بعض الكتب الثقافية..
* فوائد حياة السجن متعددة:
النزيل أوسان العنشلي مساعد أمين المكتبة في الإصلاحية الذي صدر في حقه حكم إعدام بتهمة القتل وقضى في السجن حتى اليوم أكثر من خمس سنوات كونه كما يقول يستأنف الحكم ويحاول من خلال ذويه أن يحل القضية مع أهل الدم قبلياً أعطانا صورة عن كيفية زيارة السجناء إلى المكتبة والتي تتاح لكل نزيل للاستفادة من محتوياتها وأيضاً مشاركتهم في الدورات والمسابقات الثقافية التي تنظم بشكل دائم في الإصلاحية والتي قال إنها متاحة لكافة النزلاء بغرض تحفيزهم للإقبال على التعليم وبخاصة حفظ القرآن الكريم الذي يسهم بشكل كبير وملموس في تحسين أخلاق وتصرفات الفرد ويغير سلوكياته وتعامله مع نفسه ومع الآخرين على السواء.
وفي ما يتعلق بحياة العنشلي في السجن يقول إنها حياة مثلها مثل الحياة خارج السجن رغم أن لا ثمن للحرية غير انه يشغل نفسه في المشاركة بإعداد الدورات التدريبية والمسابقات في المكتبة المركزية كونه يعمل مساعدا لأمين المكتبة وكل المسابقات الثقافية تعقد في المكتبة.. وقال إن حياة السجن تجبر المرء أن يتعلم فيها الكثير بدءا بتعلم خبرات جديدة من خلال معاشرة الناس من أصناف مختلفة.
ويقول إن العيد بالنسبة إليه من أصعب المناسبات التي يمر بها كون الاحتفال بمناسبة دينية عظيمة مثل عيد الفطر المبارك بعيداً من الأهل والأصدقاء تمثل مأساة وليس فرحة ولكننا ندعو الله أن يرزقنا الصبر وان يأجرنا على ما نحن فيه.
التعليقات